حرب ترامب الجمركية وعلاقات أوروبا مع الصين - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

د. عبدالعظيم حنفي

مع قيام الرئيس ترامب - رئيس أكبر اقتصاد في العالم- بإعادة تقييم سياساته التجارية العالمية، استمر الاقتصاد الأمريكي في التوسُّع بوتيرة معقولة مع تباطؤ النمو في الصين وأوروبا، ولا تزال أمريكا إلى حد بعيد أكبر سوق استهلاكي في العالم. إذ يشكل إنفاقها 30% تقريباً من إجمالي الإنفاق العالمي، وهي موطن لأكبر قيمة تراكمية للاستثمار الأجنبي المباشر عند حوالي 5 تريليونات دولار.
ورغم ذلك قرر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، فرض رسوم جمركية اعتبرها ضرورية لحماية المصالح الأمريكية وتعزيز الاقتصاد الوطني، ليس على الصين فحسب، بل امتدت إلى حلفاء الولايات المتحدة لتشمل الاتحاد الأوروبي باعتبار أن الولايات المتحدة لديها عجز تجاري مع أوروبا بقيمة 300 مليار دولار.
وهذا قد يشكل فرصة لتعزيز العلاقات بين الطرفين. بكين تدرك الأهمية المتنامية لأوروبا الموحدة ليس كسوق ضخم، بل كداعم قوي لنظام دولي متعدد الأطراف، وهكذا بدأت ردود فعل الصين والاتحاد الأوروبي - ثاني وثالث أكبر اقتصادين في العالم - في إعادة تشكيل التحالفات الدولية. فالحرب التجارية تدفع أوروبا نحو الصين مجدداً، فلا تزال منخرطة اقتصادياً مع الصين رغم العجز التجاري. في العام الماضي، سجل الاتحاد الأوروبي عجزاً تجارياً قدره 304.5 مليار يورو (345.5 مليار دولار) مع الصين - وهو عجز لم يتغير تقريباً عن العام السابق - بينما حقق فائضاً قدره 235.6 مليار يورو مع الولايات المتحدة. ويؤكد هذا الاختلال كيف أن تجارة أوروبا مع الولايات المتحدة تعوّض الخسائر المستمرة في تعاملاتها مع بكين. ومع ذلك، سعى الاتحاد الأوروبي إلى معالجة عجزه التجاري المزمن مع الصين. ففي أكتوبر الماضي، (2024)، فرض رسوماً جمركية تصل إلى 45.3% على السيارات الكهربائية الصينية، مشيراً إلى الدعم الحكومي غير العادل. كما يصادف هذا العام الذكرى الخمسين للتطبيع الدبلوماسي بين الاتحاد الأوروبي والصين. وتشير التقارير إلى أن بروكسل تدرس توجيه دعوة للرئيس شي جين بينغ في محاولة لاستعراض موقف أوروبي أكثر حزماً ضد الحمائية الأمريكية.
في ظل الأزمة التجارية، تلجأ الصين إلى الاتحاد الأوروبي كوسيلة للتحوط من إجراءات ترامب. وحالياً يوفر سوق الصين المتوسع، الذي يضم 1.4 مليار مستهلك، حاجزاً قوياً ضد الضغوط الخارجية الأمريكية، في وقت أصبح إعطاء الاتحاد الأوروبي الأولوية للتجارة أمراً ضرورياً. بعد أن خفض بنك ING مؤخراً توقعاته لنمو منطقة اليورو لهذا العام من 0.7% إلى 0.6%، وانخفضت توقعات العام المقبل من 1% إلى 0.6% - وهو دليل إضافي على أن التوترات الجمركية تؤثر سلباً في التوقعات الاقتصادية لأوروبا.
وفي 9 إبريل، (2025) وهو اليوم الذي أعلن فيه ترامب زيادة الرسوم الجمركية بنسبة 125% على البضائع الصينية، أجرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين مكالمة هاتفية مطولة مع رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ. وتمثل المفوضية السلطة التنفيذية للاتحاد الأوروبي، وتضع وتنفذ السياسة التجارية نيابة عن دولها الأعضاء ال 27. واتفق الزعيمان على العمل معاً لضمان الاستقرار الاقتصادي العالمي والقدرة على التنبؤ. كما ناقشا إنشاء آلية لرصد وإدارة التدفق المتوقع للصادرات الصينية إلى أوروبا مع تضييق فرص وصولها إلى الولايات المتحدة. وأكد الطرفان التزامهما بالحفاظ على نظام التجارة الحرة العالمية. وهي سبق أن صرحت بشأن العلاقات الأوروبية الصينية: «إن علاقتنا مع الصين هي واحدة من أكثر العلاقات تعقيداً وأهمية في أي مكان في العالم، وسوف تكون كيفية إدارتنا لهذه العلاقة عاملاً حاسماً في تحقيق الرخاء الاقتصادي والأمن الوطني في المستقبل»، معتبرة أن الصين «شريك تجاري حيوي، حيث تمثل نحو 9% من صادراتنا من السلع وأكثر من 20% من وارداتنا من السلع»، واعترفت أن التجارة بين أوروبا والصين شهدت اختلالات متزايدة ومخاطر، «ونحن بحاجة إلى إعادة التوازن إلى هذه العلاقة وضمان أن تكون علاقاتنا التجارية والاستثمارية منطقية بالنسبة لأوروبا، سواء بالنسبة لاقتصادها أو أمنها»، داعية إلى إيجاد حلول مع الصين للاستفادة من الفرص التي تتيحها التجارة».
واللافت تصريح الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال اجتماعه مع رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز في العاصمة الصينية (11 إبريل، 2025): إنه يجب على الصين والاتحاد الأوروبي الوفاء بمسؤولياتهما الدولية، والعمل معاً على حماية توجه العولمة الاقتصادية وبيئة تجارية دولية عادلة، ومقاومة الممارسات الأحادية والترهيبية، وجاء طلب الرئيس الصيني شي جين بينغ لمواجهة دونالد ترامب في الوقت الذي يشن فيه الرئيس الأمريكي حرباً تجارية عالمية. وشجع رئيس وزراء إسبانيا- التي تربطها علاقات وثيقة مع الصين، وتُعد القضية المركزية في التعاون التكنولوجي بين المؤسسات والشركات الصينية والإسبانية هي البحث عن التكامل في القطاعات المتقدمة أو التي يكون للتعاون فيها إمكانات عالية، أي تلك التي يكون فيها الجانب الإسباني قوياً في شيء والصيني قوياً في شيء آخر، والاثنان يتكاملان- دعوة الرئيس شي إلى توثيق العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والقوة الآسيوية العظمى في وقت يواجه فيه العالم «تحديات استثنائية». وقال، في إشارة ضمنية إلى حرب ترامب التجارية العالمية: إن المشهد العالمي المعقد يحتم علينا المراهنة على مزيد من الحوار والتعاون وتعزيز علاقاتنا مع الدول والكتل الإقليمية الأخرى، وأضاف: الصين شريك أساسي لنا في مواجهة أكبر تحديات العالم.
مع تجدد حرب ترامب التجارية، يُعيد الاتحاد الأوروبي النظر في الرسوم التي سبق وفرضها على السيارات الكهربائية الصينية ويسعى بنشاط إلى جذب الاستثمارات الصينية - لا سيما في قطاعات التكنولوجيا الفائقة مثل بطاريات السيارات الكهربائية. حيث ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» في تقرير حديث لها، أن الصين هي الدولة الوحيدة في العالم التي بإمكانها صنع بطارية سيارة كهربائية متكاملة بكفاءة عالية وبتكلفة أقل. وأوضحت الصحيفة أن من المستحيل أن تعتمد أي دولة أخرى على نفسها في سلسلة توريد البطاريات من دون الدخول في شراكة مع بكين. ومن ثم يعتبر تصنيع بطاريات للسيارات الكهربائية، أحد أهم السباقات في عصرنا الحالي، إذ ستجني البلدان التي يمكنها تصنيع بطاريات للسيارات الكهربائية العديد من المزايا الاقتصادية والجيوسياسية. ورغم الاستثمارات الغربية بالمليارات، فإن الصين تتقدم كثيراً، في تعدين المعادن النادرة، وتدريب المهندسين، وبناء المصانع الضخمة، لدرجة أن بقية العالم قد يستغرق عقوداً للحاق بالركب. وتسعى المفوضية الأوروبية، لتوسيع بنيتها التحتية للسيارات الكهربائية، ومن ثم أصبح التعاون مع الشركات الصينية ضرورياً بشكل متزايد.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق