سيتيو بوديانتورو *
يشهد النظام العالمي، الذي أعاد تعريف الازدهار والتقدم، وكان راسخاً في المؤسسات والقيم الغربية التي شكلتها الولايات المتحدة إلى حد كبير، انهياراً واضحاً أنهى على ما يبدو عصر القطب الواحد، الذي وضعت فيه أمريكا قواعد لبقية العالم، وأسس لمجموعة جديدة من القوى، بقيادة آسيا.
مع ذلك، وفي خضم هذا التحول في الجاذبية الاقتصادية والسياسية، لا تزال الأطر التي تُوجّه أهداف «التنمية المستدامة» متجذرة بقوة في النظرة العالمية للنظام القديم.
ولا تزال المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة، وآليات تمويل المناخ تعكس افتراضات «الشمال العالمي»، افتراضات تكنوقراطية ثقيلة بالمقاييس، وغالباً ما تكون منفصلة عن الواقع المعيشي للجنوب. وهذه هي مفارقة عصرنا، أن آسيا تنهض، والنماذج لا تتغير.
في جميع أنحاء المنطقة، تتسابق الحكومات والشركات لمواكبة معايير الاستدامة العالمية. وتصدير السندات الخضراء، وتتبع نتائج المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة، ودمج أهداف التنمية المستدامة في الخطط الوطنية.
على الورق، تبدو آسيا نموذجاً يُحتذى في هذا الصدد، لكن الواقع يكشف نمطاً مغايراً ومُقلقاً، فقد أصبحت الاستدامة مجرد أداء، تُركز على الإشارة إلى التوافق أكثر من السعي إلى التحول الفعلي.
وتتعامل الكثير من الدول مع أهداف التنمية المستدامة والحوكمة البيئية والاجتماعية كقوائم تحقّق للامتثال، وليس بوصفها مسارات سياقية للتغيير. والنتيجة هي موجة من التضليل، واستعمار كربوني مُقنّع بزي «تحول الطاقة»، وانتشار المشاريع التي تحمل صفة الاستدامة، لكنها تفشل في معالجة عدم المساواة، وتفاقم التدهور البيئي، وتآكل الثقافات المحلية. وهذا ليس فشلاً في الطموح، بل قصور في الخيال.
لا تزال أطر الاستدامة اليوم تحمل جوهر منطق «بريتون وودز»، الذي يركز على النمو، وتحكمه مؤسسات لا يُؤثّر فيها الجنوب العالمي تأثيراً حقيقياً. وحتى الأدوات ذات النوايا الحسنة، مثل تمويل المناخ، غالباً ما تأتي بقواعد تعكس شهية المستثمرين الغربيين للمخاطرة، لا أولويات المجتمعات المحلية.
وهنا لا بد من الإقرار بأنه نادراً ما يُعترف بالتنوع الموجود في قارة آسيا، بثقافتها الحضارية، وتقاليدها البيئية، وأساليب عيشها الجماعية، كمصدر للاستدامة. وبدلاً من ذلك، يتم تصوير المنطقة وكأنها حقل تجارب للنماذج الخارجية، مثل تجارة الكربون، والتصنيف البيئي، والتمويل المختلط.
نعم، قد تكون لهذه التجارب قيمة، ولكن عند فرضها دون تكيف، فإنها تُخاطر بأن تصبح أدوات جديدة للتبعية بدلاً من التحرر. وإذا استمرت آسيا في هذا المسار، فقد تنجح في الظهور بمظهر المستدام، لكنها ستفشل في بناء أنظمة مرنة وعادلة ومتجذرة في السياق المحلي.
ولتتحرر، تحتاج القارة الصفراء إلى استعادة روايتها، وإعادة تعريف معنى الاستدامة بشروطها الخاصة. ولا يتعلق الأمر برفض الأجندة العالمية، بل بإعادة تصورها من الداخل إلى الخارج. أي أن الاستدامة يجب أن تتجاوز مجرد مقاييس الكربون ونمو الناتج المحلي الإجمالي المُصوَّر باللون الأخضر.
لطالما وُجدت فكرة التوازن بين الإنسان والطبيعة، وبين الفرد والمجتمع، وبين المادي والروحي في العديد من الثقافات الآسيوية. وهذه ليست بقايا رومانسية، بل فلسفات حية يُمكن أن تُثري نموذجاً للتنمية أكثر ثراءً ورسوخاً.
صحيحٌ أن الأطر العالمية تعشق الأرقام، ولكن ليس كل ما هو مهم قابل للقياس، إذ لا يُمكن لنتائج الحوكمة البيئية والاجتماعية، وبيانات أهداف التنمية المستدامة أن تقيس قوة المجتمع أو مرونة الاقتصادات المحلية. يجب على آسيا أن تُعرِّف النجاح بمؤشراتها الخاصة، مؤشراتٌ تعكس الحياة، لا مجرد الامتثال.
ويتطلب تحويل الاستدامة من إطار مُستعار إلى حركة ذاتية المنشأ مؤسسات شجاعة، ويجب على الحكومات والجامعات والمجتمع المدني والشركات أن تُجازف، من خلال تجربة نماذج بديلة، ومناقشة المعايير المستوردة، وتأكيد شرعية الابتكارات المحلية. ولم يعد السؤال المطروح هو ما إذا كانت آسيا قادرة على تلبية المعايير العالمية للاستدامة، السؤال الحقيقي هو ما إذا كان العالم مستعداً لتلبية معايير آسيا. في هذا العالم المُمزق، لا تحتاج منطقتنا إلى أن تُصبح قوة مُهيمنة، أو إلى الفوز في سباق الاستدامة، بل تقديم ما هو أجدى بكثير: بوصلة جديدة تُركز على الكرامة والعلاقات والتجديد، بدلاً من السيطرة والاستخراج والترويج للعلامات التجارية الخضراء التجميلية.
وبذور هذا النموذج موجودة بالفعل. من غابات «أدات» في إندونيسيا، إلى الروحانية البيئية في بوتان، ومن الزراعة التعاونية في فيتنام إلى حوكمة الكوارث المحلية في الفلبين، فآسيا ليست جافة، إنها نبعٌ لبدائل حية موجودة أمام مرأى من الجميع.
وفي خضمّ هذا البحث عن أسس جديدة، لا يمكن للاستدامة أن تبقى أداة إداريةً للتمويل العالمي، عليها أن تصبح سؤالاً حضارياً: من يُحدد ما يستحق الاستدامة، ومعرفة من تهم، وما هو مستقبل من نحمي؟
إذا ظلت هذه الأسئلة دون إجابة، أو الأسوأ من ذلك، أن يجيب عليها فقط من هم في «دافوس» أو «وول ستريت»، فقد يُبنى حتى أكثر المستقبلات خضرة على نفس الاستثناءات القديمة. ولكن إذا تجرأت آسيا على التحدث من خلال جذورها، وليس نهضتها فحسب، فقد تُقدم ما يفتقر إليه العالم بشدة، وهو أن الاستدامة ليست شعارات، بل روحاً.
استراتيجي "نيكسس" في مؤسسة "براكارسا" البحثية وعضو اللجنة الاستشارية لمنظمة "التمويل العادل في آسيا" "آسيا تايمز"
0 تعليق