كتب محمد الجمل:
يتواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة دون توقف، وتتصاعد فصول المعاناة، مع تشديد الحصار، وتصاعد الهجمات، خاصة على محافظة خان يونس وشمال القطاع.
"الأيام" رصدت مشاهد جديدة من العدوان وتبعاته، منها مشهد يرصد تصاعد الهجوم على شمال قطاع غزة، ومشهد آخر يُوثق تصاعد قصف المناطق المُكتظة، ومشهد ثالث تحت عنوان "أطفال خُدّج يواجهون الموت".
تصاعد الهجوم على شمال القطاع
دخل الهجوم الإسرائيلي على مناطق شمال قطاع غزة مرحلة جديدة، أمس، بعد توسيع رقعة القصف الجوي والمدفعي، وبدء التحرك برّياً باتجاه بلدات وقرى شمال القطاع.
ومنذ الساعات الأولى من فجر أمس، بدأ جيش الاحتلال حملة جوية وبرية أكثر عنفاً وحدّة، تركزت في مناطق بيت لاهيا، وجباليا، تخللها عشرات الغارات والأحزمة النارية، التي رافقها تقدم للدبابات من عدة محاور.
وارتكبت قوات الاحتلال مجازر في استهدافها عدة منازل في بلدة بيت لاهيا ومخيم جباليا، إذ جرى قصف منازل عائلات: الغندور، التتري، الزيناتي، السيد، الحسني، طه، صالحة، خليل، أبو ركبة، أبو علبة، والكيلاني، ما أدى إلى وقوع أكثر من 100 شهيد ومفقود، ونحو 200 جريح.
ولم يكتفِ جيش الاحتلال باستهداف المنازل وتدميرها على رؤوس ساكنيها، إذ جرى استهداف النازحين الذين حاولوا الفرار من المنطقة والنزوح عن منازلهم في جنح الظلام طلباً للأمان، حيث سقط عشرات الشهداء والجرحى بين النازحين.
وقال مدير مستشفى العودة في تل الزعتر: إن "شمال قطاع غزة عاش ليلة دامية، واستقبل المستشفى وحده أكثر من 75 جريحاً، الليلة قبل الماضية"، مشيراً إلى سقوط أكثر من 100 شهيد وعشرات المصابين منذ مساء أول من أمس والأعداد في تزايد.
وجراء تزايد عدد الجرحى في مستشفيات القطاع، وجّه المستشفى الإندونيسي نداءً عاجلاً لكل من هو قادر على التبرع بالدم بالتوجه إلى المستشفى، من أجل إنقاذ حياة الجرحى.
من جهته، أوضح جهاز الدفاع المدني أنه خلال تفقده منزلاً قصفه الاحتلال في مخيم جباليا شمال القطاع، تبيّن أن المنزل يتكون من طابقين، وأن مَن بداخله دُفنوا ولم يُعثر لهم على معالم.
وبدأت دبابات الاحتلال بالتقدم تدريجياً باتجاه عمق مناطق شمال القطاع، منها منطقة "السلاطين"، ما أجبر نازحين يقيمون في مدارس ومراكز إيواء على إخلائها.
وكان مسؤولون عسكريون إسرائيليون أكدوا أن أحد أسباب الهجمات الواسعة في قطاع غزة هو الاستعداد لدخول القوات البرية والمدرعات، في حال تنفيذ عملية "عربات جدعون".
وأفاد موقع "يديعوت أحرونوت" العبري، نقلاً عن المسؤولين العسكريين، بأن القصف المكثف يأتي وفقاً للخطط التي قدمها الجيش الإسرائيلي والتي وافقت عليها القيادة السياسية بالفعل، من أجل التمهيد لدخول القوات.
قصف المناطق المُكتظة
بعد تكثيف قصف خيام النازحين في مخيمات النزوح جنوب ووسط وشمال قطاع غزة، لوحظ أن الاحتلال لجأ مؤخراً لتصعيد هجماته الجوية على ما تبقى من منازل في قطاع غزة، خاصة التي تقع في مناطق مُكتظة بالسكان.
وجراء ذلك سقط المئات من الشهداء والجرحى في غضون أيام معدودة، حيث تعمّد الاحتلال قصف منازل مأهولة على رؤوس ساكنيها.
وذكر المتحدث باسم الدفاع المدني في قطاع غزة، محمود بصل، أن الاحتلال يزيد من عمليات القصف واستهداف المنازل المأهولة بالسكان، ما يزيد من عدد الشهداء والجرحى.
وأشار بصل إلى أن الاحتلال بات يستخدم سياسة تقليص المساحات، وإفراغ المناطق المأهولة بالسكان بهدف الضغط على المواطنين وترويعهم، وأن آلاف المواطنين باتوا ليالي دون مأوى وفي العراء والشوارع، نتيجة التهديدات الإسرائيلية بقصف المدارس ومراكز الإيواء التي تؤوي آلاف النازحين.
وأكد أن الاحتلال يُعرقل عمل الدفاع المدني في الوصول والاستجابة لنداءات المواطنين عند عمليات القصف، وأن تدمير الاحتلال مقدرات الدفاع المدني بشكل مُمنهج يزيد من صعوبة عمل الفرق في أماكن القصف والاستهداف.
وقال مواطنون يقطنون وسط وشرق محافظة خان يونس، جنوب القطاع: إن الوضع في الأحياء التي يعيشون فيها بات خطيراً، ولا تخلو ليلة من القصف والغارات.
وبيّن المواطن إبراهيم مازن، وهو نازح من محافظة رفح، واستأجر شُقة متضررة وسط خان يونس، أنه بات يشعر بأن الاحتلال يُركّز على استهداف المباني المأهولة، وأنه أقام في شقة متضررة هرباً من حياة الخيام، لكنه يشعر بأن حياته باتت مهددة في الشقة، ولا يوجد أي نوع من الأمان.
وأضاف مازن: إنه بات في حيرة من أمره، ويشعر بأن البقاء في مبانٍ يُشكل خطراً كبيراً عليه وعلى عائلته، لكنه حتى لو انتقل للعيش في خيمة، فإن الخطر قد يلاحقه.
وأشار إلى أن المواطنين باتوا يكرهون الليل وقدومه، ففي كل ليلة يتم تصعيد القصف والغارات، ويتم تدمير البيوت على رؤوس ساكنيها بطريقة وحشية، مشيراً إلى أنه بات يشك بأن الاحتلال يريد تفريغ المنازل، ودفع المواطنين إلى مناطق معينة، ليسهل عليه تنفيذ مخططات التدمير والتهجير في المستقبل، وهذا أكبر خطر ممكن أن يواجه الغزيين.
وتسبب القصف العنيف في إجبار بعض المواطنين على إخلاء أحيائهم وبيوتهم، خاصة في مناطق محيطة بمستشفى غزة الأوروبي، وشرق ووسط خان يونس، ومناطق أخرى في بلدة ومخيم جباليا.
الخُدّج يواجهون الموت
تخطت آثار المجاعة حدود الأحياء في قطاع غزة، ووصلت إلى الأجنة في بطون أمهاتهم، الذين يولدون مبكّراً في ظروف صحية سيئة، ويواجهون مخاطر جمة، قد تصل إلى فقدانهم حياتهم.
ووفق أطباء في مستشفيات قطاع غزة، فإن عشرات الأطفال الخُدّج يواجهون مخاطر الموت بسبب المجاعة.
وأوضح أطباء أن انعكاسات المجاعة وسوء التغذية التي عاشتها الأمهات باتت واضحة على مواليدهن، وأن أقسام العناية فيما تبقى من مستشفيات في القطاع ممتلئة على الدوام بالأطفال حديثي الولادة.
وبيّن الأطباء أن الأطفال يولدون بأوزان منخفضة، والجلد منكمش، مع وجود ضعف في المناعة، والأمهات في وضع صحي أصعب، ولا يمكنهن إرضاع أبنائهن بسبب الجفاف الشديد.
وقالت وزارة الصحة في قطاع غزة: إن أوضاعاً كارثية يواجهها الأطفال الخدّج في أقسام حضانات الأطفال بمستشفيات قطاع غزة، وإن سوء التغذية وظروف الحصار زادا من نسبة الولادات المبكرة بشكل كبير، وإن معظم المواليد يعانون من مضاعفات صحية.
وأوضحت الوزارة أن أقسام العناية المُركّزة للخدّج تفتقد لأجهزة الحضانات، وأجهزة التنفس، وموصلات الأكسجين، وسط الضغط الهائل عليها، وأن أقسام الحضانة تعمل على المولدات الكهربائية المُهددة بالتوقف بسبب النقص الحاد في السولار.
وأكدت أن الأطفال في أقسام الحضانة تحت الخطر الشديد في ظل الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي، ما قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة على حياة الأطفال الخدّج أو فقدانهم.
وطالبت وزارة الصحة الجهات الإنسانية والمنظمات الصحية بالتدخل الفوري لتوفير الأجهزة الطبية اللازمة، والوقود والمولدات، والحليب، والمكملات الغذائية، ودعم الوفود الطبية.
ووفق أطباء ومختصين، فإن سوء التغذية في فترة الحمل يؤدي إلى حدوث الكثير من المضاعفات لدى السيدات الحوامل، وكذلك يوثر سلباً على نمو الأجنة، وقد لوحظ ذلك وبشكل واضح جداً بعد مرور عدة أشهر على المجاعة.
وإضافة إلى شحّ الحليب، وندرة وجوده في الأسواق، إلا من بعض الكميات القليلة جداً والباهظة الثمن، حيث ارتفعت أسعار بعضها إلى أكثر من 400%، هناك مشكلة متمثلة في فقدان بعض أصناف الحليب التي تأتي لحالات خاصة بحاجة لأنواع معينة من الحليب كحساسية اللاكتوز وغيرها، والتي فاقمت من مشكلة سوء التغذية لدى الأطفال، خاصة الخدّج.
0 تعليق