في تقريره الأحدث حول "آفاق الاقتصاد الإقليمي" لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خفّض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو اقتصادات المنطقة لعام 2025، مشيراً إلى أن المسار الاقتصادي لا يزال محفوفاً بالمخاطر في ظل استمرار النزاعات، وتراجع أسعار النفط، وتباطؤ التجارة العالمية.
ورغم بوادر تعافٍ في بعض الدول، فإن الصورة العامة تظل متباينة بشكل واضح بين الدول المصدرة والمستوردة للنفط، وبين دول الخليج وبقية المنطقة.
دول الخليج: نمو متواضع رغم الاستقرار النقدي ومرونة الإصلاحات
تشير توقعات صندوق النقد إلى أن اقتصادات مجلس التعاون الخليجي ستحقق نمواً تدريجياً في عام 2025، مدفوعاً بمشروعات البنية التحتية الكبرى وبرامج التنويع الاقتصادي.
ومع ذلك، تم خفض توقعات النمو مقارنة بتقديرات أكتوبر 2024 بسبب التراجع المتوقع في أسعار النفط وتباطؤ الاستثمار الخاص.
النمو المتوقع في الخليج سيبلغ نحو 3.7 بالمئة في 2025، مقارنة بـ 2.2 بالمئة في 2024. نمو القطاع غير النفطي سيتأثر بخفض الإنفاق الرأسمالي نتيجة انخفاض أسعار النفط، رغم استمرار الإنفاق على مشروعات مثل رؤية السعودية 2030 ومبادرات التنويع في الإمارات وقطر. معدل التضخم سيبقى منخفضًا عند حوالي 2 بالمئة، وهو ما يسمح للبنوك المركزية بمواصلة خفض أسعار الفائدة بالتوازي مع السياسة النقدية الأميركية. الفوائض في الحساب الجاري من المتوقع أن تنخفض نتيجة تراجع الصادرات النفطية، لكنها ستبقى إيجابية مدعومة باحتياطيات مالية خارجية قوية. الإصلاحات الضريبية تشمل إدخال ضريبة على الدخل الشخصي في سلطنة عمان، وتوسيع القاعدة الضريبية في السعودية والإمارات.مصر والأردن: نمو متواضع في ظل الأزمات المالية والأمنية
من بين الاقتصادات الكبرى المستوردة للنفط، تبرز مصر بوصفها من أكثر الدول تأثراً بتداعيات النزاع في غزة وانخفاض إيرادات قناة السويس.
يتوقع الصندوق أن يبقى النمو عند نحو 3 بالمئة في 2025. إيرادات القناة انخفضت بشدة، مما أدى إلى تراجع الإيرادات العامة. خدمة الدين العام تجاوزت 9 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2024، مقارنة بـ 7 بالمئة في العام السابق. التمويل الخارجي لا يزال يشكل عبئاً، رغم تحسن الفائض الأولي ونجاح البلاد في إصدار سندات دولية بقيمة 2 مليار دولار في الربع الأول من 2025. الاحتياطات الدولية لا تزال أعلى من مستويات ما قبل الجائحة، لكنها غير كافية أمام ارتفاع الديون قصيرة الأجل.أما الأردن، فتأثرت عائداته من السياحة والتجارة، وتباطأت وتيرة الإصلاحات المالية:
معدل الدين العام بلغ نحو 90 بالمئة من الناتج المحلي، متجاوزًا التوقعات السابقة بنسبة 15 إلى 20 نقطة مئوية. يُتوقع أن يبقى النمو دون 2.5 بالمئة في 2025، نتيجة ضعف الاستهلاك المحلي وتراجع المساعدات الخارجية.المغرب وتونس: أداء أفضل نسبيًا بفضل الاستقرار والسياسات الإصلاحية
سجّلت المغرب وتونس تحسناً ملحوظاً مقارنة بجيرانهما، مدعومتين بتراجع التضخم وتحسن الطلب المحلي.
المغرب: النمو المتوقع يقارب 4 بالمئة بفضل مشروعات البنية التحتية وزيادة تحويلات المغتربين. تونس: سيستفيد الاقتصاد من تحسن السياحة واستقرار النقد، مع نمو يقترب من 3.2 بالمئة في 2025.السودان واليمن ولبنان: اقتصادات منهارة وآفاق قاتمة
الدول المتأثرة مباشرة بالنزاعات تواجه انهيارًا اقتصاديًا عميقًا:
السودان: انكماش تراكمـي تجاوز 40 بالمئة بين 2022 و2024، مع استمرار النزاع دون مؤشرات حل. اليمن: من المتوقع أن يبقى النمو سالبًا عند -1.5 بالمئة لعامين متتاليين. لبنان: سجل أول فائض أولي منذ سنوات، لكنه لا يزال هشاً في ظل النزاع في الجنوب وضعف الثقة.التمويل العام والمخاطر المستقبلية
يشير صندوق النقد إلى أن احتياجات التمويل الإجمالي للدول المستوردة للنفط من الأسواق الناشئة ستبلغ 263 مليار دولار في 2025، بزيادة 14 ملياراً عن 2024، وقد تصل إلى 303 مليارات دولار بحلول 2029، ما يزيد من مخاطر الاستدانة والاعتماد على الأسواق الدولية.
معدلات الفائدة الفعلية على الدين لا تزال أعلى من معدلات ما قبل الجائحة، خصوصًا في مصر وباكستان وتونس، مما يزيد من أعباء إعادة التمويل.
النمو ممكن لكن هش
يؤكد الصندوق أن تحقيق نمو أكثر استدامة في المنطقة يستلزم تعزيز الإصلاحات الضريبية، خفض دعم الطاقة، تحسين كفاءة الإنفاق العام، وإزالة الحواجز أمام الاستثمار الأجنبي.
كما يشدد على أهمية خفض الاعتماد على النفط في الموازنات العامة، والاستعداد لمواجهة الصدمات العالمية، خاصة تلك المرتبطة بالسياسات التجارية وأسعار الفائدة.
0 تعليق