حماة- تعد مدينة حماة واحدة من أقدم المدن التاريخية في سوريا، حيث تحتضن مجموعة من المواقع الأثرية الهامة التي تعود إلى حضارات مختلفة، لكنها عانت تهميشاً ممنهجاً في عهد حكم أسرة الأسد منذ 1973، الذي غيّبها عن واجهة السياحة في سوريا، سواء الداخلية أم الوافدة، إذ عمد النظام البائد إلى طمس المعالم الأثرية في المدينة، وتركها مكبّا للنفايات.
مدينة حماة، أو كما يطلق عليها "مدينة أم النواعير" أو مدينة "أبي الفداء"، تمتاز بنهر العاصي الذي يعبر في وسطها، في ساحة العاصي، ويقسمها إلى نصفين "الحاضر والسوق"، يضم النهر 16 ناعورة خشبية كبيرة تتموضع في أماكن مختلفة على طول مجراه في المدينة، بين الأحياء والبساتين، أشهرها الناعورة المحمدية والأربع نواعير التي تقع إلى جانب بعضها بعضا.
بناء نواعير حماة بحسب أهالي المدينة، يعود إلى العهد الآرامي، في الألفية الأولى قبل الميلاد، وهي آلات مائية خشبية، تصنع من خشب الجوز والسنديان، أطرافها هي دفّات خشبية تدور بحسب جريان مياه نهر العاصي، وتنقل المياه بدورها من النهر إلى مسارب المياه الموجودة في أعلى كل ناعورة، ومنها إلى الأراضي الزراعية والمنازل والأحياء السكنية، في حين تنتشر عشرات الأراضي الزراعية إلى اليوم حول ضفاف النهر، مثل بساتين الشريعة وبساتين باب النهر.

إهمال نهر العاصي
تسنيم الشافعي، عشرينية من مدينة حماة تقول إن "نظام الأسد المخلوع عمد إلى تهميش المعالم الأثرية التي تشتهر بها حماة، ومن أهمها نهر العاصي الذي حوله إلى مصب للصرف الصحي من مدينتي حمص وحماة، وتحول من معلم سياحي يتوسط المدينة إلى بؤر ومستنقعات، ومنبعا للأمراض والحشرات والروائح الكريهة التي كانت تؤذي أهالي المدينة، وذلك لعدم تنظيف ضفافه لما يزيد عن 20 عاما".

وتضيف تسنيم للجزيرة نت "كذلك تعاني نواعير حماة من التآكل نتيجة للعوامل الجوية والإهمال، على الرغم من تصنيفها العالمي كأحد الآثار العريقة في العالم في 1999 في مواقع التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، إضافة إلى ذلك تم تهميش المعالم الثقافية والدينية مثل مسجد السلطان والمسجد الكبير في حماة، مما أدى إلى تجنب زيارتها من لدن السوريين والسياح".
إعلان
يُضاف إلى قائمة المعالم المهمشة إبان العهد البائد قلعة حماة الأثرية (قلعة أبي الفداء)، ومسجد النوري، وحي الطوافرة، والتي حوّل النظام المخلوع بعضها إلى ثكنات عسكرية وأمنية كبيرة منذ العام 2011.

إحياء المعالم الأثرية
محافظ حماة عبد الرحمن السهيان أطلق حملة "حماة تنبض من جديد"، قال في تصريح للجزيرة نت، إن الهدف من الحملة هو إعادة الروح لمحافظة حماة ككل، موضحا أنه كانت هناك "منهجية متعمدة كانت لطمس معالم محافظة حماة بسبب نقمة نظام الأسد المجرم على حماة، وذلك لما كانت عليه سابقا كوجهة سياحية أساسية في سوريا"، ويوضح السهيان أن منهجية الطمس تركزت على المعالم الأثرية والسياحية من خلال الإهمال وقتل كل المظاهر الحيوية فيها".
وحسب المحافظ فقد تم وضع أهداف إستراتيجية لحملة "حماة تنبض من جديد"، من خلال التركيز على المعالم العريقة التي تحمل تاريخا كبيرا مثل مسجد السلطان، الذي يعود تاريخه لأكثر من 700 عام، والذي أصبح في وضع متهالك.
كما تستهدف الحملة إعادة الاعتبار لنهر العاصي، والذي وصف المحافظ بأنه "رئة حماة والمتنفس الأساسي، وإذا تم إعادة الحياة والألق إليه سيكون منصة سياحية مهمة جداً، وهذا واجب علينا عبر تنظيف مجرى نهر العاصي، وإعادة ترميم المواقع الأثرية المحيطة به، وهذا يشجع على فتح فرص استثمارية جديدة، والسيّاح على ارتياد المحافظة كوجهة".
ترميم كبريات المدارس
في سياق مواز، يقول محافظ حماة عبد الرحمن السهيان، إن هناك خطة لترميم كبريات المدارس التي لها عراقة واسم بارز في حماة، وكذلك المساجد، ويضيف أنه تم توجيه مديريات الأوقاف والتربية في المدينة والأرياف لاختيار أبرز المدارس الموجودة في المحافظة لتكون نموذجا يُقتدى به في بقية المدارس، مثل مدرسة ابن رشد والسيدة عائشة، وكذلك في الأرياف المدمرة.
ويقول المهندس محمد عمار بني المرجة، وهو المدير التنفيذي لمؤسسة "رحمة بلا حدود"، إن مؤسسته بدأت حملة "مدينتنا أمانتنا" انطلاقا من مدينة حلب، واستمرت هذه الحملة وصولا إلى حماة بعد تقييم الاحتياج فيها، بالتنسيق مع محافظة حماة تم البدء بمشروع تنظيف مجرى نهر العاصي بشكل كامل، وأشار أن المدة المتوقعة للمشروع شهران من العمل".

تنظيف مجرى نهر العاصي
وعن تفاصيل وأهداف هذه الفعالية، تحدث عبد الحميد خالد، مسؤول قسم المياه والإصحاح في مؤسسة "رحمة بلا حدود" قائلا إن أشغال تنظيف مجرى النهر أطلقت بالتعاون مع حملة "حماة تنبض من جديد"، بهدف استعادة نظافة مياه النهر الذي يعد من أهم عوامل جذب الزوار.
إعلان
وأضاف المتحدث نفسه أن سيجري العمل على ترميم وصيانة عدّة نواعير في حماة، وصيانة أخشابها، بعد عودة جريان المياه النظيفة لنهر العاصي، وذلك بسبب ارتباط مدينة حماة بنواعيرها الشهيرة.

ويقول عبد الهادي الوضيحي وهو مهندس ديكور وأحد المشرفين على صيانة مسجد السلطان، إنها تجري عملية ترميم المسجد والذي يقع وسط أسواق حماة، وهو معلم له تاريخ عريق في حماة وسوريا عموما، وقد بني المسجد قبل سبعة قرون على يد السلطان الأفضل، وقد تعرض المسجد للهدم في عام 1964 عندما كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزيرا للدفاع، قبل أن يعاد بناء المسجد في العام 1968.
أماكن تستحق الزيارة
إلى جانب ما ذكر من معالم بارزة في مدينة حماة، توجد أماكن أخرى تستحق الزيارة سواء داخل المدينة أم في مناطق في أرياف حماة، ومنها:
قصر العظم: معلم أثري ذو معمار دمشقي، ويعود تاريخ القصر للقرن 18، ويضم متحفا. خان رستم باشا: سوق قديمة مغطاة، تباع فيها التحف والمشغولات التقليدية. جسور نهر العاصي: تتيح تجربة رائعة للمشي قرب النهر مرورا بجسوره القديمة المصنوعة من الخشب والحجارة. حدائق العاصي: متنزهات على ضفاف النهر، وهي مناسبة للعائلات وفرصة لالتقاط الصور التذكارية والتمتع بمنظر الغروب الساحر. تل النبي هود: موقع أثري قريب من حماة ويعتقد أنه يضم قبر النبي هود عليه السلام. الطبيعة والآثار في ريف حماة: قلعة مصياف القديمة ووادي العيون الذي يبعد مسافة ساعة ونصف الساعة عن حماة، وهو منطقة جبلية تضم شلالات وينابيع، كما يمكن للزائر الذهاب إلى مدينة آفاميا التاريخية التي تضم آثارا من العهدين الروماني والبيزنطي، وتبعد 55 كلم شمال غربي حماة، وتشرف على سهل الغاب.
0 تعليق