عاجل

ماذا تعني زيارة ترامب إلى الخليج الآن؟ - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

مع زيارة الرئيس دونالد ترامب منطقة الخليج اليوم، الثالث عشر من مايو/ أيار 2025، تتزايد التوقّعات وتتضاعف الرهانات. إذ تمثل هذه الزيارة لحظة مفصلية في عملية إعادة ضبط الانخراط الأميركي في الشرق الأوسط.

ففي ظلّ تحولات جيوسياسية سريعة – بدءًا من تجدد المسار الدبلوماسي مع إيران، وسقوط نظام الأسد، وصولًا إلى استمرار الحرب المشتعلة في غزة – يُتوقّع أن تتناول محادثات ترامب مع القادة الخليجيين قضايا إستراتيجية آنية، إضافة إلى رؤى بعيدة المدى تتعلق بالأمن، وفرص السلام، والتحول الاقتصادي.

وعلى عكس ولايته الأولى، التي اتسمت بسياسات متشددة تجاه إيران وسوريا، تُعدّ هذه الزيارة فرصة لترامب ليتبنى نهجًا دبلوماسيًا أكثر مرونة وبراغماتية، متأثرًا بواقع إقليمي متغير وتوجهات خليجية أكثر عملية.

وفي مقدمة هذه التغيرات تبرز قضية إيران. إذ من المتوقع أن تتزامن الزيارة مع الجولة الرابعة من المفاوضات النووية بين واشنطن وطهران، في إشارة إلى تحوّل كبير عن موقف ترامب السابق الرافض لخطة العمل الشاملة المشتركة، ويبدو أنَّ واشنطن وحلفاءها في الخليج يميلون حاليًا إلى مسار دبلوماسي يهدف إلى فرض قيود يمكن التحقق منها على البرنامج النووي الإيراني، مع تجنّب المواجهة العسكرية المباشرة.

إعلان

وقد استثمرت الأطراف الخليجية خلال العامين الماضيين في قنوات دبلوماسية خلفية مع طهران، لتأسيس آليات خفض التصعيد وقنوات اتصال غير معلنة.

ومن المرجّح أن تستكشف إدارة ترامب كيف يمكن لدول الخليج أن تؤدي دورًا داعمًا في هذه المفاوضات، ربما من خلال تقديم حوافز إقليمية – كتعاون اقتصادي أو مشاريع تكامل في مجال الطاقة – مرتبطة بالتزام إيران.

وقد يسهم هذا التنسيق الأميركي- الخليجي في تخفيف المخاوف من سباق تسلّح إقليمي، وخلق إطار أمني أوسع قوامه الترابط الاقتصادي كقوة استقرار.

ومن المتوقع أيضًا أن يدعو القادة الخليجيون ترامب إلى ربط أي اتفاق نووي بآليات تحقق صارمة، وبنود تقيّد برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني ونشاطاته العسكرية عبر الوكلاء.

وهو ما يؤكد أن دول الخليج لم تعد تكتفي بالدبلوماسية عن بُعد، بل تطالب بدور مباشر في صياغة ترتيبات ما بعد الاتفاق. وقد يسعى ترامب إلى استثمار هذا الإجماع الخليجي لانتزاع تنازلات أوسع من طهران، لا سيما فيما يتعلق بتدخلاتها في الصراعات بالوكالة في العراق ولبنان واليمن.

وإذا ما أثمرت الزيارة عن رؤية ثلاثية منسقة تجمع واشنطن، ودول الخليج، وإيران، فقد تفتح الباب أمام تهدئة إقليمية أكثر استدامة، رغم استمرار العقبات السياسية.

أما الملف السوري، فيحمل قدرًا مماثلًا من الأهمية، وربما تعقيدًا أكبر. فقد مثّل سقوط بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024، بعد أكثر من عقد من الحكم السلطوي والحرب الدامية، بداية فصل جديد هش في تاريخ سوريا. إذ تقود دمشق حاليًا حكومة انتقالية، ترى فيها دول الخليج فرصة لإعادة دمج سوريا في الفضاء العربي، بشرط أن يترسخ هذا الانتقال عبر إعادة الإعمار والإصلاحات.

ومن المتوقع أن تدفع السعودية باتجاه مطالبة ترامب بتخفيف بعض عقوبات قانون قيصر، التي تعيق الاستثمار في البنية التحتية والقطاعات العامة في سوريا. ويرى قادة الخليج أن التخفيف المدروس للعقوبات – في مجالات الطاقة والمياه والإسكان – قد يعزز القيادة الجديدة، ويقطع الطريق أمام عودة النفوذ الإيراني، ويحول دون تحوّل سوريا إلى دولة فاشلة.

إعلان

أما التحدي أمام ترامب، فيكمن في الموازنة بين الالتزامات القانونية الأميركية والمواقف الأخلاقية من جهة، والمنطق الإستراتيجي لإعادة الانخراط الاقتصادي المشروط من جهة أخرى.

وإذا ما تم تقديم هذا الطرح بإطار محكم، فقد يحقق مكاسب مزدوجة: الحفاظ على النفوذ الأميركي، وفتح المجال أمام إعادة إعمار تقودها دول الخليج واستقرار سياسي طويل الأمد.

ويُضاف إلى هذا المشهد السوري المعقّد فراغ السلطة الناشئ، الذي تسعى قوى متعددة لملئه.

وتخشى العواصم الخليجية أن يؤدي انسحاب أميركي متسرّع من سوريا إلى أزمة مطوّلة جديدة. لذلك يُتوقّع أن تقترح هذه الدول مبادرة استقرار تقودها دول الخليج، وربما تحت مظلة جامعة الدول العربية، على أن تكون مشروطة بدعم سياسي أميركي وأطر قانونية تسمح بتدفقات مالية غربية محدودة.

وقد يجد ترامب، المعروف بميوله نحو تفويض الأعباء للحلفاء الإقليميين، في هذا الطرح فرصة سياسية مناسبة، تسمح لواشنطن بالحفاظ على نفوذها في مرحلة التحول السياسي السوري، دون التورط في التزامات عسكرية أو مالية كبيرة، وذلك انسجامًا مع عقيدته المعروفة: "أميركا أولًا".

وفي ملف غزة، فقد تجاوزت الحرب مع إسرائيل أهدافها الأولية، وتسببت في كارثة إنسانية هائلة. ومن المرجّح أن تركّز لقاءات ترامب مع القادة الخليجيين على آليات وقف إطلاق نار فوري، وحلول طويلة الأمد للحكم بعد الحرب.

ومع ارتفاع أعداد الضحايا المدنيين، يُتوقّع أن تقترح دول الخليج مبادرة لإعادة إعمار غزة برعاية أميركية، وتمنح السلطة لمؤسسات محلية تكنوقراطية أو بإشراف دولي لا تشارك فيه حماس.

وقد يسعى ترامب إلى إحياء إنجازاته السابقة من خلال اتفاقيات أبراهام، عبر ربط جهود إعادة الإعمار بتعزيز التطبيع العربي- الإسرائيلي. بيدَ أن هذا المسار محفوف بمخاطر سياسية، خصوصًا في حال رفضت إسرائيل تقديم تنازلات جوهرية، أو استمرت الانقسامات الفلسطينية الداخلية.

إعلان

ومع ذلك، يمكن لترامب ودول الخليج توظيف أدوات نفوذهم – الاقتصادية من جهة الخليج، والدبلوماسية من جهة واشنطن – لتأسيس نموذج حوكمة جديد في غزة، يحظى بدعم المانحين الدوليين وشرعية الفاعلين الإقليميين.

وعلاوة على ذلك، من المرجّح أن يطالب القادة الخليجيون بأن تقترن جهود إعادة الإعمار بضمانات سياسية تحول دون عودة الجماعات المسلحة. وقد يقترحون نشر قوات حفظ سلام عربية أو مراقبين دوليين في غزة بعد انتهاء النزاع لضمان الاستقرار وبناء الثقة.

ومن المرجّح أن يجد ترامب، الذي يفضّل الصفقات الواضحة وذات الأثر القوي، في هذه المبادرة فرصة لتقديم نفسه كصانع سلام في منطقة طالما ارتبطت بالنزاعات المزمنة. وسيكون لهذا الخطاب جاذبية مزدوجة: في العواصم الخليجية التي تتوق إلى دور أميركي فاعل، وفي قاعدته المحلية التي تسعى إلى انتصارات دبلوماسية دون انخراط عسكري طويل الأمد.

وبعيدًا عن بؤر التوتر الجيوسياسي، ستكون مسألة التعاون الدفاعي والأمني ركيزة محورية في الزيارة. فما زالت دول الخليج تعتمد بشكل كبير على الدعم العسكري الأميركي لردع التهديدات الإقليمية، خصوصًا تلك الصادرة عن إيران والجماعات المسلحة غير الحكومية كحزب الله والحوثيين.

ومن المتوقع أن يؤكد ترامب على التزام بلاده بالضمانات الأمنية، مع الدعوة إلى تعزيز التكامل العملياتي عبر تدريبات عسكرية مشتركة، وتبادل فوري للمعلومات الاستخباراتية، ونظم دفاع صاروخي متكاملة.

كما قد تُطرح مجددًا فكرة إنشاء تحالف أمني على غرار NATO (حلف شمال الأطلسي) خاص بالخليج، لتأطير الشراكات الدفاعية القائمة منذ عقود.

وسيكون لهذا التحالف دور مزدوج: ردع المغامرات الإيرانية، وإرسال رسالة مفادها استمرار التزام واشنطن بأمن الخليج، رغم انشغالاتها الإستراتيجية العالمية.

غير أن ترامب سيشترط على الأرجح تعزيز هذه الضمانات بزيادة الإنفاق الدفاعي الخليجي، ورفع حجم المشتريات من الصناعات العسكرية الأميركية. وهو ما يتّسق مع نهجه المعتمد على مبدأ "المقابل المادي" في التحالفات.

إعلان

وفي هذا السياق، يبرز اهتمام متزايد بدمج التكنولوجيا الناشئة في البنى الدفاعية الخليجية. فأنظمة الطيران الذاتي، والمراقبة المعززة بالذكاء الاصطناعي، وبروتوكولات الأمن السيبراني، باتت من الركائز الأساسية في إستراتيجيات الدفاع الإقليمي.

ومن المتوقع أن يعرض ترامب حزمة من تقنيات الدفاع الأميركية المصممة خصيصَى لتلبية احتياجات الخليج، بدءًا من أسراب الطائرات بدون طيار، ووصولًا إلى أنظمة بحرية ذاتية القيادة، ومنصات رصد تهديدات مدعومة بالذكاء الاصطناعي.

ويُعدّ هذا الاندماج بين التكنولوجيا العسكرية والدفاع الخليجي بمثابة المرحلة التالية من التعاون الأميركي- الخليجي، إذ يتيح للدول الخليجية قدرًا أكبر من الاستقلالية، مع الحفاظ على الولايات المتحدة كشريك تقني مفضل، في مواجهة منافسين مثل الصين وروسيا.

وبقدر لا يقل أهمية، وإن كان أقلّ تداولًا، يأتي في مجال التكنولوجيا، لا سيما في مجال الذكاء الاصطناعي. فقد باتت دول خليجية مراكز إقليمية في هذا المجال، مستثمرةً مليارات الدولارات في البنية التحتية الذكية، والحكومة الرقمية، والدفاع المؤتمت.

ومن المتوقع أن تشمل زيارة ترامب مقترحات لإنشاء شراكات ثنائية في أبحاث الذكاء الاصطناعي، وتأسيس مراكز ابتكار تابعة لجهات أميركية في عواصم خليجية، وتعزيز التعاون في مجالات الأمن السيبراني والمعايير الرقمية.

وستدعم هذه المبادرات أهداف التنويع الاقتصادي طويل الأمد في إطار رؤية 2030 وغيرها، كما ستشكّل في الوقت نفسه توازنًا إستراتيجيًا في مواجهة النفوذ الرقمي الصيني.

ومع تزايد قلق واشنطن من تغلغل بكين في البنية التحتية الرقمية الخليجية، قد يعرض ترامب بدائل مغرية في مجالات الجيل الخامس، والخدمات السحابية، وسياسات السيادة الرقمية.

علاوة على ذلك، توفّر أجندة الذكاء الاصطناعي فوائد مشتركة في مجالي تنمية القوى العاملة وبناء أنظمة الابتكار. إذ تسعى دول الخليج إلى تطوير كوادر وطنية عبر شراكات مع جامعات وشركات تقنية أميركية رائدة، وقد يقترح ترامب إنشاء تحالفات أكاديمية- صناعية تدمج الخبرات الأميركية في قطاعات الابتكار الخليجية.

إعلان

ومن أدوات هذه الشراكة المتوقعة: أدوات التنبؤ الأمني، وأنظمة مقاومة التغير المناخي المعززة بالذكاء الاصطناعي، وغيرها.

وتتيح هذه المبادرات لترامب تقديم بلاده كقائد في ميدان يتنامى فيه النفوذ الصيني. وإن تحققت هذه المقترحات، فقد تؤسس لتحالف رقمي طويل الأمد لا يقل أهمية وتأثيرًا عن الاتفاقيات الأمنية التقليدية.

في سياق أوسع، تندرج الزيارة المرتقبة لترامب ضمن مساعيه لإعادة بناء تحالفاته في الشرق الأوسط، في ظل تراجع الثقة الأوروبية، وعودة النفوذ الروسي- الصيني في المنطقة.

وعلى هذا الأساس، تسعى إدارة ترامب إلى تأطير الخليج كمنصة إستراتيجية لانطلاقة جديدة، توظف فيها أدوات الدبلوماسية الثقافية، والابتكار التكنولوجي، والاستثمار السيادي لتعزيز موقع الولايات المتحدة.

ومن المرجح أن يُطرح موضوع "الناتو العربي" مجددًا، ولكن بصيغة معدّلة تُركّز على التكامل الأمني السيبراني، والدفاع الجوي المشترك، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، بما يتماشى مع تطلعات دول الخليج لتعزيز أمنها الداخلي دون الانجرار إلى تحالفات عسكرية غير مرنة.

ختامًا، تمثّل زيارة ترامب المرتقبة إلى الخليج اختبارًا لرؤيته الجيوسياسية الجديدة، وفرصة نادرة لإعادة صياغة العلاقات الأميركية-الخليجية ضمن معادلة أكثر تنسيقًا واستقرارًا.

وبينما يحمل التاريخ سجلًا متقلبًا لهذه العلاقات، فإن التحولات الجارية – من حرب غزة، إلى إعادة تشكيل سوريا، إلى تصاعد المنافسة مع الصين – تفرض على الجانبين مقاربة أكثر واقعية وابتكارًا.

وفي حال نجحت الزيارة في بلورة تفاهمات عملية، فقد تُمهّد الطريق لإعادة تعريف الدور الأميركي في الشرق الأوسط في العقد المقبل، بعيدًا عن الحروب المفتوحة، وقريبًا من شراكات التنمية والنفوذ الذكي.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

إعلان

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق