الثروة الحقيقية للأمم - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة
يعد اقتصاد أي دولة مؤشراً قوياً على تقدمها وازدهارها، والمفترض أن تنعكس مخرجات هذا الاقتصاد القوي على رفاهية شعبها ورخائه، وغالباً ما يعتمد اقتصاد الدول على الموارد الطبيعية، مثل النفط والغاز ومناجم الذهب وغيرها، التي تستثمرها الدولة في بناء اقتصادها، ولا تحظى الكثير من الدول بمثل هذه الموارد الطبيعية غير أنها قد تحظى بمزايا أخرى، كأن تتمتع بمقومات سياحية جذابة مما يسهم في استقبالها الملايين من السياح سنوياً.

أما الدول التي لا تحظى بمقومات سياحية أو ثروات طبيعية قد تحظى بنوع آخر من الموارد كأن تُصنَّف على أنها دولة صناعية، كاليابان مثلاً، التي تمثل لها الصناعة مورداً اقتصادياً مهماً، فاليابان ليست دولة نفطية كما أنها تقع في الجزء الأقصى من الكرة الأرضية مما يجعل معدل السياحة لديها منخفضاً، لكنها في المقابل تتمتع بازدهار صناعي لطالما حظي باهتمام العالم أجمع.

وفي المقابل هناك بعض الدول التي تمتلك ثروات طبيعية سخية كالذهب والألماس ولكن تحكمها أنظمة سياسية هشة أوقعتها أسيرة لسيطرة بعض الدول الغربية، كما هو الحال في بعض الدول الأفريقية، أو لتمزقها بفعل الحروب الأهلية وسيطرة أمراء الحرب على مقدراتها، كما أن بعضها تمتلك مساحات واسعة من الأراضي الصالحة للزراعة ومصادر المياه الثرية، وهو ما يغنيها عن استيراد المواد الغذائية بل يساعدها في تصديرها للدول الأخرى مقابل عائد مادي ضخم، غير أنها لا تستثمر فيها بسبب سوء إدارتها أو لتفشي الفساد فيها.

وهناك دول أخرى تحظى بموارد طبيعية متنوعة كالنفط وتحظى أيضاً بأراضٍ زراعية خصبة وموارد مياه عذبة ولكنها خضعت لأنظمة حكم مستبدة تسببت في ضياع جل ثرواتها، التي أهدرت خلال الحروب وضاعت في حوك المؤامرات، مما جعلها عرضة للعقوبات الدولية التي أجبرتها على دفع تعويضات للدول المتضررة كما حدث للعراق، بخلاف توفر نخبة من العلماء بها ممن تم تسخيرهم لتطوير الدولة عسكرياً، في الوقت الذي كان يمكن فيه الاستفادة منهم في تطوير قدرات البلد الصناعية، التي كان من الممكن أن تدر على العراق ثروات أعلى بكثير مما تدره الثروات النفطية.

والحال نفسه في ليبيا التي كانت تمتلك ثروة نفطية ضخمة جداً مقارنة بعدد السكان الذي لم يتجاوز خمسة ملايين نسمة، ولكن لسوء إدارة النظام الليبي السابق تبددت ثروة ليبيا وعانت من العقوبات الأممية، وبعد سقوط النظام افتقدت لفترة من الوقت مقومات الدولة فلم يعد فيها جيش مما تسبب في حدوث فراغ سياسي وأمني أدى إلى تدخل بعض الدول الأجنبية في شؤونها.

وأجدني دائماً تواقاً للمقارنة بين الأوضاع في المملكة العربية السعودية وبين ما سبق أن ذكرناه في السطور السابقة، فقيادات المملكة العربية السعودية على مدار تاريخها اتبعت منهج الاعتدال السياسي وحرصت على الحفاظ على مصالح الشعب، فقبل توحيد المملكة على يد المغفور له بإذن الله الملك عبد العزيز لم يكن عدد المرافق الصحية والتعليمية كثيراً، ولم تكن هناك جامعات ولا مستشفيات ولا حتى مدارس ثانوية بالعدد الذي يلبي طموح الشعب، كما أن النفط والثروات الطبيعية لم يكن قد تم اكتشافها بعد.

ويمكننا المقارنة بين ما كانت عليه المملكة قبل بضعة عقود وبين ما هي عليه الآن، والمقارنة أيضاً بين وضع المملكة السياسي والاقتصادي وبين الدول الأخرى، لنجد أن الفارق كبير جداً، فالثروة التي توفرت في المملكة ساهمت في تعزيز الإنفاق على رفاهية الشعب، والأمية تكاد تكون منعدمة تماماً، والدولة ذات المساحة الجغرافية الشاسعة غدت مترابطة بفضل شبكة المواصلات البرية والجوية.

من الملاحظ أن الرؤية التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ارتكزت على استثمار كل ما يمكن استثماره من مقدرات الدولة لتعزيز اقتصادها، وهو ما أوجزه التقرير السنوي لمنجزات رؤية 2030 الذي تم نشره قبل أيام، مشيراً لإنجازات عديدة أهمها الشراكات الصناعية مع الدول الغربية والتي ساهمت في توطين الكثير من الصناعات الغربية، واستثمار مقوماتها السياحية لتعزيز اقتصاد الدولة، إضافة إلى تمكين المرأة في الكثير من قطاعات الدولة والذي ساهم في تقليص حجم البطالة.

أضف إلى ذلك أنها اعتمدت على الاستفادة من الثروة الناتجة عن وفرة الموارد الطبيعية في تعزيز صندوق الاستثمارات العامة الذي يعد الذراع الاستثماري للدولة، وهو ما حقق لولي العهد رؤيته في عدم الاعتماد على النفط كمورد أساسي لنفقات الدولة، فأسعار النفط متذبذبة تخضع لقانون العرض والطلب العالمي، مما قد يجعل طموحات المواطن أسيرة لسعر النفط، كل ذلك يجعلنا نخلص إلى نتيجة حتمية لا تحتمل التأويل؛ وهي أن الثروة الحقيقية لأي دولة ليست فقط مواردها، بل تكمن في مدى تمتع الدولة بقيادة حكيمة تضع نصب عينيها طموحات شعبها، فالثروة بلا قائد حكيم ليس لها أي قيمة.

أخبار ذات صلة

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق