عاجل

ماذا يعني إلقاء حزب العمال الكردستاني سلاحه؟ - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

أعلن حزب العمال الكردستاني حلّ نفسه وإلقاء السلاح بعد أكثر من أربعة عقود من الحرب الانفصالية التي خاضها ضد تركيا، ما يفتح الباب على مرحلة مختلفة في البلاد باستحقاقات عديدة.

تركيا بلا إرهاب

بعد عهود من المظلومية الكردية في تركيا، وأفكار لم تتحول لمشاريع حقيقية مع قادة من أمثال الرئيس الراحل تورغوت أوزال ورئيس الوزراء الراحل نجم الدين أربكان، أتت المشاريع العملية لحل المسألة الكردية في تركيا مع العدالة والتنمية بقيادة أردوغان الذي اعترف لأول مرة عام 2005 بوجود ما أسماه "مشكلة كردية" في تركيا.

وبعد عدة إصلاحات سياسية وقانونية، بدأت عام 2009 مفاوضات سرية بين جهاز الاستخبارات التركي والحزب الذي تصنفه تركيا كمنظمة إرهابية وانفصالية، نتج عنها نداء الزعيم التاريخي للأخير عبدالله أوجلان عام 2013 والذي دعا فيه لإلقاء السلاح ضمن "عملية التسوية" مع الدولة التركية، وهو النداء الذي كرر مضمونه عام 2015.

بيدَ أن العملية وصلت لطريق مسدود مع أحداث الثورة السورية التي نتج عنها إدارات ذاتية في الشمال السوري، ما ساهم في عودة العمال الكردستاني للعمليات، وتركيا للمكافحة داخليًا وفي كل من سوريا والعراق.

بعد سنوات، تحديدًا في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الفائت، أطلق زعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشلي ما أسماه مسار "تركيا بلا إرهاب"، حين دعا حزب العمال الكردستاني لحل نفسه وإلقاء السلاح، وهو ما تفاعل معه أوجلان ثم الحزب إيجابًا في سلسلة من الخطوات والتصريحات توّجت بقرار الحل.

إعلان

ساهمت عوامل عدة في رفع سقف التوقعات من المسار الأخير، في مقدمتها كونُ الاقتراح أتى من بهتشلي بصفاته الثلاث؛ كزعيم قومي، ومعارض تقليدي للحلول السياسية للمسألة الكردية، وحليف وثيق للرئيس أردوغان، ودعمُ الأخير للمبادرة ومنحها الغطاء السياسي، وتجاوبُ أوجلان ثم قيادات كردية محلية وإقليمية مع المقترح.

اختلافات

أتى المسار السياسي الحالي في سياقات مختلفة تمامًا، بل لعلها معاكسة، لسنوات تأسيس الكردستاني وفشل المسار السابق، بما في ذلك التغيرات الأخيرة في سوريا التي هبت رياحها في صالح أنقرة وعلى عكس ما تشتهي سفن قوات سوريا الديمقراطية "قسَد"، ومراجعات أوجلان الفكرية التي باتت تميل للمشاركة السياسية والديمقراطية وليس العمليات العسكرية، وتراجع قدرات المنظمة بعد عمليات المكافحة داخل تركيا وخارجها في إطار الحرب الاستباقية وتجفيف المنابع.

ثمة اختلافات جذرية أربعة للمسار الحالي عن سابقه، الذي بدأ عام 2009، وفشل عام 2015. أولها في المنطلق، حيث إن المبادرة أتت من بهتشلي وليس من الرئيس أو الحكومة، كجزء من دروس التجارب السابقة التي تدفع للحذر أكثر من المسارعة، بحيث لا تتحمل الحكومة مسؤولية مباشرة عن خطوات محددة من جهة ولحشد التأييد للمسار من جهة ثانية. أما الاختلاف الثاني فيرتبط بالشكل، حيث لم تكن هناك شروط مسبقة أو مبادئ معلنة أو اتفاق رسمي للمسار، كما حصل سابقًا في اللقاءات المتكررة بين الحكومة وحزب الشعوب الديمقراطي "الكردي"، وورقة "النقاط العشر" التي وقعت، وإن كانت التصريحات والخطوات المتلاحقة تباعًا توحي بوجود تفاهمات غير معلنة. بينما يرتبط الاختلاف الثالث بتنفيذ المسار، حيث إن الخطوات العملية أتت من طرف واحد، هو العمال الكردستاني، بدون أي خطوات رسمية أو معلنة حتى اللحظة من طرف الحكومة/ الدولة التركية.

إعلان

وأخيرًا، يتعلّق الاختلاف الرئيس الرابع بالمضمون، حيث لم يكتفِ حزب العمال بفكرة إلقاء السلاح، وإنما أعلن عن حل نفسه بشكل نهائي، ووقف أنشطته وانتهاج العمل السياسي.

استحقاقات

ضمن مخرجات مؤتمره الثاني عشر الذي عقده (في أكثر من مكان بشكل متزامن) في الفترة 5 – 7 مايو/ أيار الحالي، أعلن الحزب عن "حل بنيته التنظيمية ووقف العمل المسلح وكل الأنشطة المنفذة باسم حزب العمال الكردستاني" استجابة لنداء أوجلان، مؤكدًا أنه "أتم بذلك مهمته التاريخية".

ودعا البيان الحكومة والبرلمان والأحزاب السياسية ووسائل الإعلام والأكاديميين ومؤسسات المجتمع المدني للعب دور فاعل في تأسيس ما أسماه "السلام والمجتمع الديمقراطي"، وهي التسمية الموازية لتسمية "تركيا بلا إرهاب" المعتمدة من قبل الحكومة، كما حثَّ "القوى الدولية" على "عدم إعاقة الحل الديمقراطي وتقديم مساهمات بنّاءة".

من جهته، أثنى أردوغان على القرار، مؤكدًا على أنه "خطوة مهمة على طريق تحقيق رؤية تركيا بلا إرهاب" وعلى أنها "ستفتح أبواب عهد جديد".

ومن اللافت أن الرئيس التركي لم يبالغ كثيرًا في التفاؤل، حيث أكد على أن جهاز الاستخبارات وباقي المؤسسات "سيتابعون العملية من كثب لتجنب حدوث أي مشاكل"، مؤكدًا على أن الخطوة ينبغي أن تشمل العراق، وسوريا، وأوروبا، في إشارة لامتدادات حزب العمال فيها.

يغلب على أنقرة هذا التفاؤل الحذر، لأنها تنظر للخطوة – على أهميتها – على أنها بداية لا نهاية، تحسبًا لأي عقبات أو مفاجآت كما حصل في التجارب السابقة، فضلًا عن التّحديات القائمة والمرتبطة باستحقاقات المرحلة الجديدة.

وهو ما يفسر غياب أي أجندة رسمية معلنة بخطوات محددة حتى اللحظة، رغم أن وجود تفاهمات ضمنية ولو بالخطوط العريضة أمر متوقع، إذ لا يُنتظر من حزب العمال الإقدام على خطوة جذرية وتاريخية بهذا الحجم دون ضمانات أو تفاهمات أو تعهدات بالحد الأدنى من قبل الحكومة.

يمكن تصنيف استحقاقات ما بعد قرار الحل ضمن ثلاثة مسارات رئيسة:

الأول إجرائي، ويتعلّق بشكل مباشر بمتابعة التنفيذ العملي للقرارات المتخذة، وانعكاساتها على الهيئات التابعة للحزب خارج تركيا، وخصوصًا في سوريا، وهو ما ستتولاه بشكل أساسي الاستخبارات والمؤسسة العسكرية. والثاني دستوري – سياسي، ويشمل تعديلات دستورية أو صياغة دستور جديد يتناغم مع ملامح المرحلة المقبلة، ويشمل ما يمكن تصنيفه ضمن الحقوق الثقافية للأكراد، وهو دور البرلمان. والثالث قانوني مباشر، ويتعلق بكيفية التعامل مع الملفات المرتبطة بالكردستاني، وخصوصًا مقاتليه وقياداته حاملي الجنسية التركية، فضلًا عن احتمال تعديل بعض القوانين مثل قانون الإرهاب، وهو مسار مركّب ومعقد وفيه الكثير من التحديات، ويقع على كاهل البرلمان والأحزاب الممثلة فيه كذلك.

إعلان

إلى جانب ما سبق، ثمة تحديات إضافية أمام المسار الحالي أهمها ثلاثة:

الأول يتعلق ببعض مطالب حزب العمال، والتي وردت ضمنًا في البيان الأخير وسبق الإشارة لها في تصريحات سابقة من قبيل "قيادة أوجلان وتوجيهه لتنفيذ القرارات المتخذة والاعتراف بحقوقه السياسية". وهو ما يعني المطالبة الضمنية بإطلاق سراحه. وهو أمر ليس سهلًا، رغم إشارة بهتشلي في تصريحه لإمكانية إتاحة الفرصة له لإلقاء خطاب تحت قبة البرلمان أمام الكتلة البرلمانية لحزب ديمقراطية ومساواة الشعوب. والتحدي الآخر هو احتمال الفشل أو النكوص أو التنفيذ غير الكامل وفق رؤية أنقرة، وتحديدًا ما يتعلق بقوات سوريا الديمقراطية، حيث تطالب أنقرة بحلها ودمجها في الجيش السوري، بينما تسعى هي للحفاظ على كيانها وإن انضمت للمؤسسة العسكرية. وهنا، يساور أنقرة شكوك باحتمال أن يكون قرار حل الكردستاني يهدف ضمن ما يهدف لحماية "قسَد" وليس حلها، من زاوية أن ما تأخذه عليها أنقرة هو علاقتها بالكردستاني "الذي لم يعد موجودًا". وأما الثالث فيرتبط بردة الفعل الشعبية ورأي الشارع. فالأغلبية البرلمانية المطلوبة للاستحقاقات الدستورية والقانونية المشار لها تبدو متحققة بنواب العدالة والتنمية وحليفه الحركة القومية وحزب ديمقراطية ومساواة الشعوب "الكردي" وعدم ممانعة الأحزاب الأخرى وفي مقدمتها الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة، بينما سيحتاج إقناع الشارع بالخطوات الجذرية المتوقعة لجهد كبير، لا سيما في ظل الخطاب القومي عالي السقف الذي ساد في البلاد في السنوات الأخيرة.

وهنا، يتوقع من الرئاسة والحكومة اعتماد خطاب يركز من جهة على المكاسب الكبيرة للمسار الحالي، والمتمثلة بالتخلص من كلفة مكافحة الإرهاب البشرية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية، وسد الباب على التدخلات الخارجية والضغط على تركيا، فضلًا عن المكاسب الاقتصادية المنتظرة، ومن جهة أخرى على أن الأمر لم يشمل "تنازلات أمام الإرهاب" وإنما هو تجاوب مرن مع "حل المنظمة الإرهابية نفسها بلا قيد أو شرط" على طريق الوصول لـ "تركيا بلا إرهاب".

إعلان

وبالتأكيد أن الحكومة ستستثمر في هذا السبيل الخطاب السياسي الرسمي ووسائل الإعلام، فضلًا عن أصحاب الرأي والفكر في البلاد، كما حصل سابقًا وإن بشكل معدّل.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق