كتب محمد الجمل:
يتواصل العدوان الإسرائيلي على عموم قطاع غزة بوتيرة أكثر عنفاً، مع تصاعد المجازر، وتواصل هجمات المُسيرات، ومحاصرة مستشفيات، وتهديد أخرى بالإخلاء.
"الأيام" تنقل مشاهد جديدة من العدوان منها مشهد بعنوان "الملاذ الأخير للمصابين والمرضى"، ومشهد آخر يرصد تصاعد المجازر والجرائم الإسرائيلية خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وتحديداً منذ انهيار اتفاق التهدئة الأخير، ومشهد ثالث يوثق تحول المُسيرات الإسرائيلية لسلاح قتل فتاك ضد المديين.
الملاذ الأخير للمصابين والمرضى
لا يزال خطر الإخلاء يتهدد مستشفى ناصر الحكومي في محافظة خان يونس جنوب قطاع غزة، وهو الملاذ الأخير للمرضى والجرحى في مناطق جنوب القطاع، بعد إخلاء واحتلال مستشفى غزة الأوروبي، وتدمير مستشفى الشهيد أبو يوسف النجار.
ولا يزال المستشفى الواقع ضمن مناطق غرب محافظة خان يونس، يغص بالمرضى والمصابين، بينما يمتلئ قسم العناية الفائقة بالمصابين ممن يعانون وضعاً صحياً حرجاً، ويصطف الجرحى في ممرات بانتظار دخولهم إلى أقسام العمليات، لإجراء جراحات مُنقذة للحياة.
ويعمل الأطباء والممرضون وباقي الطواقم في المستشفى تحت ضغط، وفي ظل حالة قلق كبيرة، بعد أن شملت أوامر الإخلاء الإسرائيلية كافة المناطق المحيطة بالمجمع، وخروج بعض المؤسسات الطبية الدولية من المستشفى، ووقوع غارات وعمليات قصف مستمرة في محيطه.
من جهتها أكدت وزارة الصحة في قطاع غزة، أن مجمع ناصر الطبي هو الوجهة الصحية الوحيدة لمئات المرضى والجرحى في محافظات جنوب قطاع غزة، وتوقفه عن العمل كارثة لا يمكن توقع نتائجها.
وأوضحت الوزارة أن التهديدات المتكررة بالاخلاءات والقصف للمناطق المحيطة بالمستشفيات، يسبب الإرباك في عمل الطواقم الطبية وينذر بخروج ما تبقى من مستشفيات عن الخدمة، وأن الطواقم الطبية والمرضى والجرحى لا تتوفر لهم طرق آمنة تضمن وصولهم الى المستشفيات مع استمرار الإخلاءات والقصف.
وأكدت الوزارة أن الخدمات الصحية التخصصية التي تُقدم للمرضى والجرحى فيما تبقى من مستشفيات عاملة مُحاصرة بنقص الإمدادات الطبية ومواجهة خطر خروجها من الخدمة.
وحذرت من تبعات ومخاطر عدم تجاوب الاحتلال لمساعي المؤسسات الدولية لتعزيز الإمدادات الطبية وحماية المستشفيات، وضمان حماية وصول المرضى والجرحى والفرق الصحية لأماكن تقديم الخدمة.
ودفع تضييق الاحتلال على المستشفى، بعض الفرق الطبية التابعة لمؤسسات دولية بمغادرته، حفاظاً على حياة طواقمها.
وأكدت منسقة الطوارئ في مؤسسة أطباء بلا حدود باسكال كوسار، أن أوامر التهجير الصادرة عن القوات الإسرائيلية وقصفها محيط مستشفى ناصر في خان يونس، أدى إلى إجبار أطباء المؤسسة على تعديل عملياتها داخل المستشفى، ونقل جزء من أنشطة علاج الحروق وجراحة العظام إلى مستشفى المؤسسة الميداني في دير البلح، وهذا يقلل من المخاطر التي يتعرض لها بعض المرضى وأفراد الطاقم، والذين تأتي سلامتهم على رأس أولوياتنا بحسب المنسقة.
90 يوماً على انهيار التهدئة
مضت 90 يوماً على انهيار التهدئة التي جرى التوصل إليها ما بين الاحتلال وفصائل المقاومة في قطاع غزة، شهد القطاع خلال تلك الفترة أكبر وأوسع الجرائم، تخللتها عمليات نزوح قسرية واسعة وكبيرة، شملت نحو 80% من مساحة قطاع غزة، حيث جرى الزج بالمواطنين في منطقتين رئيسيتين، وهما غرب مدينة غزة، ومواصي خان يونس.
ووفق مواطنين فإن الفترة المذكورة شهدت الفصل الأسوأ من الحرب والأكثر دموية وإجراماً، ونفذت عبر 4 مسارات متوازية، الأول مجازر واسعة بحق العائلات، والمسار الثاني استخدام التجويع كسلاح ضد المدنيين، عبر الحصار الشامل، الذي تسبب بمجاعة غير مسبوقة في القطاع، والمسار الثالث الاجتياحات البرية وتدمير المنازل والبنية التحتية، والمسار الرابع تمثل في التهجير القسري، عبر إصدار العشرات من أوامر النزوح، التي أجبرت المواطنين على إخلاء منازلهم، واللجوء لمناطق مُكتظة وسيئة الخدمات.
وأكد المواطن عبد الله حمد، إن الحرب التي تجاوزت 600 يوم كلها في ناحية، والثلاثة أشهر الماضية في ناحية أخرى، فالاحتلال استغل التهدئة التي دامت نحو شهرين، وعمل على إعداد مخططات خطيرة بحق القطاع، بدأت باحتلال كامل لمدينة رفح، وعزلها عن باقي أنحاء القطاع، ثم إطلاق عملية برية واسعة، وغيرها من الممارسات.
وأكد حمد وهو من سكان مدينة رفح، أنه عاش تجارب النزوح مرات عديدة، لكنه لم يسبق أن عاش مرارته كما يعيشها الآن، فلا طعام، ولا ماء نظيف، ولا متسع ليضع النازحون خيامهم، والأخطر من هذا أن القتل والمجازر تُلاحقهم.
بينما أكد المواطن سامي عبيد أن الاحتلال عمل منذ تجدد العدوان بطريقة وآلية مختلفة، بحيث يضغط على سكان القطاع بكل الطرق والوسائل الممكنة، وهي بحسب اعتقاده تقود لمخطط أوسع، يهدف إلى تهجير سكان القطاع خارجه، وفرض الاحتلال مخططاته الخطيرة، التي تهدف لتصفية القضية الفلسطينية.
المُسيرات أداة القتل الأكثر فتكاً
منذ تجدد العدوان، زاد الاحتلال من اعتماده على سلاح المُسيرات، على اعتبارها سلاح القتل الأبرز والأكثر فتكاً.
فالطائرات المُسيرة بمختلف أنواعها لا تُفارق أجواء القطاع على مدار الساعة، وتنقسم إلى ثلاثة أنواع حسب المهمات، الأول تجسسي مهمته جمع المعلومات، وأخرى مُحملة بصواريخ جو أرض دقيقة التوجيه، وهي مخصصة لتنفيذ عمليات الاغتيال، والثالث صغيرة، مزودة برشاشات وقنابل ومهمتها ملاحقة المواطنين وقتلهم، ومؤخراً أضيف لها نوع رابع، وهو الطائرات المُسيرة الانتحارية، التي تنفجر داخل الخيام وفي المنازل.
ويقول المواطن رائد جمعة، إن المُسيرات من أكثر وسائل الاحتلال رعباً للمواطنين، فالآلاف قضوا بنيرانها، خاصة في المناطق القريبة من محور العمليات البرية، إذ يُحاول المواطنون الوصول لمنازلهم، أو خيامهم، بعد التأكد من عدم وجود قوات برية على الأرض، لكنهم يفاجؤون بالمسيّرات، تستهدفهم وتقتلهم، وتلاحق من يحاول منهم الفرار.
وأشار جمعة إلى أنه ومنذ بدء الجولة الحالية من الحرب، بات سلاح المُسيّرات هو الأبرز في قتل المواطنين، ويبدو أن الاحتلال أدخل عليها تعديلات وطور أداءها، لتصبح أكثر فتكاً.
وأكد أن المواطنين وخلال سيرهم في الشوارع، أو تواجدهم قرب الخيام، دائماً ما ينظرون الى السماء، لمراقبة الطائرات، التي باتوا يخشون منها، لا سيما في مخيمات النزوح، حيث تكررت هجماتها وغاراتها على الخيام.
ولا يقتصر تأثير الطائرات المسيّرة على الضربات المباشرة، بل يمتد إلى البعد النفسي من خلال الطنين المستمر في الأجواء، والذي يعمل كأداة لفرض الخوف وتقييد الحركة، ما يخلق بيئة من الرعب والضغط المستمر على السكان، لا سيما في المخيمات ذات الاكتظاظ الكبير، حيث يتركز تحليق الطائرات في تلك المناطق.
0 تعليق