غزة - "الأناضول": على الأرجوحة الصغيرة في ساحة مدرسة "دار الأرقم"، كانت الطفلة غادة دبابش (6 سنوات) تحاول أن تنتزع من الحرب فسحة لعب، كأنها ترفض أن تُسرق منها طفولتها.
تضحك وتتمايل بخفة، ولم تكن تعلم أن تلك اللحظة البريئة ستكون آخر عهدها بكامل جسدها.
صاروخ إسرائيلي أنهى المشهد، وبتر يدها اليمنى بالكامل، اليد التي كانت تكتب بها، وتتناول طعامها، وتتشبث بها بأختها الكبرى، وتلوّح بها لأمها كل صباح.
وغادة، النازحة من حي الشجاعية شرق مدينة غزة، كانت ضمن عشرات الأطفال المقيمين في المدرسة، التي تحوّلت إلى ملجأ للنازحين وسط المدينة.
في المجزرة التي ارتكبتها إسرائيل مطلع نيسان الجاري، استشهد 31 مواطناً، وأُصيب أكثر من 100، كثير منهم أطفال مثل غادة.
وقال المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، إن النساء والأطفال تصدروا قائمة الضحايا منذ استئناف إسرائيل حربها على قطاع غزة في 18 آذار الماضي، مبيناً أن جيش الاحتلال قتل خلال تلك الفترة 595 طفلاً و308 سيدات.
وتجلس غادة اليوم، في زاوية من مدرسة أخرى أُعيد تهجيرها إليها، لا تبوح بالكثير، لكنها تحمل في نظراتها ما يفوق الكلام. تبتسم حين تُسأل، لكنها تسرح سريعاً في صمتها الطويل، كأنها تحادث شيئاً لا يُرى.
وقال والدها أحمد دبابش، بصوت مُتعب: "كانت تلعب على الأرجوحة في ساحة المدرسة، وتضحك. وفجأة سقط صاروخ.. أصيبت بشظية في يدها مباشرة، وكانت الإصابة بالغة جداً. أسعفتها بنفسي، ربطت يدها لأوقف النزيف، وركضنا إلى المستشفى. كنت أدرك أن يدها قد لا تُنقذ من شدة التهتك".
وأضاف: "دخلت غرفة العمليات.. حاول الطبيب، لكنه عاد ليخبرنا أن البتر لا مفر منه". وتابع: "وقّعت على العملية وقلبنا يتقطع، لكن هذه مشيئة الله ونحن مؤمنون. غادة كانت تستخدم يدها اليمنى في كل شيء: في الأكل، والكتابة، حتى دخول الحمّام. الآن نحاول أن نواسيها، وندربها على استخدام يدها اليسرى، لكنها تتعب كثيراً، حتى من الضحك".
وقالت الطفلة بصوت خافت ووجه شاحب: "أنا غادة دبابش.. عمري 6 سنين.. اليهود قطعوا إيدي وأنا نفسي بيد بدالها".
ولا تُعاني غادة من ألم الإصابة فقط، بل من تداعياتها اليومية، فلا تستطيع اللعب كما كانت، ولا استخدام الحمّام دون مساعدة، ولا الكتابة التي كانت تحبها.
وتدخل شقيقتها الكبرى ملك (8 سنوات)، على خط الألم بصوت طفولي ممتزج بالحسرة: "كنت أحمل أخي الصغير عندما حدث القصف فجأة.. امتلأ المكان بالدخان ولم أرَ شيئاً.. كنت أتمنى أن ينتهي الدخان سريعاً فقط لأعود لأمي".
ثم تستدرك بصوت مثقل بالمسؤولية: "أتمنى أن تحظى غادة بطرف صناعي حتى تستطيع الكتابة واللعب مثلنا (..) هي لا تستطيع دخول الحمّام وحدها وأنا دائماً أكون معها بوقف معها وأتمنى أن أراها تضحك من قلبها".
وتختم همساً، وهي تقبّل يد أختها المبتورة: "أجمل هدية لأختي هي الطرف الصناعي.. حتى تعود لحياتها الماضية".
أخبار متعلقة :