كتب محمد الجمل:
يتصاعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بشكل يومي، بينما يعيش المواطنون في مدينة غزة ظروفاً إنسانية قاسية، مع تصاعد القصف، وحدوث نزوح جماعي من مناطق شرق وجنوب المدينة باتجاه غربها.
"الأيام" واصلت رصد مشاهد جديدة من العدوان، منها مشهد يوثق التدمير المتسارع جنوب مدينة غزة، ومشهد آخر يرصد النزوح الواسع داخل المدينة، ومشهد ثالث تحت عنوان "الخيام أفران في النهار".
تدمير متسارع جنوب مدينة غزة
شهدت عدة أحياء في مدينة غزة غارات جوية مكثفة، تخللتها عمليات تدمير واسعة، خاصة في حيَّي الزيتون والصبرة، إضافة إلى أحياء الشجاعية، والتفاح، والتركمان شرق المدينة.
وتركزت الغارات المذكورة على استهداف العمارات والبنايات المرتفعة، وهي خطوة عادة ما تسبق الاجتياح البري، حيث تخشى قوات الاحتلال من تلك البنايات، التي قد تستخدمها المقاومة في عملياتها ضد الآليات العسكرية.
كما بدأت قوات الاحتلال عملية عسكرية واسعة استهدفت حي الزيتون، حيث اجتاحت عشرات الآليات المدرعة الحي.
ووفقاً لمصادر محلية وشهود عيان، فإنه خلال الأسبوع الماضي دمر جيش الاحتلال عدداً كبيراً من المباني والمنازل في حيّي الزيتون والصبرة جنوب مدينة غزة، انطلاقاً من منطقة أرض "البرعصي خلف الصالات" وصولاً إلى محيط "مسجدَي حسن البنا وعلي بن أبي طالب"، و"منطقة المصلبة"، وأن رقعة التدمير تتسع وتمتد يوماً بعد يوم.
كما تقدمت آليات عسكرية مدرعة إلى المنطقة، ترافقها جرافات وحفارات كبيرة، وشاركت هي الأخرى في عمليات التدمير والحفر، حيث نفذت حفارات أعمال حفر وتجريف في المنطقة بشكل واسع النطاق، وتزامناً مع ذلك يتم تسيير "روبوتات" مفخخة وتفجيرها بين منازل المواطنين في بعض الشوارع والمناطق المليئة بالمباني في حي الزيتون، حيث يتسبب تفجير تلك "الروبوتات" بدمار واسع، إضافة إلى سماع دوي انفجارات ضخمة، يُسمع صداها في جميع أنحاء المدينة.
ولم يقتصر القصف من الطائرات على منازل خالية، إذ جرى استهداف منازل مأهولة بالسكان، ما تسبب بارتكاب عدد من المجازر، راح ضحيتها عشرات الشهداء، معظمهم لا يزالون تحت الأنقاض، بسبب تعذر وصول فرق الإنقاذ إلى تلك المناطق، التي تصنف على أنها خطيرة.
وذكر مواطنون في مدينة غزة أن الاحتلال ينفذ عملية تدمير ممنهجة للمباني والعمارات في جنوب المدينة، خاصة حيّي الزيتون والصبرة، ويبدو أن هذين الحيَّين سيشهدان بداية العملية البرية المرتقبة.
ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية عن مصادر سياسية وعسكرية إسرائيلية قولها: إن الألوية النظامية في جيش الاحتلال تلقت، الخميس الماضي، تعليمات للاستعداد لإمكانية إجراء مناورة برية جديدة في قطاع غزة.
وقالت الصحيفة: "إضافة إلى الألوية النظامية، تلقت ألوية الاحتياط أيضاً، ولأول مرة خلال الـ48 ساعة الماضية، أمراً بالاستعداد للاستدعاء في أيلول المقبل".
ووفق الصحيفة ذاتها، فإن 4 فرق عسكرية ستشارك في محاصرة مدينة غزة وبدء التقدم نحو مناطقها الغربية، مثل أحياء الرمال، والصبرة، والشيخ عجلين، وهي مناطق فيها أبراج شاهقة.
موجات نزوح في غزة
شهد اليومان الماضيان موجات نزوح واسعة من مناطق شرق وجنوب مدينة غزة باتجاه غرب المحافظة، بعد تعرض تلك المناطق لقصف جوي ومدفعي مكثف، واستهداف متواصل للأبنية في مناطق واسعة بحيَّي الزيتون والصبرة، خاصة مع بدء عملية عسكرية في حي الزيتون.
وقالت مصادر محلية: إن موجات القصف العنيف، وتفجير "الروبوتات" المفخخة، وتقدم الدبابات تسببت بنزوح جماعي، حيث توجه غالبية المواطنين باتجاه الغرب، وتجمعوا في منطقة الميناء، ومحيط "أنصار"، وحي الشيخ رضوان، وغالبية العائلات لا تجد مكاناً تقيم فيه، وليس لديها خيام.
وأشار المواطن سمير عاشور، الذي يقيم في مواصي خان يونس، جنوب القطاع، إلى أنه يتابع مع شقيقه الذي يقيم جنوب مدينة غزة ما يحدث، وقد نزح وعائلته بسبب القصف باتجاه ميناء غزة، ويرفض حتى الآن النزوح جنوب القطاع، رغم تزايد الحديث عن قرب تنفيذ العملية العسكرية في المدينة.
وبيّن عاشور أن شقيقه أخبره بأن الوضع في أحياء جنوب مدينة غزة لا يطاق، وأن حيَّي الزيتون والصبرة على وجه التحديد، يتعرضان لقصف جوي على مدار الساعة، وأن المواطنين فروا من بيوتهم غرباً، لكن السواد الأعظم من سكان مدينة غزة ما زالوا يرفضون فكرة النزوح باتجاه جنوب القطاع.
بينما ذكر مواطنون من سكان مدينة غزة أنهم يستعدون للأسوأ، ولا يعرفون كيف سيتصرفون، وأنهم بانتظار تطورات الأمور، إذ قال المواطن خالد سميح: إنه لا يفكّر بالنزوح جنوباً في المرحلة الحالية، فلا يوجد مكان يمكن التوجه إليه، والمواصي ومنطقة وسط قطاع غزة، التي يقطنها 1.3 مليون مواطن، لا يمكن أن تستوعب مليون شخص إضافي.
وأكد أنه رغم خوفه على أفراد عائلته، إلا أنهم يصرون على عدم النزوح، ويطلبون منه البقاء في المدينة مهما كانت النتائج.
وما زالت تتوالى الشهادات الحية، وكذلك صور الأقمار الصناعية، التي تؤكد جميعها تزايد الحشود العسكرية حول مدينة غزة، خاصة من الناحيتين الجنوبية والشرقية، حيث دفعت قوات الاحتلال بعشرات الجرافات المصفحة، ومئات الآليات العسكرية، التي بدأت تأخذ أشكالاً قتالية استعداداً، على ما يبدو، للتحرك البري.
وحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت"، تعتمد خطة اجتياح مدينة غزة في البداية على محاولات إسرائيل إجلاء نحو مليون مواطن من المدينة وضواحيها إلى الجنوب، رغم الصعوبات المتوقعة في القيام بذلك، مع احتمالية الاعتماد على الأمم المتحدة كمتعاون مع العملية الإنسانية الكبرى، دون تأكيدات بذلك من الأمم المتحدة.
الخيام أفران في النهار
لم يعد النازحون يطيقون البقاء في خيامهم خلال ساعات النهار، بسبب الارتفاع الكبير في درجات الحارة، لا سيما منذ منتصف الأسبوع الماضي، حيث ضربت المنطقة موجة حر شديد.
وتتحول الخيام المكسوة بالنايلون، والشوادر، وقطع من القماش، إلى ما يشبه الأفران خلال ساعات النهار، ما يُصعّب البقاء فيها.
وقال المواطن محمود عوض الذي يعيش في خيمة بمواصي خان يونس: إنه اعتاد على جو الخيمة، والحرارة المرتفعة، لكن منذ بداية آب الحالي بات الطقس حاراً جداً، وأكبر من قدرته وعائلته على التحمل، خاصة في الفترة الواقعة بين 9 صباحاً وحتى 5 عصراً، فهذه الساعات تكون درجات الحرارة فيها شديدة، ويكون الحر قاسياً.
وبيّن أن أبناءه أصيبوا بطفح جلدي انتشر في جميع أنحاء أجسامهم، شخصه أحد الأطباء بأنه ناتج عن الحرارة الشديدة، والماء يصبح في الخيمة ساخناً، ولا توجد أي وسائل تبريد، لذلك يفر من خيمته باتجاه شاطئ البحر كل يوم، ويقضي هناك عدة ساعات، ويسبح أبناؤه في البحر، ويبقون هناك حتى تخف وطأة الحر، ليعودوا إلى خيمتهم.
وأشار إلى أنه يتمنى أن ينتهي الصيف بأسرع وقت، وتتراجع درجات الحرارة، رغم أنه يدرك أن معاناة الشتاء والأمطار والرياح، ربما لا تكون أقل صعوبة من الصيف، فالنازحون في الصيف يعانون، وفي الشتاء يعانون.
بينما قال المواطن عبد الله النجار: إنه اشترى عدداً من الدعامات الخشبية، و"شادراً" كبيراً، لتجهيز "عريشة" بجانب خيمته، على أن يجعلها مفتوحة من مختلف الجهات، حتى يتدفق تيار الهواء إلى داخلها، بحيث يقضون ساعات النهار فيها، فهي أفضل من الخيمة المغلقة من جميع الجهات، وهي بمثابة حل جيد، لكن إقامة مثلها يحتاج إلى مساحة، وتكلفة مالية لا تقل على 2000 شيكل.
ولفت إلى أنه اشترى مروحة صغيرة، وأن جاره الذي يمتلك نظام طاقة شمسية أوصل الكهرباء لخيمته، حيث يقوم بتشغيلها عدة ساعات في النهار، ما يخفف من وطأة الحر بعض الشيء.
وأوضح أنهم يواصلون ترطيب رؤوسهم وأطرافهم بالماء، ويشربون ما استطاعوا من الماء العذب، لتجنب الجفاف من شدة التعرق، كما يمنع أطفاله من مغادرة الخيمة، أو التعرض لأشعة الشمس طوال فترة النهار، مؤكداً أن النازحين في الخيام يعيشون أسوأ وضع بسبب الحر الشديد.
أخبار متعلقة :