عاجل

حرب تجارية تفترس ال «براند» - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

أحمد العمار *

يُجمع خبراء التسويق ودارسوه على أربعة عوامل يرونها داعمة لنشوء وارتقاء المنتَج، ليقفز من علامة تجارية عادية إلى فاخرة (براند).. دخل مرتفع، ذوق رفيع، وعي بالمكانة الاجتماعية، ولاء للعلامة نفسها.
في موازاة ذلك، يصبح الحفاظ على الموقع الريادي في السوق، ليس بالأمر الهين، فأي تغيير في هذه الأركان الأربعة للعلامة، إن جاز لنا التعبير، يجعلها في مهب الخطر، ولعل ذلك بدا واضحاً في دروس جائحة «كورونا» وما قبلها وبعدها، والآن يبدو على نحو أوضح، مع التعقيدات الاقتصادية والجيوسياسية، التي باتت متشابكة ومعقدة، ونحن نعيش حرباً تجارية، حطمت قواعد وأسساً، كنا نضعها، حتى الأمس القريب، في إطار الثوابت والمسلَمات، فما الذي حدث؟
بداية، أطل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بطلاً وحيداً في أول مشاهد العمل الدرامي- الملحمي (فرض الرسوم الجمركية)، لكن شخوصاً آخرين ظهروا في المشاهد التالية للعمل، وربما على غير الوجه الذي أراده ال «سيناريست» الأمريكي.
لقد قَلَبَ التنين الصيني الطاولة على الجميع، وعاد بكرة مرتدة، لم تهدد شِباك ترامب فحسب، بل العالم كله في الجهات الأربع، ولعل العلامات التجارية الفاخرة، باتت أبرز أولئك المهدَدين، ما جعل أسواق هذه العلامات تحبس أنفاسها، وتتلمس تيجاناً ظلت مرصعة بعوائد ضخمة لعقود، وربما لقرون خلت.. كيف وبأية أدوات؟
دق مؤشر «غولدمان ساكس» للسلع الفاخرة ناقوس الخطر بتراجعه، مع بداية العام الجاري، بأكثر من 12%، متجهاً نحو تسجيل أسوأ أداء سنوي له، منذ عام 2018، وعلى الضفة الأخرى للأطلسي، لا تبدو البضائع الأوروبية والفرنسية الفاخرة بأحسن حال، علماً بأن وزن هذا القطاع بالنسبة للبورصات في القارة الشقراء، يماثل قطاع التكنولوجيا لدى الأسهم الأمريكية، طبعاً مع اختلاف حجم الأوزان، لذا لا غرابة إن تنازل LVMH عن عرش أغلى سهم في أوروبا، علماً بأن هذه المجموعة تتصدر سوق السلع الفاخرة، حول العالم، إذ تضم تحت مظلتها نحو 60 شركة.
لا يختلف كثير من التحليلات حول تباطؤ نمو قطاع المنتجات الفاخرة، للعام الجاري، بل إنها المرة الأولى، منذ عام 2016، (باستثناء 2020)، التي من المتوقع أن تنخفض فيها قيمة العلامات الفاخرة، قياساً بالعام السابق.
كما تتجه التوقعات، إلى أن القطاع سيخط مساراً هبوطياً متباطئاً، خلال السنوات المقبلة، لينخفض النمو السنوي عالمياً إلى مستوى يتراوح بين 1 -3%، حتى عام 2027، ولن يسعفه نشاط نسبي لأسواق ناشئة في الشرق الأوسط والهند وآسيا.
عموماً، تبقى أوروبا هي موطن السلع الفاخرة، فمعظم هذه السلع تُصنع في فرنسا وإيطاليا وسويسرا (عاصمة صناعة الساعات العريقة)، وشملت رسوم ترامب هذه الدول الثلاث وغيرها، ما يعيق و«يفرمل» هذه الصناعة، التي يمكن القول إنها «نفط أوروبا»..
ما دمنا في أوروبا، فإن وزيرَ تجارةٍ فرنسياً، أطلق ذات يوم العبارة الشهيرة: «إن الماركات كذبة تسويقية، صنعها الأذكياء لسرقة الأثرياء، وصدقها الفقراء»، ذلك أن المستهلك هنا يشتري العلامة لا الجودة، فهل يعاد تعريف العلامات التجارية الفاخرة، وتفقد بعضاً من قاعدة عملائها وزبائنها، في ضوء معطيات جديدة لم تكن متوقعة، قبل 120 يوماً من الآن، عندما شرع ترامب بهدم المعبد على من فيه؟
نعم، لقد بات سوق العلامات التجارية الفاخرة في وضع لا يحسد عليه، إذ لا تقتصر معاناته على مشكلة إنتاج أو سلاسل توريد أو تسويق، بل ذلك كله، فضلاً عن مشكلات «وجودية»، إن صح القول، ذلك أنها المرة الأولى التي تنهار فيها القيمة الاجتماعية- الخاصة للسلعة، ويكتشف فيها المستهلك النخبوي «Elite»، أنه مضطر للنزول عن الشجرة، ومعاينة «الخديعة الكبرى».. آلاف الدولارات اعتاد أن يدفعها على سلعته الفاخرة، لسنوات طوال، ثم تبين أنها «صنعت في الصين»، وبِيعت للشركة مالكة العلامة، لقاء مئة دولار، أو أقل.. !
حقيقة، لا بد أن يعترف العالم بها، ولعل في مقدمة هذا العالم أمريكا والغرب: ليس من السهل معاداة الصين تجارياً.. هذا البلد الذي يمتلك، وبشكل شبه حصري، كل أسرار وكلمات مرور «باس وورد» الصناعة والإنتاج الرخيصين، على نحو خرافي- أسطوري. ربما تستمده تلك البلاد من أساطير وحكايات التنين الخرافية، التي باتت أكثر من حقيقية، عندما تكسر الصين قواعد وبدهيات إنتاجية وتسويقية، لطالما ظلت راسخة لدى مواطننا العالمي، لعقود خلت.. !
على غرار سقوط جدار برلين، أو تفكك الاتحاد السوفييتي أو.. كانت مقاطع الفيديو أو الصور، التي بثها صناع محتوى ومؤثرون صينيون عن «خديعة» العلامات التجارية، صادمة ومحطمة للصورة الذهنية «mental image» النمطية للعلامة التجارية الفاخرة، بل وناسفة لأحد أهم أركان هذه الصناعة..
كانت مشاهد عابرة للفهم، ومتجاوزة لحدود الزمان والمكان.. سلعة تُنتج بتكلفة 1400 دولار، وتباع ب 34 ألفاً.. هاتف «آيفون» ب 10 دولارات.. مراكز الإنتاج لم تكن مصانع ضخمة في باريس وروما وجنيف، بل ورشاً في غوانجو وغوشان الصنيتين، وأبعد من ذلك في الهند وفيتنام وبنجلاديس..
للإنصاف، لا بد من القول: إن السلعة النهائية لا تختزل بالإنتاج وحسب، بل هناك جوانب الشحن والجمارك وسلاسل التوريد واللوجستيات والتغليف والتسويق والإعلان وخدمات ما بعد البيع وغيرها..
إضاءة: اختلف وتخاصم اللصان، فعُثر على المسروقات.. !

* إعلامي اقتصادي

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق