28 أبريل 2025, 11:35 صباحاً
أطلق اقتصاديون عالميون، شملهم استطلاع أجرته "رويترز"، وشمل قرابة 50 اقتصاداً، تحذيراً قوياً وغير مسبوق: الاقتصاد العالمي يواجه خطراً مرتفعاً للانزلاق نحو الركود هذا العام، وهذا المشهد القاتم يمثل تحولاً دراماتيكياً عن التوقعات المتفائلة التي سادت قبل ثلاثة أشهر فقط، والجاني الرئيسي الذي حدده المحللون لهذه الأزمة المتصاعدة هو موجة التعريفات الجمركية التي أطلقتها الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس دونالد ترامب، والتي يتفق الخبراء على أنها ألحقت أضراراً بالغة بثقة مجتمع الأعمال عبر الأسواق الدولية، وهذه الصدمة السياسية تهدد الآن بعرقلة مسارات النمو العالمية.
وتشير التوقعات الأخيرة إلى خفض حاد في معدل النمو العالمي لعام 2025، حيث تم تعديل المتوسط المتوقع من 3.0% في استطلاع يناير إلى 2.7%، ورغم أن توقعات مؤسسات أخرى مثل صندوق النقد الدولي قد تكون أعلى قليلاً عند 2.8%، إلا أن الاتجاه العام يظل هبوطياً بشكل واضح.
صدمة الثقة
وعلى الرغم من أن إدارة ترامب علقت بعضاً من أثقل التعريفات المفروضة على معظم الشركاء التجاريين لبضعة أشهر، فإن الرسوم الشاملة بنسبة 10% لا تزال قائمة، بالإضافة إلى التعريفة البالغة 145% المفروضة على الصين، التي تعد أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة. هذه الضبابية وعدم اليقين حول مسار السياسة التجارية الأمريكية تجعل التخطيط المستقبلي أمرًا شبه مستحيل بالنسبة للشركات متعددة الجنسيات.
ويؤكد خبراء الاقتصاد أن الشركات تجد صعوبة بالغة في التخطيط حتى لأشهر قليلة قادمة، ناهيك عن التخطيط لسنوات قادمة، في ظل عدم معرفة ما قد تحمله سياسات التعريفات المتبادلة. دفعت هذه الشكوك المتزايدة والرسوم الجمركية المرتفعة العديد من الشركات العالمية إما إلى سحب توقعات إيراداتها السابقة أو تخفيضها بشكل كبير.
تأثير سلبي
وكشف الاستطلاع عن إجماع غير عادي بين الاقتصاديين؛ إذ لم يذكر أي من المشاركين البالغ عددهم أكثر من 300 أن التعريفات كان لها تأثير إيجابي على معنويات الأعمال. الأغلبية الساحقة، بنسبة 92%، صنفت التأثير بأنه "سلبي"، بينما اعتبره 8% فقط "محايدًا"، وكان هؤلاء بشكل رئيسي من اقتصادات ناشئة مثل الهند.
ولم يقتصر تأثير التعريفات على التوقعات العالمية ككل، بل امتد ليطال الاقتصادات الفردية أيضاً. فقد تم خفض متوسط توقعات النمو لـ 28 من أصل 48 اقتصادًا شملها الاستطلاع، مما يعكس انتشار التأثير السلبي للسياسات التجارية. ومع ذلك، ظلت التوقعات دون تغيير لـ 10 اقتصادات، بينما شهدت 10 اقتصادات أخرى، بما في ذلك الأرجنتين وإسبانيا، ترقية طفيفة في توقعاتها، غالباً بناءً على تطورات داخلية خاصة بها.
خطر الركود
وعلى الرغم من ثبات توقعات النمو للصين وروسيا عند 4.5% و1.7% على التوالي، متجاوزتين بذلك الولايات المتحدة في هذا المسح، فإن بعض أكبر التخفيضات في التوقعات سجلت في المكسيك وكندا، حيث انخفضت توقعاتهما إلى 0.2% و1.2% على التوالي، وجاءت معظم هذه المراجعات الهبوطية في الشهر الأخير.
والانقسام في التوقعات لعام 2026 كان مشابهًا إلى حد كبير، مما يشير إلى أن الاتجاه الهبوطي في توقعات النمو، الذي بدأ مع فرض ترامب للتعريفات، عميق الجذور وليس من السهل إصلاحه. وعند سؤالهم بشكل مباشر عن خطر الركود العالمي هذا العام، اعتبر 60% من الاقتصاديين الذين أجابوا على هذا السؤال (101 من أصل 167) أن الخطر "مرتفع" أو "مرتفع جداً"، بينما رأى 66 فقط أنه "منخفض"، بينهم أربعة وصفوه بأنه "منخفض جداً".
تحدي التضخم
وبالإضافة إلى عرقلة النمو، يُنظر إلى التعريفات على أنها عامل تضخمي، وهذا يهدد بتقويض التقدم الذي أحرزته البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم على مدى العامين الماضيين في كبح جماح أسوأ موجة تضخم عالمية منذ عقود من خلال رفع أسعار الفائدة، ويتفق الاقتصاديون على أن قطع العلاقات التجارية مع الشركاء الرئيسيين سيؤدي إلى "أمور جامحة وغير سارة للأسعار"، مما سيكون له آثار سلبية على الدخل الحقيقي وفي النهاية على الطلب الكلي.
ويخشى بعض المحللين من أن هذه التطورات ترفع احتمالية الدخول في بيئة "ركود تضخمي"، وهي حالة تتميز عادة بفترة ممتدة من النمو الصفري أو المنخفض، مقترنة بالتضخم المرتفع وارتفاع معدلات البطالة، ويعزز هذا القلق توقعات بعدم تمكن أكثر من 65% من البنوك المركزية الرئيسية (19 من أصل 29 شملهم الاستطلاع) من تحقيق أهداف التضخم الخاصة بها هذا العام، مع انخفاض طفيف في هذا العدد للعام المقبل، فهل سيتمكن الاقتصاد العالمي من تجاوز هذه العاصفة التجارية دون الانزلاق إلى الهاوية؟
0 تعليق