رام الله - "الأيام": خلص تقرير المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار) الإستراتيجي لسنة 2025، إلى أن إسرائيل تمكنت في العام 2024 من احتواء الصدمة التي أحدثتها هجمات 7 أكتوبر، واستعادة توازنها الإستراتيجي، بدعم أميركي غير مسبوق، وبإسناد من قوى دولية كبرى، ما أتاح لها الإمساك مجدداً بزمام المبادرة الميدانية، وانتهاج الإبادة لترميم ردعها، وتوجيه مسار الأحداث نحو محاولة حسم نهائي للقضية الفلسطينية.
وأضاف التقرير الذي أطلقه "مدار" خلال ندوة بمقره في رام الله، أمس: من ناحية أخرى، فقد تعمّقت عمليتان مضادتان تنطويان على تداعيات عكسية بعيدة المدى، الأولى خارجيّة تتمثل في تسارع عملية تحويل إسرائيل إلى "دولة منبوذة"، يرتبط اسمها عالمياً بالأبارتهايد والمكارثية الجديدة والصعود العالمي لتيارات الفاشية الجديدة، أما الثانية، فهي سيرورة داخلية، احتدم فيها الانقسام السياسي والمجتمعي بين التيارات والجماعات الإسرائيلية المختلفة، ودخلت فيه الجماعات المتنازعة ما يشبه حالة "حرب أهلية باردة"، مفتوحة على احتمالات المواجهة.
واعتبر التقرير أن عودة دونالد ترامب للحكم في الولايات المتحدة، بما يحيطه من بِطانة تمثّل أقصى اليمين والمحافظين الجدد والمسيحية الصهيونية، تشكّل متغيّراً إستراتيجيّاً ستكون له آثار عميقة على الديناميات الإسرائيلية الداخلية والمسألة الفلسطينية، إذ سيعزز وجوده من جرأة نتنياهو على تفكيك "الدولة العميقة"، المتماثلة مع إستراتيجية ترامب نفسه في الولايات المتحدة، ومن جهة أخرى فإن وجوده قد يشكل "فرصة ذهبية" للحكومة الإسرائيلية لـ"تصفية المسألة الفلسطينية" وتحويل المشاريع الأيديولوجية التي طرحها بتسلئيل سموتريتش في "خطة الحسم" من مشاريع نظرية إلى مشاريع قابلة للتحقيق.
"أثر الدومينو"
وركّز التقرير على ما سماه "أثر الدومينو" لهجوم 7 أكتوبر وإعادة تشكيل الخارطة الإقليمية"، حيث شنّت إسرائيل حرباً متعددة الجبهات، اتسمت بطابع استثنائي وغير مسبوق من حيث الكثافة والقوة والمدى الزمني، حيث امتدت العمليات الحربية لتشمل غزة ولبنان وسورية وإيران واليمن، وذلك بالتزامن مع التصعيد العسكري المستمر في الضفة الغربية، وتكثيف سياسات المراقبة والعقاب الجماعي ضد فلسطينيي الداخل، ما تمخض عن تدمير غزة ومن ثم إضعاف "حزب الله" بشكل إستراتيجي، وانتهاءً بتفكيك محور المقاومة المدعوم من إيران.
على صعيد الحرب الإبادية على غزة، يعتبر التقرير أن هذه الحرب هدفت إلى تحقيق هدفين، أولاً: تحويل غزة لوسيلة إيضاح ردعية للإقليم عامة والدول والمنظمات التي تعتبرها معادية خاصة، وثانياً: تحويلها أداةً لتحقيق "الحسم النهائي" لما تسميه "مشكلة غزة"، عبر تحويل القطاع إلى منطقة غير قابلة للحياة، بهدف دفع السكان نحو الهجرة القسرية الجماعية.
على الصعيد اللبناني، يحلل التقرير تبعات المعركة مع "حزب الله" ومآلات جبهة الإسناد المضبوطة لغزة، وما أفضت إليه الهجمات الإسرائيلية من مسّ بآلاف المقاتلين بتفجير أجهزة "البيجر" وأجهزة الاستدعاء واغتيال قيادات الحزب وأمينه العام الأسبق حسن نصر الله، من فك ارتباط بين الجبهتين الشمالية والجنوبية، وإلحاق أضرار إستراتيجية بالحزب عمّقها التغيّر في سورية.
تحولات جيو- إقليمية
وركّز التقرير على مجموعة من التحوّلات الإستراتيجية الجذرية للمشهد الجيو- إقليمي، نظراً لاحتمال تأثيرها العميق على التوازنات الجيو- إستراتيجية الإقليمية المستقبلية وعلى مكانة إسرائيل ودورها، معتبراً أنها تحولات لا تزال في حالة دينامية متغيّرة، ترتبط بضبابية وسيولة المشهد السوري، وفرص عودة الصراع للانتظام كصراع عربي - إسرائيلي في ظل تآكل العلاقات بين إسرائيل ومصر والأردن، والدور السعودي الصاعد.
ويرى التقرير أنه من المبكر إصدار حكم نهائي بشأن اتجاه التطوّرات الميدانية والسياسية في سورية، في ظل هشاشة النظام الجديد، ومخاطر الانزلاق نحو حرب أهلية جديدة. كما لم يتضح بعد شكل التحالفات المستقبلية الناتجة عن هذا التحّول، وإذا ما كان سيؤدي مثلاً إلى ظهور محور تركي - سنّي جديد يحل محلّ المحور الإيراني المتراجِع، مع ما يحمله ذلك من تداعيات محتملة على الصراعات الإقليمية وعلى تصعيد محتمل تركي - إسرائيلي تكون سورية ساحته.
عودة ترامب
ويُفرد التقرير مساحة لقراءة عودة دونالد ترامب إلى الحكم في الولايات المتحدة، بالتزامن مع وجود حكومة اليمين الإسرائيلي برئاسة بنيامين نتنياهو.
ويتوقع التقرير أن تبذل تيارات اليمين الاستيطاني الإسرائيلي بوجود ترامب جهوداً مضاعفة لضمان استمرار حكومة نتنياهو حتى نهاية ولايتها في أواخر العام 2026، واستغلال "الشُّباك الزمني" المحدود المتاح لحكومة نتنياهو من أجل تصفية القضية الفلسطينية من خلال عدة أذرع: الحرب بغرض التهجير، وإعادة تشكيل خارطة الضفة وقضم دور السلطة الفلسطينية، وانتقال إسرائيل لضم الأراضي الفلسطيني من "الأمر الواقع" إلى "القانون".
0 تعليق