كتب محمد الجمل:
شهد العدوان الإسرائيلي على غزة تصاعداً كبيراً خلال الساعات القليلة الماضية، مع تعميق العمليات البرية في قلب القطاع، ما دفع عشرات الآلاف من المواطنين للنزوح عن منازلهم.
"الأيام" رصدت مشاهد جديدة من العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، منها مشهد يرصد اتساع عمليات النزوح، ومشهد آخر يُسلّط الضوء على استهداف الاحتلال البيوت المتداعية والآيلة للسقوط، ومشهد ثالث تحت عنوان: "مواطنون يتمنون كوباً من الشاي".
رقعة النزوح تتوسع
مع اشتداد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتعميق العمليات البرية، واتساع رقعة القصف الجوي والمدفعي العنيف، زادت عمليات النزوح بشكل واسع في صفوف المواطنين.
وخلال الساعات القليلة الماضية نزح عشرات الآلاف من المواطنين من مناطق شمال قطاع غزة، وجنوبه، ووسطه، فراراً من القصف والغارات الجوية، وتوجهوا إلى مناطق المواصي، وغرب مدينة غزة، في محاولة للبحث عن الأمان المفقود.
كما حوصرت عائلات في منازلها بمناطق متفرقة في القطاع، جراء التقدم المفاجئ للدبابات، وسط مناشدات لمساعدتها في إخلاء المنازل.
ولوحظ تزايد أعداد النازحين الذين وصلوا، مؤخراً، إلى مناطق غرب خان يونس، حيث شهدت المخيمات مزيداً من الاكتظاظ، وسط أزمات كبيرة، ومعاناة في صفوف النازحين، خاصة الجدد.
وأعلن الاحتلال بدء العملية الواسعة في قطاع غزة، التي أطلق عليها اسم "مركبات جدعون"، عبر القصف الجوي والتمهيد لدخول القوات البرية في قلب القطاع.
وقال إبراهيم نصار، وهو نازح من منطقة القرارة باتجاه مواصي خان يونس، إن الاحتلال لم يُصدر أوامر إخلاء لمنطقتهم، وقد تفاجؤوا بقصف مدفعي وجوي عنيف على المنطقة، وبعدها بوقت قصير بدأت الدبابات تتحرك صوب البلدة، موضحاً أنه استطاع وعائلته مغادرة المنزل في آخر لحظة، قبل وصول الدبابات إلى محيطه، وقد واجهوا مخاطر كبيرة خلال رحلة النزوح، فالقصف وإطلاق النار كان قريباً منهم، وقد نزحوا دون أن يأخذوا معهم أي شيء.
بينما قال المواطن إسماعيل بشير، إن هناك قصفاً متصاعداً يستهدف عدة مناطق في قطاع غزة، منها شرق خان يونس، وسط مخاوف من أن تشملها العمليات التي أعلن الاحتلال عنها.
وأشار بشير هو من سكان بلدة بني سهيلا، إلى أنه بدأ ببعض الإجراءات، منها حجز قطعة أرض بجوار خيمة شقيقه في مواصي خان يونس، ونقل جزء من عفشه وأغراضه إليها، خشية أن يضطر لمغادرة المنزل على عجل، ولا يستطيع نقل حاجياته.
ولفت إلى أن كل التصريحات والأخبار تنبئ بأن قطاع غزة مقبل على تصعيد في الحرب خلال الفترة المقبلة، وأن القادم ربما يكون الأصعب.
وكان المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أكد أن إسرائيل تصعّد من وتيرة الإبادة الجماعية في قطاع غزة، عبر واحدة من أوسع الهجمات وأكثرها فتكاً منذ بداية العدوان، مستخدمة سياسة الأرض المحروقة والتدمير الشامل للأحياء والبنية التحتية.
وأوضح المرصد أن الاحتلال يرتكب مجازر جماعية وعمليات تدمير ممنهج لما تبقى من منازل ومرافق مدنية، في انتهاك صارخ للقانون الدولي، بهدف إفناء المجتمع الفلسطيني ومنع عودته.
استهداف بيوت متداعية
بات واضحاً أن القصف الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، يُركّز بشكل أساسي على ما تبقى من منازل في قطاع غزة، في محاولة لاستكمال مهمة التدمير.
كما لوحظ أن الغارات الإسرائيلية الأخيرة تُركّز بشكل واضح على المنازل التي سبق أن تعرضت لأضرار جسيمة، وباتت متداعية، وقد رممها سكانها لإعادة الإقامة فيها، ما يجعل انهيارها أسرع وأسهل، ويقتل ويسحق مَن فيها من سكان.
وتركّز قصف المنازل في ثلاث مناطق رئيسة في القطاع، هي شرق ووسط خان يونس، ومنطقة القرارة وشرق مدينة البلح المتجاورتان، إضافة إلى قصف عشرات المنازل شمال القطاع.
وذكر المواطن خالد هاشم الذي يقطن وسط مدينة خان يونس، أن غالبية البيوت التي تم استهدافها وقصفها في الأيام الماضية سبق أن تعرضت للقصف والأضرار، وبعضها كانت آيلة للسقوط، وأقام مُلاكها فيها بشكل اضطراري، وهذا زاد من عدد الضحايا.
وبيّن هاشم أن القصف العنيف أثر على بيوت مجاورة، لم يتم استهدافها بشكل مباشر، فحدثت فيها انهيارات بين كلية وجزئية، موضحاً أن أسوأ ما في الأمر هو استخدام قنابل ارتجاجية "خارقة للحصون"، تنفجر في باطن الأرض، وتتسبب في حدوث ما يشبه الهزات الأرضية، ما يؤدي إلى حدوث انهيارات في المنازل المتداعية.
وأشار إلى أن الحملة الإسرائيلية الجديدة لها هدف واضح، وهو مسح ما تبقى من كتل عمرانية في قطاع غزة، بهدف دفع المواطنين للهجرة، بعد ألا يجدوا مكاناً يقيمون فيه، وهذا عبّر عنه قادة الاحتلال أكثر من مرة، موضحاً أن نموذج رفح قد يتكرر في باقي مناطق القطاع في المستقبل.
ونوّه المتحدث باسم الدفاع المدني في قطاع غزة محمود بصل، إلى أن الاحتلال يزيد من عمليات القصف واستهداف المنازل المأهولة بالسكان، ما يزيد من عدد الشهداء والجرحى.
وأكد بصل أن الاحتلال بات يستخدم سياسة تقليص المساحات، وإفراغ المناطق المأهولة بالسكان بهدف الضغط على المواطنين وترويعهم، وأن آلاف المواطنين باتوا ليالي دون مأوى وفي العراء والشوارع، نتيجة التهديدات الإسرائيلية بقصف المدارس ومراكز الإيواء التي تؤوي آلاف النازحين.
نازحون يتمنون شرب الشاي
لم يعد تحضير أكواب من الشاي لشربها في الصباح مع وجبة الفطور أمراً هيناً في قطاع غزة، في ظل الحصار، ونفاد السلع والمواد الغذائية الأساسية.
فمثل هذه المهمة باتت صعبة وتبدو أحياناً مستحيلة، جراء نفاد مكونات إعداد كوب من الشاي، سواء السكر، أو الشاي، أو حتى "الميرمية والنعناع"، عدا نفاد غاز الطهي، وعدم وجود بدائل من أنواع أخرى من الوقود.
وقال المواطن منير عابد، إنه وبسبب نفاد السكر وارتفاع أسعاره، بدأ في آخر أسبوعين يُقلص كميات السكر التي يتم وضعها على الشاي بشكل تدريجي، وصولاً إلى التوقف عن وضع أي كميات، خاصة بعد أن وصل ثمن كيلو السكر إلى 120 شيكلاً.
وأضاف عابد، في البداية، كان الأمر مرفوضاً خاصة من الأطفال، لكنه لجأ إلى تنفيرهم من السكر عبر ذكر أضراره على الصحة، وذكر فوائد شرب الشاي من دون سكر، حتى تقبّلوا الفكرة، وباتوا يشربونه من دون سكر، لكنهم يعبرون عن رغبتهم في العودة إلى وضع السكر عليه.
وبيّن عابد أن الأمر لا يقف عند هذا الحد، فهناك مشكلة أخرى، حيث إن إعداد إبريق من الشاي في ظل انعدام غاز الطهي، يتطلب إشعال النار بجانب الخيمة، ووضع الخشب والحطب، وحتى البلاستيك، وحتى يُجهز الشاي يستغرق الأمر وقتاً طويلاً، وكمية من الخشب، وهذا أمر مُرهق، حتى بات يتهرب من صنع الشاي في الصباح.
وأشار إلى أنه اعتاد على احتساء القهوة عصر كل يوم، لكنه أقلع عن هذه العادة، بسبب اختفاء القهوة من الأسواق، وفي حال توفرت فأسعارها مرتفعة جداً.
من جهته، قال المواطن سمير صبح، إن شرب الشاي كان من الأشياء التي اعتادت عليها العائلة حتى في ظل الحرب، لكن في ظل الحصار الأخير بات الأمر غير ممكن، وبات وأفراد عائلته يستذكرون في جلساتهم اللمات السابقة في المنزل، على إبريق الشاي، وصحن المكسرات، والمُسليات الأخرى.
وأشار إلى أنه لا يمتلك الشاي ولا السكر، ويُوفر الحطب بصعوبة شديدة لأغراض الطهي وإعداد الخبز، لذلك أصبحت كاسة الشاي أو القهوة حلماً له ولعائلته.
وأكد أن العدوان والحصار الإسرائيلي حولا أشياء بسيطة كان الحصول عليها سهلاً إلى حلم تتمناه الكثير من الأسر، وأشعرا الكثير من المواطنين بالحرمان.
0 تعليق