كتب يوسف الشايب:
في لحظة وُصفت بالمؤثرة، خلال حفل ختام مهرجان كان السينمائي الدولي 2025، وجه المخرج الفلسطيني توفيق برهوم رسالة إنسانية قوية بعد فوزه بـ"السعفة الذهبية لأفضل فيلم قصير"، مساء أول من أمس، عن فيلمه الأول مخرجاً ومؤلفاً: "أنا سعيد لأنك مت الآن" (I’m Glad You’re Dead Now).
وفي كلمته على خشبة "كان"، أمام حشد كبير من نجوم الفن العالمي، قال برهوم: "بعد عشرين عاماً، عندما نذهب إلى غزة، دعونا نحاول ألا نفكر في الموتى"، وهي جملة هزت وجدان الحضور وأعادت تسليط الضوء على المأساة المستمرة في قطاع غزة من خلال عدسة الفن والذاكرة الجماعية.
والفيلم الفائز بالجائزة الأكبر للدورة الثامنة والسبعين من المهرجان العريق، يروي في 13 دقيقة، قصة شقيقين يعودان إلى جزيرة طفولتهما، حيث يواجهان أسراراً دفينة وتوترات تدفعهما لمواجهة ماضٍ مظلم يربط بينهما.
واختار توفيق برهوم معالجة موضوع صعب يتمحور حول شقيقين، أحدهما يعاني من اضطراب نفسي ويلجأ إلى النسيان لتحمل ماضيه مع والد قاسٍ، والآخر يعيش تحت لعنة ذكريات مؤلمة دفعته في النهاية إلى قتل الوالد.
ووصف نقاد الفيلم، الذي هو التجربة الإخراجية الأولى لبرهوم، بأنه عمل قصير جريء مشحون بالعاطفة والسخرية السوداء، يعكس صراع الإنسان الفلسطيني مع الخسارة والعدالة الشخصية وسط واقع سياسي خانق.
واستقبل الفيلم بإشادة واسعة من النقاد منذ عرضه الأول في مهرجان كان، واعتُبر من أبرز الأفلام القصيرة في دورة هذا العام، حيث وجد فيه بعض النقاد بحثاً عميقاً في نفوس من يعانون من جراح لا تندمل، وهم هنا الفلسطينيون، وإن لم يشر إليهم برهوم مباشرة، في حين ذهب آخرون إلى أنه يذهب إلى تلك الطفولة المجروحة التي لا تغادر أصحابها مهما كبروا، وهو حال أطفال غزة خاصة، وأطفال فلسطين عامة.
ووصف برهوم فيلمه هذا، في حديث إذاعي مع "مونت كارلو"، مؤخراً: هو فيلم يتحدث عن النسيان، و"التروما"، والفارق بين أن يكون أحدنا مدركاً لما يحدث معه، وبين من لا يعرف ذلك، وهما الشقيقان اللذان يقع أحدهما فريسة للنسيان، أو يوقع نفسه فيه، بينما الآخر يبقى يتذكر.
وكشف برهوم: الفيلم مستوحى من قصة حقيقية لشاب أعرفه، وبالطبع كان الأمر أسهل بالنسبة لي لأن هذه الأمور هي التي أهتم بها، فموضوع النسيان دائما حاضر عندي.. حين أبدأ الكتابة لا أعرف أين ستتجه بي في نهاية المطاف، أكتب عن أمور تشغلني، وهذا ما خرج معي هذه المرة، نص فيلم "أنا سعيد لأنك مت الآن"، الذي يحاكي ما أعايشه كفلسطيني تحت الاحتلال، وفي الوقت ذاته يلامس الكثير من الحكايات ويحكي عن حيوات مشابهة حول العالم.
ولفت المخرج الفلسطيني الشاب إلى أن التمثيل لم يكن هاجساً بالنسبة له، هو الذي شارك في عديد الأفلام ممثلاً من بينها "يا طير الطاير" لهاني أبو أسعد، وتناول حكاية النجم محمد عساف، وفيلم "ولد من الجنة" لطارق صالح، وشارك في مهرجان كان السينمائي قبل ثلاثة أعوام، ومع ذلك فإنه يشارك ممثلاً في الفيلم، مؤكداً أنه كان يحلم باقتحام عالم الإخراج السينمائي لتحقيق شغفه.
وينحدر توفيق برهوم، المولود في العام 1990، من قرية عين رافة الفلسطينية، غرب القدس، وسبق له أن شارك في بطولة عدّة أفلام.
0 تعليق