القدس المحتلة- في تطور لافت في مسار العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أن المرحلة القادمة من الحملة العسكرية ستشهد تغييرا جذريا في أسلوب التعامل مع القطاع.
ففي تصريحات أدلى بها، الاثنين، أوضح نتنياهو أن "خطة توسيع العمليات في غزة تختلف عن سابقاتها، إذ ننتقل من أسلوب الاقتحامات المحدودة إلى احتلال الأراضي والبقاء فيها"، في إشارة إلى نية إسرائيل فرض سيطرة دائمة على مناطق داخل القطاع.
أدلى نتنياهو بتصريحات حذرة بشأن العمليات في غزة، بينما كان وزير المالية بتسلئيل سموتريتش أكثر صراحة ووضوحا وحزما، مؤكدا أن "إسرائيل تحتل غزة للبقاء، لم يعد هناك دخول وخروج، هذه حرب من أجل النصر"، وأن الكابينت قرر عدم الانسحاب من المناطق المحتلة حتى في حال التوصل إلى صفقة تبادل رهائن.
ووفقا لسموتريتش، فإن المناورة البرية المقبلة ستتضمن السيطرة على منظومة المساعدات الإنسانية داخل غزة، بحجة منع وصولها إلى حركة حماس، على أمل أن يؤدي ذلك إلى سقوطها.
ودعا الإسرائيليين إلى "الكف عن الخوف من استخدام مصطلح الاحتلال"، في خطوة تعكس تحولًا في الخطاب الرسمي تجاه أهداف العملية العسكرية.

تساؤلات قانونية وسياسية
تصريحات نتنياهو وسموتريتش لا تقتصر على تحديد مسار عسكري جديد، بل تمثل، حسب خبراء قانونيين، مؤشرات على وجود نية مسبقة لفرض احتلال طويل الأمد، وهو ما يتنافى مع المبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني.
إعلان
هذا التوجه الجديد، الذي تسوق له الحكومة الإسرائيلية باعتباره ضرورة أمنية، يقول المتحدث باسم حركة "السلام الآن"، آدم كلير: إنه "يثير تساؤلات قانونية وسياسية خطيرة، لا سيما في ظل تأكيد مسؤولين إسرائيليين أن الاحتلال هذه المرة سيكون طويل الأمد".
وفق القانون الدولي، يضيف كلير للجزيرة نت: "يعتبر احتلال أراض بالقوة العسكرية مخالفا لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف، خاصة إذا ارتبط بتغيير البنية الديمغرافية أو الإدارية للمنطقة المحتلة أو تم دون إطار زمني واضح للانسحاب".
وعلى ضوء هذه التطورات، رجح كلير أن إسرائيل ستواجه احتمال تصاعد الضغوط الدولية، وفتح الباب أمام إجراءات قضائية دولية، سواء من خلال مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أو المحكمة الجنائية الدولية، لا سيما أن تصريحات من هذا النوع قد تستخدم كأدلة على نوايا متعمدة لفرض سيادة دائمة على أراض محتلة.
ويعتقد أن الاحتلال طويل الأمد قد يفتح جبهة مقاومة ممتدة في غزة، ويزيد من احتمالات انفجار مواجهات في الضفة الغربية، وربما على جبهات أخرى مثل لبنان، كما قد تستخدم الفصائل الفلسطينية هذا الموقف لتعزيز شرعيتها الشعبية تحت شعار "مواجهة الاحتلال".
ملاحقة قانونية محتملة
يعرف الاحتلال العسكري في القانون الدولي بأنه "السيطرة الفعلية لقوات دولة على أراضي لا تقع تحت سيادتها الشرعية"، ويخضع اتفاق جنيف الرابع لعام 1949 القوة المحتلة لالتزامات صارمة تجاه السكان المدنيين، ويمنعها من تغيير البنية الإدارية أو السياسية للمنطقة المحتلة.
لكن ما تصرح به إسرائيل حاليا، يقول الدكتور نمرود غورن، من المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية (ميتفيم) يتعدى مفاهيم الاحتلال المؤقت، ليدخل في نطاق "الضم الفعلي"، وهو انتهاك صارخ لميثاق الأمم المتحدة.
إن الجهر بالنية لاحتلال دائم، كما ورد على لسان سموتريتش: "نحتل غزة للبقاء"، و"لا انسحاب حتى في صفقات تبادل"، يمكن اعتباره -يضيف غورن للجزيرة نت- "بمثابة اعتراف رسمي بنيّة دائمة لفرض السيطرة، وهو عنصر بالغ الأهمية في أي ملاحقة قانونية محتملة.
إعلان
وأوضح الباحث الإسرائيلي بالسياسات الخارجية والإقليمية أن هذه التصريحات يمكن أن تقدم كأدلة ضمن ملفات الاتهام أمام المحكمة الجنائية الدولية، التي سبق وفتحت تحقيقا أوليا في الوضع في قطاع غزة.
تعقيد العلاقات مع الحلفاء
من المتوقع أن تثير هذه التصريحات ردود فعل دولية قوية، خاصة من الدول الأوروبية التي تضع أهمية كبيرة لاحترام القانون الدولي. كما قد يدفع ذلك إلى إصدار بيانات إدانة من قبل مجلس حقوق الإنسان، وربما عقد جلسات طارئة في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
كذلك، قد تتزايد الضغوط على المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لفتح تحقيق رسمي موسع في احتمال ارتكاب "جريمة عدوان" أو "جرائم حرب"، إذا ثبت أن هناك نية لفرض حكم دائم بالقوة على أراضي الغير.
يمكن أن تؤدي هذه الخطوة إلى تعقيد علاقات إسرائيل مع حلفائها، خاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، الذين يحرصون، ولو شكليا، على الإبقاء على فكرة "حل الدولتين" وعدم الاعتراف بأي تغييرات أحادية الجانب على حدود 1967.
نقطة تحول خطيرة
يمثل قرار الكابينت بتوسيع العمليات البرية وتحويلها إلى احتلال فعلي لغزة، يقول المحلل السياسي، عكيفا إلدار نقطة تحول خطيرة ليس فقط في مسار الحرب، بل في موقع إسرائيل القانوني والسياسي على الساحة الدولية.
ففي حين تسوق الحكومة هذه الخطوة كضرورة أمنية، -يضيف المحلل السياسي للجزيرة نت- فإن "التداعيات القانونية قد تكون طويلة الأمد، وقد تطال شخصيات رفيعة في القيادة الإسرائيلية حال تقدم المسار القضائي الدولي".
إعلان
وأوضح أن تصريحات نتنياهو وسموتريتش قد تضع أميركا ودول الاتحاد الأوروبي في موقف "حرج"، وتجعل من الصعب تبرير استمرار الدعم العسكري والسياسي لإسرائيل دون التعرض لانتقادات داخلية ودولية.
ولفت إلى أنه في حال استمرت التصريحات الإسرائيلية على هذا النحو، فإن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية قد يتعرض لضغوط متزايدة لفتح تحقيق رسمي في جرائم حرب أو جريمة عدوان، خاصة إذا اقترنت هذه النوايا المعلنة بأفعال ميدانية مثل الضم أو التهجير أو فرض أنظمة إدارة إسرائيلية داخل غزة.
ولا يستبعد أن تؤدي هذه السياسات إلى عزلة دبلوماسية أكبر لإسرائيل، لا سيما في أروقة الأمم المتحدة، حيث يمكن للدول الأعضاء تمرير قرارات رمزية أو ملزمة، مثل تشكيل لجان تحقيق أو فرض عقوبات اقتصادية، إذا ما اعتبر الاحتلال الجديد انتهاكا خطيرا للقانون الدولي.
0 تعليق