حين تتحول البراءة إلى كابوس.. الأطفال كمصدر للرعب النفسي في السينما - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

لطالما ارتبط مفهوم الرعب في المخيلة السينمائية بالوحوش والكائنات الخارقة، غير أن بعض الأعمال الجريئة قلبت المعادلة لتجعل مصدر الخوف هو الأطفال أنفسهم.

ففي براءة الأطفال الظاهرة يكمن تهديد مبطن يضاعف من وقع الصدمة، إذ لا شيء يثير القلق أكثر من أن يتحول رمز النقاء إلى تجسيد للشر، وهذا التناقض بين الوجه الطفولي المطمئن والنوايا المظلمة هو ما جعل الأفلام التالية تترك أثرا عميقا لدى المشاهد.

ويزداد هذا النوع من الرعب قسوة حين يتقاطع مع فكرة الأمومة أو الأسرة؛ فالأب أو الأم لا يواجهان وحشا غريبا، بل فلذات أكبادهم الذين يفترض أن يمثلوا الامتداد الآمن للحياة.

هكذا يكتسب الرعب بعدا فلسفيا أعمق: هل الشر فطري يولد مع الطفل؟ أو أنه انعكاس لتربية مشوهة أو بيئة خانقة؟ هذه الأسئلة الجوهرية تحولت إلى وقود درامي في أكثر من عمل، من بينها هذه القائمة:

"نحتاج للتحدث عن كيفن".. الشر الكامن في البراءة

نال فيلم "نحتاج للتحدث عن كيفن" (We Need to Talk About Kevin) الذي صدر في 2011 إشادة نقدية واسعة لدى عرضه في مهرجان "كان" السينمائي.

وقد رشحت بطلته تيلدا سوينتون عن دورها لجوائز الغولدن غلوب والبافتا، في حين أشاد النقاد بجرأة الطرح وتسليط الضوء على علاقة الأمومة المشوهة عبر دراما مزعجة نفسيا ومثيرة في آن واحد.

يحكي الفيلم عن إيفا التي تنتابها مشاعر سلبية تجاه صغيرها، وكما لو أنها ترضعه إياها فينشأ ليصبح شخصية عدوانية تجاهها وتجاه الآخرين، وسط رغبته الدائمة بارتكاب الأخطاء وإيقاع اللوم النفسي على الأم بشكل أو بآخر، وصولا لارتكابه مجزرة مدرسية تهز المجتمع.

يروى العمل بتركيب زمني يتداخل بين الحاضر والماضي، مع إخراج مظلم وأسلوب مونتاج مربك يعكس اضطراب الأم الداخلي ويزيد من الرعب النفسي للمشاهد.

إعلان

بيد أن الفيلم لا يكتفي بسرد الجريمة وإنما يجبر المتفرج على طرح تساؤلات حول الشعور بالذنب والمسؤولية، وإذا ما كان الشر غريزة متأصلة بالإنسان أم طابعا وليد الظروف المحيطة.

يذكر أن شخصية كيفن تجسد فكرة الشر الكامن في البراءة؛ بابتسامته الباردة وصمته المريب اللذين يزرعان التوتر في كل مشهد، حيث وجوده لا يثير الحنان، بل يشكل تهديدا متناميا يلتهم كل من حوله.

"مقتل غزال مقدس" وقسوة العدالة

فاز فيلم "مقتل غزال مقدس" (The Killing of a Sacred Deer)  للمخرج اليوناني يورغوس لانثيموس بجائزة أفضل سيناريو مشترك كذلك ترشح لجائزة السعفة الذهبية في مهرجان "كان".

وفي حين وجده البعض عبقريا بسبب فلسفته التي تفضح قسوة العدالة الكونية، وصفه آخرون بالصادم بسبب لغته السينمائية المزعجة، وإن كان الرأي الأخير لا ينفي قدرة العمل على ترسيخ مكانة لانثيموس كأحد أبرز مخرجي السينما المعاصرة القادرين على المزج بين الرمزية الفلسفية والرعب النفسي.

يحكي العمل عن جرّاح (كولين فاريل) مدمن للكحول وبسبب هذه العلة يتسبب في وفاة مريض على طاولة العمليات، مما يدفعه للتقرب من ابن المتوفى، المراهق (باري كيوغان) لشعوره بالذنب، لكن ما إن ينفضح أمره حتى يقرر المراهق الانتقام من أسرة الجراح بطريقة أقرب إلى اللعنات الإغريقية المفزعة.

من الناحية الفنية، تميز الفيلم بالإيقاع البطيء الذي خلق حالة من الاغتراب، إضافة إلى التصوير بالكاميرا الواسعة التي تمنح الإحساس بالمراقبة والتهديد. أما الأداء التمثيلي، خاصة من باري كيوغان، كان أحد أهم عناصر الفيلم ومحوريا في تصعيد التوتر والرعب النفسي.

"الأطفال".. ماذا لو تحول أبناؤك إلى مصدر تهديد؟

"الأطفال" (The Children) فيلم بريطاني مستقل أنتج بميزانية محدودة ومع ذلك لاقى شعبية بين الجمهور والنقاد، إذ صنفوه كإضافة مبتكرة لأفلام الرعب النفسي التي تتماس مع الواقع المعاش يوميا لكن من خلال أجواء مرعبة بعيدة عن الكليشيهات المعتادة.

أحداث الفيلم تتمحور حول عطلة عائلية في بيت ريفي، لكن بدلا من قضاء إجازة ممتعة وحيوية، تبدأ مجموعة من الأطفال التصرف على نحو لا يخلو من العدوانية والغموض تجاه ذويهم، ومع تصاعد الأحداث تتحول الأزمة إلى كابوس دموي، مما يضع الأهل أمام خيارين متضادين بين اختيار النجاة بحياتهم والدفاع عن أنفسهم وبين حماية أبنائهم.

نجح صانعو الفيلم في بناء حالة من التوتر التدريجي عبر اللجوء إلى الوتيرة المتباطئة والمشاهد اليومية الروتينية لزرع قلق عميق في نفس المشاهد قبل انفجار العنف، كذلك عزز الانعزال الجغرافي الشعور بالحصار.

يذكر أن الأطفال هنا ليسوا مجرد شخصيات ثانوية، بل هم جوهر الرعب بنظراتهم الساكنة، وحركاتهم غير الطبيعية، وسلوكهم الغامض، وهو ما نجح بتحويل الدفء الأسري إلى مصدر خوف وجودي لا ينتهي.

مخلوقات سماوية.. خيال أفضى إلى واقع

من الرعب النفسي إلى قصة حقيقية مروعة جرت بالخمسينيات، وفيلم "مخلوقات سماوية" (Heavenly Creatures) الذي نال استحسان النقاد بسبب جرأة الطرح ومزجه بين الواقع والعوالم المتخيلة بانسيابية حتى أن الفيلم رشح لجائزة أوسكار أفضل سيناريو أصلي وفتح مجالا للمخرج بيتر جاكسون نحو السينما العالمية.

إعلان

يحكي العمل عن فتاتين مراهقتين تنشأ بينهما صداقة متينة تتحول إلى علاقة وقودها الهوس والخيال وسط محاولاتهما للهروب من القيود العائلية، ومع ازدياد قوة العلاقة ورفض الأهل لها، تقرر الفتيات ارتكاب جريمة بشعة كي لا تفترقا.

يذكر أن جاكسون نجح من خلال السرد بالدمج بين الواقعية القاتمة والانغماس في مخيلة الطفلتين، مما منح الحبكة طابعا فانتازيا رغم كونها قصة جرت بالفعل.

كذلك تميز الفيلم باللغة البصرية المبتكرة، إذ لجأ مخرجه للمؤثرات البصرية في طور مبكر لإظهار العالم الداخلي للفتاتين، مازجا بين جماليات التصوير الطبيعي لريف نيوزيلندا والتناقض النفسي العنيف مما سمح لجعل الفيلم قطعة سينمائية فريدة تحفر في الذاكرة.

وقد أبرز الفيلم كيف يمكن للمراهقين أن يكونوا مصدرا لرعب مضاعف من جهة بسبب عفويتهم الظاهرية التي تجعل الجريمة أكثر صدمة، ومن جهة أخرى جراء الغموض الكامن في عوالمهم الداخلية التي لا يدركها الكبار.

من خلال هذه الأعمال، يتضح أن السينما لم تعد تكتفي بإظهار الرعب في صورته التقليدية، بل راحت تستكشف أعماق النفس البشرية حيث قد تنبثق بذور الشر منذ الطفولة.

إنها رسالة قاسية لكنها صادمة بصدق: البراءة ليست حصانة مطلقة ضد الظلام، بل قد تكون ستارا يخفي خلفه أعنف أشكال الشر.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق