من قلب أوروبا... كيف تُبنى الطمأنينة قبل الحج؟ - اخبار الكويت

0 تعليق ارسل طباعة
تم النشر في: 

14 مايو 2025, 4:10 مساءً

مع اقتراب موسم حج 1446هـ، بدأت تتشكّل ملامح مرحلة جديدة من التفاعل مع الحجاج القادمين من خارج المملكة. مرحلة لا تُقاس فقط بعدد التأشيرات أو بسلاسة الخدمات اللوجستية، بل بعمق ما يُبذل قبل أن تطأ أقدام الحجاج أرض الحرمين.

هناك الآن نضج متزايد في كيفية التهيئة النفسية والدينية والتنظيمية، بما يتماشى مع تركيبة الجاليات المسلمة المتنوعة، وتفاوت خلفياتهم الثقافية واللغوية والإجرائية.

في مدينة برمنغهام البريطانية مثلًا، حيث تتناغم الثقافات وتتداخل الجاليات المسلمة في النسيج البريطاني، أُقيمت مؤخرًا ورشة متكاملة ضمن سلسلة من الأنشطة التوعوية، استهدفت أكثر من 1200 حاج، ممن يستعدون لأداء مناسكهم ضمن برنامج السفر المباشر لهذا العام.

الورشة، التي نفذها فريق سعودي متخصص، جمعت بين الشرح الواقعي، والمحاكاة البصرية، والتواصل الشخصي مع الحجاج بلغة قريبة وموثوقة.

يصف عضو البرلمان البريطاني أيوب خان هذا النوع من الأنشطة بقوله:"هذه اللقاءات تلبي حاجة حقيقية عند الحجاج هنا. ليس الجميع يعرف التفاصيل، أو يتحدث العربية، أو نشأ في بيئة دينية. ما يحصل الآن يساعد الحاج على فهم الرحلة بشكل أوضح، وبطريقة تحترم خصوصيته وثقافته. وهذا مهم جدًا في بلد مثل بريطانيا، حيث تختلف الخلفيات والتجارب."

من جهته، يرى الأستاذ محمد خان، الرئيس التنفيذي لشركة "إثراء الخير" – إحدى شركات مجموعة "إثراء الضيافة القابضة" – أن هذه البرامج تعبّر عن تحوّل في مفهوم الترحيب بضيوف الرحمن، ويقول: "حين يصل صوت الحج إلى العواصم الأوروبية بهذا العمق والتنظيم، نكون أمام حالة مختلفة من التواصل الحضاري والديني، تدمج الفهم بالتجربة، والتهيئة بالرحمة." ويضيف: "الاستعداد للحج خارج السعودية يمر عبر تحديات مختلفة، ليس لأن الحجاج أقل التزامًا، بل لأن البيئة الثقافية والدينية المحيطة بمعظمهم لا تُغذي هذه التهيئة بشكل تلقائي."

أول شركة حج سعودية تفتح مكتبًا خارج المملكة

اللافت أن هذه الورش لم تُنظم دائمًا عبر مكاتب سياحية تقليدية، بل إن بعض النماذج الجديدة خرجت من قلب المؤسسات السعودية ذات الخبرة، التي بدأت تعي أهمية "الذهاب إلى الحاج" قبل أن يأتي.

"إثراء الخير"، إحدى شركات مجموعة "إثراء الضيافة" القابضة، كانت من بين أوائل الشركات السعودية التي اتخذت خطوة جريئة بفتح مكتب رسمي لها خارج المملكة، وتحديدًا في برمنغهام – لتكون أول شركة حج سعودية تقوم بذلك بهذا الحضور المهني خارج المملكة.

الأستاذ محمد خان، الرئيس التنفيذي للشركة وأحد المتحدثين في هذه الورشة، تحدث عن البُعد الإنساني لهذا الحراك قائلًا:"من يعيش في الغرب يحمل في ذهنه صورة روحانية للحج، لكن البعض قد يفتقر لأبسط المعلومات التنظيمية. دورنا أن نمزج بين الحُلم والتجهيز، وأن نجعل لحظة الوصول امتدادًا لطمأنينة بدأت منذ بلد الإقامة."

جهود الوزارة تُترجم ميدانيًا في الخارج

وزارة الحج والعمرة من جهتها، تواصل جهودها بتقديم أدوات تنظيمية ذكية، مثل بطاقة "نسك" الرقمية، التي تُعد واحدة من المبادرات التي تُسهّل الإجراءات، وتُمكّن الجهات من تقديم خدمات أسرع وأدق، خصوصًا في الظروف الطارئة أو للحجاج التائهين.

لكن يبقى السؤال: كيف تصل هذه الأدوات للحجاج بلغاتهم؟ من يشرحها؟ من "يُترجمها" إلى الواقع؟

يقول محمد خان، الرئيس التنفيذي لـ"إثراء الخير": "جهود وزارة الحج والعمرة في تطوير أدوات تنظيمية مثل بطاقة 'نسك' تُشكّل إطارًا شاملًا يرفع كفاءة التجربة، لكن فاعلية هذه المبادرات تتضاعف حين تصل للحجاج بلغتهم، وضمن واقعهم الثقافي. من هنا، نحرص على أن نكون أحد الأذرع الميدانية التي تُترجم هذه التوجيهات إلى تفاعل حي، ونعمل على أن تكون الإجابة واضحة، مطمئنة، وقابلة للتطبيق من لحظة تَشكُّل النية لدى الحاج، وليس فقط من لحظة السفر. التهيئة التي تبدأ مبكرًا تُعزز الطمأنينة وتُسهّل الالتزام، وهو ما نراه بأعيننا في الميدان."

ما يميّز هذه الجهود أنها تتجاوز الأشكال التقليدية للتوعية. فبدلًا من الاكتفاء بالكتيّبات أو المحاضرات، اعتمد البرنامج على سيناريوهات مصوّرة، ونقاشات حوارية مفتوحة، وإجابات فورية عن استفسارات المشاركين بلغاتهم الأصلية.

إحدى المشارِكات في الورشة عبّرت عن أثر التجربة بقولها: "لأول مرة أشعر أنني أفهم الرحلة كما هي على الأرض. كنت أشعر بالحيرة أمام كثرة التفاصيل، لكن الآن الصورة أوضح، والخطوات أصبحت مألوفة. أشعر بأنني أقرب للاستعداد الحقيقي. وبحول الله نلتقي في مكة."

ختامًا،

يبدو أن مشهد الحج بدأ يتغيّر بالفعل، ليس فقط عبر أنظمة التقنية والإدارة، بل من خلال العناية بالخيط الأول في الرحلة: الحاج حين لا يزال في بلده، يتهيأ... ويطمئن. وما خرج به الحجاج من هذه الورشة لم يكن مجرد إجابات عن أسئلتهم، بل شعور صادق بأن هناك من يفهمهم، ويهتم بتفاصيل رحلتهم منذ البداية. وهذا، كما وصفه أكثر من حاج، هو الفارق الحقيقي

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق