تتهيأ مدينة تورنتو الكندية لاستقبال واحد من أكبر المهرجانات السينمائية في العالم وأكثرها تأثيرا في مسار الجوائز الكبرى، وهو مهرجان تورنتو السينمائي الدولي (TIFF)، الذي يُعقد في الفترة من 4 إلى 14 سبتمبر/أيلول المقبل. ويتضمن برنامج عروض الدورة الخمسين أكثر من 200 فيلم من 70 دولة، تتنوع بين أفلام روائية طويلة، وأفلام وثائقية، وأعمال قصيرة، إضافة إلى أقسام خاصة للأفلام الكلاسيكية المستعادة.
ويواصل المهرجان تقديم منصات لدعم المواهب الجديدة، من خلال برنامج "نجوم صاعدة"(TIFF Rising Stars)، الذي يسلط الضوء على الوجوه الصاعدة في التمثيل والإخراج. وتتميز الدورة المقبلة باحتفالات واستعدادات غير عادية باعتبارها توافق اليوبيل الذهبي أو مرور 50 عاما على تأسيس المهرجان. وجاءت اختيارات إدارة المهرجان لهذا العام لتكشف عن مزيج محسوب من الأعمال الضخمة الموجهة لموسم الأوسكار، والأصوات المستقلة التي تضيف إبداعا غير مألوف للفن السابع، مع حضور لافت للسينما الآسيوية والعربية.
يُفتتح المهرجان بفيلم وثائقي يلامس وجدان الجمهور الكندي، وهو "جون كاندي: أنا أعجبني" (John Candy: I Like Me)، إخراج كولين هانكس. ويحكي النجم والكوميديان الكندي الراحل جون كاندي خلال الفيلم وعبر الأرشيف قصته بنفسه تقريبا. ويعد اختيار الفيلم للافتتاح تحية لماضي السينما الكندية، ورسالة أن المهرجان في عيده الخمسين لم ينس جذوره. ويعرض في الختام فيلم "ذروة كل شئ" (Peak Everything) للمخرجة آن إموند، وهي من أبرز الأصوات النسائية في السينما الكندية المعاصرة. يزاوج الفيلم بين الدراما والرومانسية والنزعة التأملية في نهاية العالم، ويأتي بعد سلسلة من أعمالها التي حصدت جوائز في مهرجانات مثل لوكارنو وبرلين.
تاريخ من المقاومة الفلسطينية
تبرز المشاركة العربية في الدورة الخمسين للمهرجان من خلال أعمال فنية تحمل قضايا إنسانية وتاريخية عميقة، مع تركيز خاص على الأعمال الفلسطينية التي تقدم قصصا مؤثرة من قلب المنطقة.
إعلان
ويعرض فيلم "فلسطين 36" (Palestine 36): للمخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر ضمن برنامج "غالا" (Gala). تدور أحداث الفيلم في عام 1936، خلال فترة الثورة العربية ضد الحكم البريطاني في فلسطين، من خلال قصة إنسانية. الفيلم، الذي تم تصويره بالكامل في المنطقة، يتناول قضايا المقاومة والانتماء والهوية، مما يجعله من الأعمال المرتقبة التي تجمع بين الدراما التاريخية والبعد الإنساني. تُعد آن ماري جاسر من المخرجات الفلسطينيات المتميزات، وتُعرف بأفلامها التي تتناول الواقع الفلسطيني بأسلوب فني رفيع.
ويعرض فيلم "فلانة" (Flana) للمخرجة العراقية زهراء غندور، ضمن برنامج "TIFF Docs" المخصص للأفلام الوثائقية. يتناول الفيلم ظاهرة الاختفاء الغامض لنساء عراقيات، في عمل يحمل طابعا جريئا ويقدم صوتا نسائيا جريئا وجديدا في الإخراج. يُعرف عن زهراء غندور أنها صوت سينمائي صاعد، وهذا الفيلم يمثل أول عمل إخراجي لها، مما يجعله محطة هامة في مسيرتها الفنية.
ويشارك فيلم "شارع مالقة" للمغربية مريم التوزاني، ضمن العروض الخاصة، وتحضر من العراق أعمال "حلم جلجامش" لمحمد الدراجي، و"كعكة الرئيس" لحسن هادي، و"غير معرف" للسعودية هيفاء المنصور، و"صقور الجمهورية" للمصري السويدي طارق صالح.
سباق الأوسكار يبدأ من هنا
يعرف المهرجان الكندي منذ سنوات بكونه "بوابة الأوسكار"، وذلك لفوز العديد من الأفلام بجائزته الكبرى، ومن ثم فوزها بجوائز الأوسكار، وبينها أفلام" لا لاند"(La La Land) و"12 عاما من الاستعباد" (12 Years a Slave) و"خطبة الملك" (The King’s Speech)، ومن المتوقع ألا تخرج دورة 2025 عن القاعدة، إذ تضم لائحة العروض الخاصة وبرنامج أفلام "غالا" مجموعة متميزة من الأفلام العالمية.
وتحضر على الشاشة وبين ردهات الدورة المقبلة الممثلة الأميركية الحاصلة على الأوسكار أنجلينا جولي، لترافق العرض الأول لفيلمها "أزياء راقية"(Couture) للمخرجة الفرنسية أليس وينكر، وتجسد جولي دورا في الفيلم يجمع بين الأناقة والسياق السياسي.
أما النجم الكندي العالمي كيانو ريفز، أشهر أبطال سلسلة ماتريكس، فظهر مع فيلم "حظ سعيد" (Good Fortune) للمخرج عزيز أنصاري، ويجمع العمل بين الكوميديا والرومانسية التي تتسم بقدر من الفلسفة.
أما دانيال كريغ، نجم أفلام جيمس بوند السابق، فيعود إلى المهرجان ومعه الجزء الثالث من سلسلة الغموض والجريمة (Glass Onion) وهو فيلم "استيقظ أيها الميت: لغز السكاكين" (Wake Up Dead Man: A Knives Out Mystery) بعد النجاح الذي حققه بجزئيه السابقين سواء في شباك التذاكر، وترشيحات الجوائز الدولية. وتعود المخرجة كلوي تشاو، الفائزة بالأوسكار عن فيلم "نومادلاند" (Nomadland)، بفيلم جديد هو "هامنيت" (Hamnet)، المقتبس من رواية ماجي أوباريل الفائزة بجوائز أدبية، ويحمل العمل مزيجا من الدراما التاريخية والحس الإنساني الذي يميز تشاو. ويعود برنامج "كلاسيكيات" (Classics TIFF) بنسخة موسعة بدعم من منصات ومؤسسات ثقافية، ويعرض نسخا مرممة من أفلام شكلت محطات حاسمة في تاريخ السينما العالمية.
إعلان
ويكرم المهرجان هذا العام مجموعة من الشخصيات الفنية المؤثرة في حفل (TIFF Tribute Award)، الذي يقام في 7 سبتمبر/أيلول، تقديرا لمساهماتهم الكبيرة في صناعة السينما، والذي يرأسه الممثل الكندي براندون فريزر، كلا من المخرج المكسيكي غييرمو ديل تورو، ويحصل على جائزة "جائزة إيبرت للإخراج" (Ebert Director Award) تقديرا لإبداعاته الإخراجية التي جمعت بين الخيال والواقع.
ويتم، أيضا، تكريم الممثلة والمخرجة الأميركية جودي فوستر بحصولها على جائزة "شارك رحلتها الرائدة".
(Share Her Journey Ground Breaker Award) احتفاء بمسيرتها المهنية التي تحدت الحدود الفنية وميزت نفسها كقوة دافعة للمرأة في السينما. ومن بين المكرمين الكاتب والمخرج الياباني هيكاري، الذي سيحصل على جائزة "المواهب الناشئة" (Emerging Talent Award)، والممثل الكوري الجنوبي لي بيونغ هون، الذي حصل على جائزة "التكريم الخاصة" في المهرجان (Special Tribute Award).
نافذة على السينما العالمية
ويعود البرنامج الأشهر في المهرجان هذا العام وهو "في حوار مع" (In Conversation With)، ليستضيف خمسة من أبرز الأسماء في صناعة السينما: المخرج الكوري الجنوبي بارك تشان-ووك، والنجم الأميركي دواين جونسون، والنجم الكندي رايان رينولدز، والممثلة تيسا طومسون في لقاءات حول مسيرتهم وإبداعاتهم. كما يطلق برنامج "موجة جديدة" (TIFF Next Wave) فعالية مخصصة لجمهور تحت الـ25 عاما، بحضور نجمي فيلم" المشروع واي" (Project Y) الكوري، هان سو-هي وجون جونغ-سيو، للحديث عن تجربتهما وأعمالهما في السينما.
وتشهد الدورة فعاليات خاصة أبرزها عودة حفل "إفطار التميز الأسود" للسنة الثالثة، احتفاء بالمبدعين السود عالميا، مع تسليط الضوء على الذكرى الثلاثين لبرنامج "كوكب أفريقيا". وتتضمن الحوارات الخاصة نقاشا لبارك تشان-ووك حول فيلمه الجديد "لا خيارات جديدة"(No Other Choice)، وحديثا لدواين جونسون عن فيلمه "آلة التدمير" (The Smashing Machine)، ولقاء مع رايان رينولدز حول فيلمه "جون كاندي: أنا أعجبني".
كانت إدارة المهرجان قد اتخذت قرارا يعد خطوة تُعزز من مكانته كمؤشر على ترشيحات الأوسكار، حيث تطلق في الدورة الجديدة جائزة اختيار الجمهور الدولية، التي تُمنح لأكثر الأفلام العالمية شعبية (غير الكندية وغير الأميركية) بناء على تصويت الجمهور طوال فترة المهرجان.
تُوسع هذه الجائزة الجديدة تقليد المهرجان في الاحتفاء بأعمال الجمهور المُفضّلة، والتي غالبا ما تسبق تصويتات الأوسكار. ويتجلى هذا بوضوح في العقد الأخير من جائزة اختيار الجمهور في مهرجان تورنتو السينمائي الدولي، حيث حصد الفائزون 20 ترشيحا مميزا لجوائز الأوسكار لأفضل فيلم.
0 تعليق