منير حجازي*
تدرك دولة الإمارات حقاً الإمكانات الهائلة والمسؤوليات الكبيرة، التي تنطوي عليها تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الثورية في إعادة تشكيل الخدمات الحكومية والاقتصادي بشكل عام.
إن الذكاء الاصطناعي لا يحلّ محل الإمكانات البشرية، بل يدعمها ويُعززها، ومن هنا فإن دولة الإمارات تقوم بتعريف معنى الريادة في الاقتصاد العالمي، ليس على صعيد هذه التكنولوجيا فحسب، بل من خلال الشراكة الفريدة بين الإبداع البشري وذكاء الآلة.
ونلحظ هنا كيف تدعم استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي 2031 الاستثمار في الموارد البشرية بقدر ما تدعم الاستثمار في الصناعة. وهي تمثّل بذلك دعوة للعمل: لبناء مستقبل يُسهم فيه الذكاء الاصطناعي في النمو الاقتصادي، ورفاهية المجتمع، وتعزيز التنافسية الدولية للبلاد.
وأرست الإمارات ووضع سياسات جريئة في التكامل السريع والمدروس للذكاء الاصطناعي في جميع أنحاء البلاد. واليوم، يؤتي هذا الالتزام القوي ثماره.
إن المبادرات التي تم الكشف عنها خلال أسبوع دبي للذكاء الاصطناعي 2025، تدمج الذكاء الاصطناعي التوليدي، ضمن البنية التحتية للمدن وخدمات المواطنين. ويعكس طموح أبوظبي في أن تُصبح أول حكومة مُعتمدة على الذكاء الاصطناعي في العالم، رغبة وطنية غير مسبوقة في التحول القائم على الذكاء الاصطناعي.
إن ما يميز دولة الإمارات في هذا السياق ليس فقط تطور تقنياتها، بل وضوح غايتها؛ إذ إنها لا ترى في الذكاء الاصطناعي بديلاً عن القيمة الإنسانية، بل قوة تعزيزية.
وتتجلى هذه الفلسفة بوضوح في برامج البكالوريوس التي تقدمها جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، والتي تهدف إلى تنشئة جيل من رواد الأعمال في مجال الذكاء الاصطناعي، ممن يجسدون الأخلاق والتعاطف ويتمتعون بأعلى درجات التميز. ويتمتع النهج الذي يُركّز على الإنسان في تحوّل الذكاء الاصطناعي بتأثير ملموس على قطاعات صناعية متعددة، وعلى جميع مستويات القوى العاملة.
ومن المهم أن نعلم أن التسارع الاقتصادي الحقيقي لا ينتج عن مراكز البيانات فحسب، بل إنه يتحقق عندما يحظى العاملون في الخطوط الأمامية، كمستشاري العملاء وممثلي خدمة المواطنين وأخصائي الدعم، بالدعم والتمكين الذي توفره رؤى الذكاء الاصطناعي، والمساعدون الافتراضيون، والتقنيات التنبئية، وبإشراف مؤسسات موثوقة وذات خبرة في مجال تحويل القوى العاملة على نطاق واسع، ودمج الذكاء الاصطناعي مع الإمكانات البشرية.
وفي بلدٍ يتحدث سكانه بأكثر من 300 لغة، وتتداخل فيه الثقافات بكل سلاسة، فإن الذكاء العاطفي لا يمثل مجرد مهارةٍ اختيارية يمكن الاستفادة منها أو تركها، بل ميزة تنافسية حقيقية. وسوف نتمكن من خلال تعزيز الذكاء العاطفي بالدقة، التي يتمتع بها وبقابليته للتوسع، من بناء جيل جديد من القوى العاملة، يوفر تجارب تنافسية عالمية المستوى دون أن يفقد لمسته الإنسانية.
وتمتد تأثيرات ذلك التوجه إلى ما هو أبعد من الحدود الوطنية للبلاد؛ حيث إن طموح دولة الإمارات لا يقتصر على التركيز على الداخل؛ إذ تعمل من خلال تطوير خدماتها المدعومة بالذكاء الاصطناعي، على ترسيخ مكانتها كمركز عالمي للتميز، فالحلول التي يتم اختبارها هنا في قطاعات الخدمات المصرفية والرعاية الصحية والخدمات العامة والتعليم والنفط والغاز وغيرها من القطاعات، تصل بشكل متزايد إلى الأسواق العالمية، وذلك بفضل مراكز خدمات متطورة تتخذ من دولة الإمارات مقراً لها.
إن بناء وتوسيع نطاق شراكات الذكاء الاصطناعي والبشر، والتي لا تتّسم بتطورها التكنولوجي فحسب، بل تعكس المشاعر أيضاً.
*الرئيس التنفيذي لمنطقة مجلس التعاون الخليجي في شركة «TP»
0 تعليق