في برنامج «رُفعَت الجلسة»، الذي يُعرض عبر منصات «الجريدة»، يروي المحامي د. حسين العبدالله، أبرز القضايا التي هزّت الرأي العام، كاشفاً كواليس وأسرارا لم تُروَ من قبل، ومستعرضاً، من خلال البرنامج، تفاصيل دقيقة وأسراراً تُكشف لأول مرة.
ومن بين الملفات الكثيرة، اختار العبدالله واحدة من أكبر القضايا التي هزّت الشارع الكويتي، لتكون بداية سلسلة من الحلقات المليئة بالإثارة والتوثيق القانوني العميق، التي أثارت الجدل وأحدثت صدى واسعاً في المجتمع.
قضية اليوم تعود أحداثها إلى عام 2005، عندما شهدت الكويت واحدة من أكثر القضايا الأمنية إثارة للجدل، بعدما دوّى صوت إطلاق نار كثيف في منطقة ميدان حولي، وتحديداً أمام أحد مكاتب تأجير السيارات، لينكشف بعدها ملف مُعقّد من التطرف المسلح تحت عنوان «خلية أسود الجزيرة».
البداية كانت ببلاغ من أسرة كويتية إلى وزارة الداخلية يفيد باختفاء ابنهم، مشيرين في بلاغهم إلى تبنّيه أفكاراً جهادية وتكفيرية، تحرّك على إثره رجال الأمن فوراً لتعقّب المتهم، وتمكنوا من الوصول إليه في أحد مكاتب تأجير السيارات بميدان حولي، لكن ما بدا كمهمة ضبط روتينية، تحوّل إلى كمين دموي، إذ تعرّض 4 من رجال الأمن لوابل من الرصاص أثناء اقتياد المتهم خارج المكتب، فاستشهد على الفور اثنان من عناصر أمن الدولة، هما حمد الأيوبي وأيمن الرشود، فيما أُصيب اثنان آخران، وأُصيب المتهم نفسه بطلق ناري أرداه قتيلاً.
مطاردات واشتباكات
أعقبت الحادثة حالة استنفار أمني واسعة، شملت تمشيط الجواخير والمزارع المشبوهة، وبعد أيام، وقعت مواجهة مسلّحة ضارية في منطقة أم الهيمان بين القوات الأمنية والعناصر الإرهابية، انتهت بمقتل أحد أفراد الخلية، بعد مطاردة استخدم فيها الإرهابيون مركبة استولوا عليها عُنوة، وشهد الاشتباك حادثاً مأساوياً، إذ راح مواطن بحريني ضحية تبادل إطلاق النار، بعدما أصابته رصاصة طائشة أثناء مروره مصادفة.
الرأس المدبر
التحقيقات قادت إلى المتهم الرئيسي في الخلية، عامر خليف، الذي أُلقي القبض عليه لاحقًاً، ولقي حتفه خلال المواجهات، وتمكنت السلطات من ضبط بقية عناصر الخلية، وعددهم الإجمالي 27 متهماً من أصل 37 مشتبهاً بهم، وبسبب العدد الكبير للمتهمين، اضطرت وزارة العدل إلى توسيع قفص الاتهام في قاعة المحكمة بقصر العدل القديم، وهو ما اعتُبر سابقة في تاريخ القضاء الكويتي.
وفي جلسة ترأسها المستشار هاني الحمدان، صدر حكم بالإعدام بحق 6 من المتهمين، ثم تم تأييده في محكمة الاستئناف، قبل أن تخففه محكمة التمييز إلى السجن المؤبد، كما صدرت أحكام متفاوتة بحق بقية المتهمين، في القضية التي حظيت باهتمام إعلامي كبير، نظراً لما شملته من أحداث وضحايا ومواجهة حقيقية تصدت لها مشكورةً وزارة الداخلية.
15 ساعة
امتدت بعض جلسات المحاكمة إلى أكثر من 15 ساعة متواصلة، في صورة نادرة تعكس صلابة القضاء الكويتي وقدرته على التعامل مع قضايا تمسّ الأمن الوطني، وتحمّله فوق طاقته، ورغم هول الاتهامات، حرصت المحكمة على ضمان كل حقوق الدفاع، بما في ذلك فك الأغلال عن المتهمين، والاستجابة لطلبات محاميهم، بل كانت تطلب إخراج رجال الأمن المقنّعين وفك الأغلال من أيدي المتهمين، وهو أمر سطره القضاء الكويتي في العديد من المحاكمات العادية التي هزّت الرأي العام الكويتي.
قضية «أسود الجزيرة» لم تكن مجرّد محاكمة جنائية، بل كانت رسالة صارمة لكل من يهدد أمن البلاد، وتجربة أثبتت أن الكويت تمتلك أجهزة أمنية وقضائية قادرة على التصدي لأشد الأزمات بحزم وعدالة في آن واحد.
0 تعليق