سلاح الصين السري - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

تشنغشين تشانغ *

تُشبه الرسوم الجمركية المتبادلة التي فرضتها أمريكا هجوماً عشوائياً، لا يطال الدول الصناعية كالصين واليابان فحسب، بل الاقتصادات الزراعية الكبرى أيضاً مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية ولاوس.
ومع تطور الوضع، يبدو أن زيادات إدارة ترامب المتكررة للرسوم الجمركية أقرب إلى التنفيس العاطفي منها إلى الحسابات العقلانية. ومع ذلك، يجب على الصين التفكير في اتخاذ تدابير مضادة أكثر فاعلية، وألّا تكتفي بالاعتماد على رفع الرسوم المتبادلة على السلع الأمريكية فقط، الذي لا يُعدّ حلاً استباقياً، وأن تتبنّى نهجاً أكثر استراتيجية بهدف محدد، وهو اشتراط تسوية التجارة الثنائية بالرنمينبي (اليوان).
سيؤدي هذا إلى تعزيز سعر صرف العملة والطلب عليها بشكل كبير تتحدى من خلاله بكين هيمنة الدولار الأمريكي، بالنظر إلى قدرات البلاد التصنيعية القوية التي تُمكّنها من إنتاج سلع فعالة من حيث التكلفة بشكل تنافسي. الأمر الذي يدعم حجمَ تجارةٍ كبيراً مع الولايات المتحدة بمئات المليارات من الدولارات، ويجبر واشنطن على شراء العملة الصينية على نطاق واسع.
ونظراً لتأثير سياسة ترامب الجمركية المحتملة في الاقتصاد العالمي، سيتعين على رأس المال الدولي إعادة تقييم مخاطر العمل في الولايات المتحدة، وطمأنة المستثمرين العالميين المترددين بأن أساسيات الاقتصاد الصيني قوية بسبب الارتفاع السريع في قيمة الرنمينبي، وتشجيعهم على زيادة حيازاتهم من أصول اليوان. وقد يؤدي هذا إلى زيادة تدفقات رأس المال من وإلى الصين.
علاوة على ذلك، سيعمل ارتفاع قيمة اليوان إلى زيادة تكلفة الواردات الأمريكية، ما سيُضعف القوة الشرائية النسبية للدولار، ويُفاقم الضغوط التضخمية في الولايات المتحدة. وستواجه الشركات والمستهلكون الأمريكيون تقلبات إضافية في أسعار الصرف وتكاليف معاملات إضافية.
في المقابل، إذا اقتصرت الصين على مُطابقة معدلات التعريفات الجمركية الأمريكية، يُمكن للشركات الأمريكية تخفيف تكاليف الواردات من خلال تعديل سلاسل التوريد، والانتقال إلى جنوب شرق آسيا أو الهند أو المكسيك. ومع ذلك، فإن ضعف القوة الشرائية الأمريكية بسبب مشتريات الرنمينبي سيجعل من الصعب التحايل على ذلك من خلال تعديلات مصدر الواردات.
نظرياً، قد يُعيق ارتفاع قيمة اليوان الصادرات، ولكن يجب تقييم هذا التأثير ديناميكياً في سياق التحديثات الصناعية الصينية. حيث تُمثل المنتجات عالية التقنية حالياً نحو 27% من إجمالي صادرات الصين، وهي حصة أعلى من مثيلاتها في الولايات المتحدة أو اليابان أو ألمانيا.
في غضون ذلك، تحتل الصين المرتبة الحادية عشرة في مؤشر الابتكار العالمي، متقدمة على اليابان وفرنسا وكندا. ونستنتج من هذا أن نمو صادراتها لم يعد معتمداً على ميزة التكلفة وحدها، بل على المهارة والجودة أيضاً.
ومن شأن ارتفاع قيمة اليوان أن يعزز القدرة الشرائية لعامة الشعب الصيني، ما يحفز إنفاق المستهلكين، ويزيد الطلب المحلي، ويُؤكد في نهاية المطاف مرونة اقتصاد البلاد واستدامته.
بالطبع، يستند هذا الإجراء المضاد إلى سابقة واقعية. فبعد اندلاع حرب أوكرانيا، صعّد الغرب العقوبات على روسيا واستبعد البنوك الروسية الكبرى من نظام «سويفت»، ما أدى إلى انهيار الروبل الروسي نتيجة حالة الذعر التي كانت حاصلة آنذاك.
وفي مارس/آذار 2022، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن الدول «غير الصديقة»، مثل الولايات المتحدة والدول الأوروبية، يجب أن تُسوي مشترياتها من الغاز الروسي بالروبل، لتُنعش هذه السياسة سريعاً سعر صرف العملة المحلية. وبعد أن انكمش الاقتصاد الروسي بنسبة 2.1% فقط في ذلك العام، متحدياً توقعات الركود الحاد، تجاوز نموه السنوي 3.5% منذ عام 2023.
بالاستفادة من تجربة موسكو، يمكن لبكين تنفيذ الخطوات التالية. أولاً، إلزام الشركات الأمريكية بفتح حسابات لدى البنوك الصينية واستخدام نظام الدفع عبر الحدود بين البنوك (CIPS) للمدفوعات بالرنمينبي. وهناك احتمال كبير أن تستجيب الولايات المتحدة لمطالب الصين بالتسوية بعملتها. وحتى لو استبعدتها من «سويفت»، فإن المدفوعات القائمة على نظام (CIPS) يمكن أن تخفف من المخاطر المرتبطة بذلك على الصين.
ثانياً، على الصين تجربة تسوية الرنمينبي على منتجات مختارة. فبالنسبة للصادرات، يمكن لها اختيار منتجات مثل المعادن النادرة، والمكونات الصيدلانية الفعالة، وبطاريات الليثيوم، التي تعتمد الولايات المتحدة عليها بشكل كبير.
أما بالنسبة للواردات، تستطيع بكين اختيار المنتجات الأقل اعتماداً على الولايات المتحدة بسبب تنويع سلسلة التوريد أو التطورات التكنولوجية. ويمكن استبدال واردات الغاز الطبيعي المسال، في حال استئنافها، بأخرى من قطر أو روسيا.
كما بالإمكان استيراد المزيد من فول الصويا من البرازيل أو الأرجنتين. واستبدال طائرات «بوينغ» بأخرى من «إيرباص» الفرنسية أو «C919» الصينية، والاستعانة بشركات محلية مثل «AMEC» أو «Naura» لتوريد بعض معدات أشباه الموصلات. وغير ذلك من نطاق المنتجات التي يمكن تسويتها باليوان بناءً على تطور الظروف.
إن اشتراط تسوية المعاملات التجارية الصينية الأمريكية باليوان يُعدّ إجراءً مضاداً ذا مستوى أعلى، وفوائد استراتيجية أكبر وطويلة الأجل، من حرب الرسوم الجمركية المتبادلة. ومن خلال التصميم والاختبار الاستباقيين لتدابير مضادة متنوعة، يمكن للصين حماية مصالحها بفعالية أكبر.
*باحث في مركز «غلوري دبلوماسي» للأبحاث في الصين (ساوث تشاينا مورنينغ بوست)

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق