كابل- تواصل حركة طالبان جهودها لإعادة بناء سلاح الجو الأفغاني لاستعادة السيادة الجوية وتعزيز الأمن القومي بعد أكثر من 3 سنوات على سيطرتها على الحكم، لكن هذه الجهود تصطدم بعقبات فنية ودبلوماسية تجعل الطريق نحو هدفها تحديّا طويل الأمد.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، احتفلت وزارة الدفاع بتخريج 24 عنصرا من الكلية الجوية في كابل في خطوة وُصفت بأنها "نواة واعدة" لقوة جوية مستقلة. وأعلنت الوزارة أخيرا تخريج دفعة جديدة تضم 10 طيارين، أكملوا تدريباتهم على طائرات أميركية من طراز "سي-208" ومروحيات روسية من طراز "مي-17″، مؤكدة أن ذلك يمثل "تقدما جادا نحو الاكتفاء الذاتي".
في تقرير نُشر على الموقع الرسمي للوزارة، قالت القوات الجوية الأفغانية، إنها سجلت إنجازات كبيرة خلال 2024، شملت تنفيذ 4218 طلعة جوية تدريبية، وعملية ضمت نقل القوات والمعدات وتعزيز الكفاءة التشغيلية. كما نجحت الكوادر الفنية في إعادة تأهيل مروحية من طراز "بلاك هوك يو إتش-60".
واقع معقد
أعادت الحكومة الأفغانية تشغيل جامعة الطيران التي خرّجت دفعات إضافية، منها 3 طيارين في سبتمبر/أيلول 2024، و10 آخرين في أبريل/نيسان 2025، إضافة إلى تجنيد 120 ضابطا جديدا. ونقلت القوات الجوية 77 قتيلا و567 جريحا جراء الكوارث الطبيعية.
إعلان
لكن واقع سلاح الجو في أفغانستان ما بعد الانسحاب الأميركي في أغسطس/آب 2021 لا يزال معقدا، حيث تواجه الحكومة تحديات تحول دون تحقيق قوة جوية فاعلة على المدى القصير.
في حديث للجزيرة نت، قال الناطق باسم وزارة الدفاع عناية الله خوارزمي، إن "إنجازات القوات الجوية تمثل خطوة نوعية نحو بناء قوة جوية مستقلة تسعى إلى مواجهة التهديدات الإرهابية، مثل تنظيم الدولة ولاية خراسان، وحماية استقرار البلاد".
وأضاف "سلاح الجو ليس مجرد أداة عسكرية، بل رمز للاستقلال الوطني، ونعمل على صيانة الطائرات المتاحة واستعادة المروحيات المنقولة إلى دول الجوار رغم العقوبات".
وفي تصريح للتلفزيون الأفغاني الرسمي، قال المتحدث باسم الحكومة الأفغانية ذبيح الله مجاهد، إن المعدات العسكرية، بما فيها الطائرات في قاعدة باغرام، "ستُستخدم لتعزيز الدفاع عن البلاد".
وبين عامي 2001 و2021، استثمرت الولايات المتحدة أكثر من 8 مليارات دولار لتطوير سلاح الجو الأفغاني، وزودته بطائرات مثل "سوبر توكانو إيه-29″، ومروحيات "إم دي-530 إف ليتل بيرد"، و"بلاك هوك يو إتش-60″، و"مي- 17″، وطائرات نقل مثل "سي-130″ و"سبارتان سي-27". كما أُرسل مئات الطيارين والفنيين للتدريب في دول أجنبية.
لكن الانسحاب الأميركي المفاجئ في 2021 ترك أسطولا غير مكتمل، حيث استولت طالبان على 94 طائرة ومروحية، معظمها في قاعدة باغرام الجوية.
تحديات فنية
ووفقا لتقرير المفتش الخاص بإعادة إعمار أفغانستان لعام 2022، باتت معظم هذه الطائرات خارج الخدمة لأعطال فنية، وتوقف إمداد قطع الغيار الخاصة بها، وغياب الطواقم المؤهلة. كما هُرّبت نحو 64 طائرة (46 إلى أوزبكستان و18 إلى طاجيكستان) بقيادة طيارين أفغان فروا من البلاد، تضمنت طائرات "إيه-29، و"سيسنا 208″، ومروحيات "مي-17″ و"يو إتش-60".
إعلان
وكانت هناك من 6 إلى 11 طائرة، بما فيها 5 مروحيات "مي-17″، خارج البلاد للصيانة، وبعضها نُقل لاحقا إلى دول مثل أوكرانيا أو أُدمج في أساطيل دول أخرى، مما قلص الأسطول الأفغاني بنحو 25% من إجمالي 161 طائرة.
وقال نائب المتحدث باسم الحكومة الأفغانية سابقا إنعام الله سمنغاني "هذه المروحيات ملك الشعب الأفغاني، وبدأنا مفاوضات مع طاجيكستان وأوزبكستان لاستعادتها، لكن لم نحرز تقدما حتى الآن، بسبب تحفظاتهما وضغوط أميركية".
في حديثه للجزيرة نت، أوضح الخبير العسكري أسد الله نديم، أن التحديات الفنية التي تواجهها طالبان تتجاوز مجرد نقص قطع الغيار إلى غياب بنية تحتية للصيانة المتقدمة.
وأوضح أن "إصلاح مروحية "يو إتش-60″، ورغم أنه إنجاز لافت، يظل استثناء وليس قاعدة، لأن تشغيل أسطول متنوع من الطائرات الأميركية والروسية يتطلب شبكة لوجستية عالمية، وهي غير متاحة مع العقوبات الدولية.
وأضاف أن طالبان تعتمد حاليا على خبرات فنية محدودة من مهندسين سابقين في الجيش الأفغاني، لكنهم لا يملكون أدوات تشخيص متقدمة أو برامج صيانة حديثة. ويرى أن التركيز على مروحيات "مي-17" أكثر واقعية لإمكانية الحصول على قطع غيارها من روسيا أو دول آسيا الوسطى عبر قنوات غير رسمية.
Voir cette publication sur Instagram
https://www.instagram.com/p/DEmjWH6x9RZ/?utm_source=ig_embed&utm_campaign=loading
وحذر الخبير نديم من أن الاعتماد على موارد محلية فقط سيحدّ من قدرة سلاح الجو على تنفيذ مهام معقدة مثل الضربات الجوية أو العمليات الليلية، واقترح إنشاء مركز صيانة إقليمي في أفغانستان، "لكن ذلك يتطلب استثمارات ضخمة وعلاقات دبلوماسية مستقرة" حسب تقديره.
من جهته، يقول الطيار السابق أسد الله جلال، المقيم في الولايات المتحدة، للجزيرة نت، إن صيانة الطائرات الأميركية مثل "بلاك هوك" مستحيلة بدون علاقات دبلوماسية وملايين الدولارات، بينما مروحيات "مي-17" أكثر قابلية للتشغيل بفضل توفر قطع غيارها نسبيا.
إعلان
أما الخبير العسكري حبيب الله سروري، فيقول إن الحكومة الأفغانية نجحت في إصلاح عدد محدود من هذه المروحيات وإن إعادة تأهيل مروحية "بلاك هوك" تُظهر مرونة كبيرة في استغلال الموارد المحلية. وأضاف للجزيرة نت، أن طالبان اعتمدت على الطيارين السابقين المتبقين لتعويض نقص الطيارين بعد فرار 143 منهم إلى الإمارات وواشنطن عام 2021.
تدريب محدود
في 2024، انضم نحو 15 طيارا من الحكومة السابقة إلى الحركة، وتؤكد وزارة الدفاع أن الدورات التدريبية التي شملت دراسات نظرية وعملية على طائرات مثل "سي-208″ و"مي-17" تُمثل خطوة أساسية نحو بناء كوادر مستقلة.
لكن الطيار السابق لطائرات "بلاك هوك" نجيب أميني، يُشكك في جودة التدريب. ويقول للجزيرة نت، "ما يجري أقرب إلى تدريب داخلي ابتدائي دون إشراف دولي أو معايير موثوقة. في الأنظمة العسكرية الحديثة، التدريب يشمل محاكاة طيران وسيناريوهات تحكّم، وهي غير متاحة حاليا".
ويضيف المحلل العسكري عبد الله فراهي، للجزيرة نت، أن تخريج الدفعات الجديدة يعكس رؤية طويلة الأمد، لكن غياب البنية التحتية يحد من فعالية هذه الجهود.
بينما يقول الضابط السابق رحمت الله أندر، للجزيرة نت، إن "استمرار هذه الجهود، خاصة مع إعادة تشغيل جامعة الطيران، قد يُشكل أساسا لقوة جوية مستدامة إذا تم استعادة المروحيات المنقولة".
وتقول المصادر الحكومية، إن سلاح الجو الأفغاني تحت حكم طالبان سجّل إنجازات في عام 2024، منها نجاحه في إجراء 4218 طلعة جوية شملت نقل القوات والمساعدات الإنسانية، إلى جانب إجلاء أكثر من 1000 مواطن من مناطق منكوبة جراء الزلازل والفيضانات.
واعتبر الناطق باسم وزارة الدفاع عناية الله خوارزمي، أن تمكّن القوات الجوية من إصلاح مروحية "بلاك هوك" إنجاز تقني لافت، رغم الصعوبات التي واجهتها بسبب نقص قطع الغيار.
إعلان
تظل العقوبات الدولية على طالبان بمثابة أحد أكبر العوامل التي تعرقل تطور سلاح الجو الأفغاني؛ فالدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة وروسيا، تفرض قيودا على توريد قطع الغيار والمعدات العسكرية لأفغانستان.
في تصريحات للموقع الرسمي لوزارة الدفاع، أشار مسؤولون أفغان إلى أنهم بصدد إجراء مفاوضات مع موسكو من أجل تأمين قطع غيار لطائرات "مي-17". كما ذكر خوارزمي أن الحركة تجري اتصالات مع عدة دول آسيوية لتحسين قدرات سلاح الجو عبر دعم لوجستي وفني.
ويقول الخبير في الشؤون الأمنية محمود فاروقي للجزيرة نت، إن "طالبان تجد نفسها في موقف صعب، إذ إنها بحاجة ماسة إلى دعم دولي لتحديث أسطولها الجوي، لكن معظم الدول ترفض التعاون كليا بسبب الوضع السياسي في أفغانستان".
يتوقع المحللون العسكريون، أن استعادة قدرات سلاح الجو الأفغاني بشكل كامل قد تستغرق عدة سنوات. ومع ذلك، فإن طموحات طالبان لا تزال قائمة، مع محاولات متواصلة لبناء أسطول جوي قادر على ضمان الأمن الوطني ورفع الجاهزية في مواجهة التهديدات الإقليمية.
0 تعليق