"سيد كورونا" لعمرو شعراوي.. قصص عن حال وأحوال المصريّين! - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

كتبت بديعة زيدان:

"سيد كورونا"، هو العنوان الذي اختاره الكاتب المصري عمرو شعراوي، ليتصدر غلاف مجموعته القصصية، الصادرة حديثاً عن دار العين للنشر في القاهرة.
وتقدّم القصص العشر صوراً متفرقة تعكس وقائع مصرية، قد تكون مغرقة في المحلية مع أنها تنسحب على العديد من الجغرافيات خارجها، دون أن تخلو من خيالات حدّ الفنتازيا أحياناً، أو بالاتكاء على القصة الشعبية، أو غيرها.
ويُراوح شعراوي بين نقاش سردي للأطروحات السياسية الإشكالية المتواصلة منذ عقود في مصر، والعديد من الإشكاليات المرتبطة بالسلطة، كالقمع والفساد، بشكل بارز أو في المتن، في حين تبدو العديد من القصص حكايات عاديّة، لكنها في واقع الأمر تحمل دلالات على ماهية المجتمع المصري بكليّته، أو بشكل فرداني، عبر شخص محوري في هذه القصة أو تلك، أو عدّة شخوص فيها، ليغوص في نفسيّات "أبطالها" الذين يشكلون بمجموعهم الفسيفساء المجتمعية الكليّة، أو جزءاً ليس بسيطاً منها، خاصة في تقاسم الهموم والحنين إلى ما كان، وربّما الحكايات، بشكل أو بآخر.
القصة الافتتاحية للمجموعة بعنوان "طابور الصباح"، تناولت الفساد والمحسوبية، دون صراخ، عبر قصة مسن فقد زوجته حديثاً، وكان أبناؤه تفرقوا في بقاع الأرض، لتُقلق وحدته الأصوات الصاخبة القادمة من الطابور الصباحي للمدرسة المجاورة، فيتوجه إلى مديرتها دون استجابة منها أو من المعلم المسؤول عن الإذاعة المدرسية، وحين يتوجه إلى الشرطة لتقديم شكوى على المدرسة، نُصح ألا يفعل، وأن يتجه إلى حل الإشكالية بالتراضي، خاصة أنها "مدرسة لغات"، وفيها أولياء أمور من أصحاب "الرتب الكبيرة"!
وفي "أهازيج السعادة"، يذهب بنا شعراوي في رحلة نوستالجية، عبر الراوي الطفل، الذي كان يُنصت إلى حوارات والده المريض ووالدته حول السعادة والجنون والوفاء، قبل أن يذهب بنا رفقة "بركة"، ممرضة والدته، وحكايات ألف ليلة وليلة التي كانت تقرأها له من مكتب والده، لكن في الليلة الحادية عشرة رحل الأب.
أما "سيد كورونا"، التي تحمل المجموعة اسمها، فهي على عكس ما يوحي به عنوانها، لا تتعلق بالوباء الذي حاصر العالم في منازلهم، بل تتحدث عن نوع من "الحشيش" يحمل هذا الاسم، يقتحم يوميّات الموظف "كامل" ورئيسه في العمل "فاروق أفندي"، الذي يقتنع بعد إلحاح مرؤوسه بتعاطي "سيد كورونا" فـ"يعمل عمايله" معه، ليبوح ويفضفض ويخرج ما في دواخله، ويحكي عن زوجته التي تغيّر حالها مع مرور السنين، ومناكفاته مع زميله في الإدارة المالية بسبب "ابتسام" زميلتهما، التي يبدي كل منهما إعجابه بها، وأكثر من ذلك، تحت وطأة هذا السيد الوباء المدعو بلغة تجّار المخدرات، "كورونا".
وعندما كنت أقلب صفحات قصة "روح يا فال تعال يا فال"، استرجعت مشاهد من فيلم "البيضة والحجر" للنجم الراحل أحمد زكي، وإن كان شعراوي تناول موضوع "التنجيم" بالمصادقة، على طريقته بطبيعة الحال، من خلال حكاية ذلك الشاب العشريني، الذي يخمّن اسم محبوبة زميله في العمل، فيذيع صيته، مع أن الأمر لا يعدو كونه ضربة حظ، وشيئاً من التأثر بأجواء الأختان "إرمينية" و"آرانوش" جارتي والدته، حتى بات يُستدعى إلى المكاتب، وصولاً إلى المدير، وباتت له حظوة خاصة، لاسيما مع براعته المفترضة في قراءة ورق اللعب (الكوتشينة)، فـ"سبعة سباتي تعني فلوس، الولد البستوني يدل على عدو أو شخص غير مخلص، أما البنت الديناري فهي امرأة شقراء ذات خصال جيّدة".
و"عماد الدين" هو عنوان واحدة من قصص المجموعة، ولكنه اسم شارع شهير في القاهرة أيضاً، يقع فيه مكتب المحامي "أيمن المنسي"، الذي يتردد عليه "فاروق عبد الهادي"، لبيع شيء من إرثه كي يتمكن من الإنفاق على نفسه بعد استقالته، مستذكراً علاقته بـ"ماجدة "زميلته في الجامعة، مطلع سبعينيات القرن الماضي.
وفي هذه القصة، يتحدث "فاروق"، الذي قد يكون لتكرار اسمه في القص رابطاً دلالياً بمرحلة ما قبل "ثورة الضباط الأحرار"، عن هزيمة حزيران، ويخوض في حواريات حول سياسات عبد الناصر والسادات، والتحالفات مع السوفييت والأميركان، واستعدادات كل منهما للحرب على "العدو"، كما يتطرق للسينما التي كانت مزدهرة في ذلك الشارع، وكيف كان ارتيادها عادة وطقساً حميماً يجمعه بمحبوبته السابقة، وتحولت إلى مكب للنفايات.
يصل "فاروق" إلى مكتب المحامي ليبع شقته، ولعدم وصول المشتري، يأخذه الحديث مع مُستقبِله، عن واقع غزة خلال حرب الإبادة، وما تتعرض له من قصف وحصار، غير بعيد عن الجدل المسكوت عنه بخصوص دور مصر في تعميق حصار غزة، أو حماية القضية الفلسطينية بالحيلولة دون تهجير سكانها، متسائلاً: "هل شاهدت خطاب حسن نصر الله الذي هاجم فيه مصر لموقفها من إغلاق معابر غزة؟.. أطرق الأستاذ أيمن لحظة كأنه يزن ما يريد أن ينطق به من كلمات"، ليعاجله: "والله حرام قصف إخوانّا في غزة، الغريب أن العالم كله ساكت على هذه المجزرة، موقف نصر الله الداعم للمقاومة سليم مائة في المائة، وحكومتنا لازم تفتح المعابر، وتقف مع أهلنا في غزة"، فيرد الآخر: "لو فتحنا المعابر، وسمحنا للفلسطينيين بدخول سيناء، فإن غزة ستخلو من سكانها".
وفي "قصص الجيص"، وعبر حكاية "أم يحيى"، وهي مستوحاة من القصص الشعبية المصرية التي يبدو أنه عالجها بطريقته، تقتحم الفنتازيا السرد، بحيث يخرج "الجيص" أو الريح منها، وهي بين مجموعة من جاراتها، لتتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعها، وهو ما كان لها، لتلقي في الأسفل حاكماً يزودها بصناديق تكتشف أنها أموال كثيرة ومصوغات ذهبية، قبل أن يذهب بنا إلى حكاية "أم فتحي"، التي كانت تهلل بأن "الطيران الإسرائيلي يتساقط كالذباب، كلها يوم أو اثنين بالكتير، وندخل تل أبيب"، بل تعالت زغاريدها مع كل بيان عسكري يبشر بالنصر في حرب العام 1967.
وعبر شخصية "محمد"، العسكري المصري العائد في إجازة من اليمن، يحدثنا عن مشاركة مصر في "حرب اليمن"، وعن "الإمام البدر والسلّال، ورجال القبائل اليمنية الذين يهاجمون قواتنا بشراسة في المناطق الجبلية الوعرة"، وكيف تمنى والده أن يكون ابنه في سيناء لا في اليمن، "على رأس قواتنا وهي تدخل تل أبيب"، قبل أن يكتشف الجميع أن البيانات العسكرية كانت كلها "غلط"، في خلط ذكي للحدوتة الشعبية بالمخيال لمحاكمة الهزيمة.
ومع توالي القصص التي ترتمي في أحضان الحنين إلى الماضي، الذي ربّما يتقاطع مع شيء من سيرة شعراوي، تُختم المجموعة بقصة "سِرّك باتع"، التي تعود بنا إلى أجواء استشراء الفساد بطبقاته المتعددة، عبر حكاية موظف يفقد وظيفته في شركته الاستثمارية بعد اكتشاف فساد أحد زملائه، ويُدعى "فاروق" أيضاً، وإبلاغ رئيسه المباشر بالأمر!.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق