تغليف يحمي ويحفظ ويسوّق - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

أحمد العمار*

تخطى التطور المذهل لتقنيات واستخدامات التعبئة والتغليف، تلك القاعدة الشهيرة، التي لطالما روّج لها خبراء التسويق والإعلان (العبوة تحمي وتحفظ وتسوّق)، وإذا كان المقصود بالحماية الوقاية من الكسر والتلف، وبالحفظ ضمان سلامة وصول السلعة إلى المستهلك سليمة، ضمن الشروط والمواصفات الفنية والصحية المطلوبة، فإن الدور التسويقي- الترويجي لتلك العبوة، أصبح معقداً ومتشابكاً، على نحو يصعب ضبطه وتتبعه، فماذا عن هذا الدور.. أبعاده.. خصوصياته.. فلسفة الشركات تجاه مستحدثاته؟
بداية، من الأهمية بمكان أن يضع قادة الأعمال نصب أعينهم، أن تكاليف التعبئة والتغليف ليست مجرد نفقات وترف، بل هي استثمار استراتيجي ذو عائد مجدٍ وقابل للقياس، وما يدعم هذا التوجه، تلك التكلفة التي على الشركات تحملها، عبر مخصصات إدارة وأقسام التعبئة والتغليف لديها، لاسيما أن هذه التكلفة باتت تتراوح بين 10- 40% من سعر بيع السلعة عبر منافذ التجزئة، ما يعني أن أموالاً تنفق، ولا بد أن تأتي بعوائد.
ومن الطبيعي أن تكون هذه التكلفة محكومة بمعايير كثيرة أبرزها، حجم المنتج (كبير، صغير، ..)، نوع التغليف (زجاجات، أكياس، ..)، فئة المنتج (فاخرة، استهلاكية، ..)، كمية الطلب (خفض التكاليف بناء على عدد الوحدات المنتجة)، إضافة لغيرها من المعايير، التي قد تتطلب تعبئة وتغليفاً خاصين، مثل بعض طرود الشحن واللوجستيات.
يفرض القطاع الذي تعمل ضمنه الشركة عبوات وأغلفة محددة ومتشابهة، كونها أحد متطلبات واشتراطات هذه الصناعة أو تلك، فمثلاً تراعي عبوات منتجات الأغذية والمشروبات، الجوانب الصحية واستدامة البيئة والجذب البصري، عبر التناغم اللوني وقيادة حركة العين والانسجام مع الهُويّة البصرية للشركة، فيما تراعي عبوات الأجهزة الكهربائية والإلكترونيات، حشد أكبر قدر ممكن من المواصفات الفنية وطرق وأدلة الاستخدام، فضلاً عن صلابة العبوة لحماية الأجهزة من الكسر، أما عبوات العطور والهدايا الثمينة، فتركز على جمالية وجاذبية التصميم، مع مراعاة خطوط وصيحات الموضة والفنون، وهكذا تفرض الصناعة تصاميم تنبع من الخصوصية وطبيعة الاستخدام.
ولعل تعاظم الدور التسويقي الاستراتيجي للتعبئة، خلال العقود الأخيرة، دفع بعض المنتجين لإحداث أقسام تتولى مهام تخطيط سياسة تغليف المنتجات، والوقوف على مستجدات الصناعة، وتنفيذ بحوث ودراسات تستقصي رأي العملاء والمستهلكين، حول عبوات الشركة ودواعي تطويرها.
حقيقة يجب إدراكها: كل تعديل لعبوة أو غلاف منتج ما، لا بد أن يكون متبوعاً بتغيير إدراك العملاء والمستهلكين لها، جذباً أو نفوراً أو تشويشاً، علماً بأنه من الطبيعي ارتفاع الطلب على هذه السلعة أو تلك، جراء تغيير أو تطوير العبوة أو أحد ملامحها، ومن المتبع عادة أن طرح صنف جديد في الأسواق، يُقابل بعبوات جديدة، تنسجم وتتجانس مع الحملات الإعلانية والتسويقية، التي ترافق المنتج أو الصنف الجديد. يظهر هذا الأمر جلياً في طرح منتجات العطور والمشروبات والأغذية.
بصرف النظر عن شكل وهُويّة العبوة، فإنها لا مناص ستحقق الوظائف العامة لها مثل، سهولة الاستخدام، خفة الوزن وسهولة الحمل والنقل، حماية السلعة من العوامل الخارجية المتعلقة بالكسر والتلف والمناخ، تقديم المعلومات والبيانات، التي تُعرّف المستهلك بطبيعة السلعة والمكونات والصلاحية وبلد المنشأ وغيرها، وهي بطيعة الحال تدعم موقف الشركة ووكلائها في السوق، كونها تخلق وتعيد الطلب.
ثمة اشتراط أراه مهماً واستراتيجياً وحاكماً لثقافة التعبئة والتغليف، وهو مراعاة خصائص وثقافة ومعتقدات المجتمعات، التي تستهدف الشركة أسواقها، فمن غير المقبول أو اللائق مثلاً، أن تحتوي العبوة على صور أو رموز أو عبارات، تحمل دلالة مسيئة لثقافة مجتمع حاضن لمنتجات تلك الشركة، ومصدر لاستثماراتها وإيراداتها.. ولعل الجزئية الأخيرة، هي التي تدفع الشركات العالمية، خاصة تلك العابرة للحدود أو الجنسيات (Multinational companies)، والتي تنتج سلعاً تبدأ بالولّاعة، وقد تنتهي بالصناعة الفضائية، مروراً بالسيارات والأجهزة والمعدات المختلفة، وتتعامل مع عدد هائل من الثقافات المحلية حول العالم، إلى إنتاج نسخ مختلفة من حملاتها الإعلانية والتسويقية، فهناك إعلان للسوق الأمريكية، وآخر للآسيوية، وثالث للشرق أوسطية، وهكذا..
عموماً، لا حدود تطويرية تحكم إنتاج وسائل التعبئة والتغليف، فالتطور التقني المتسارع، يتناسب طردياً مع إنتاج عبوات تراعي معايير الأداء والجودة، بالتوازي مع الاحترافية والابتكار ومستجدات الصناعة والتقدم البشري المتلاحق والمتلاطم، فمنذ عقود قليلة مثلاً، لم تكن بيانات الإنترنت والبريد الإلكتروني وال «باركود» ونظام الجودة ال «آيزو» وغيرها موجودة على العبوات، واليوم بتنا نضع ذلك كله، إلى جانب حسابات الشركة على وسائل التواصل، ومراعاة الاشتراطات المتعلقة بالاستدامة والصحة والسلامة وغيرها، ولا نعلم ما الذي تحمله لنا ثورات التقدم والتقانة ورياح الذكاء الاصطناعي من جديد..!
يبقى أن نقول: أدى تعاظم الوعي الاستهلاكي، ودور جمعيات حماية المستهلك، حول العالم، إلى وضع محددات معينة لطبيعة العبوة، بالنظر إلى الدور الذي تؤديه تلك الجمعيات لحماية المستهلكين والفئات غير الراشدة، من الأطفال والقصر وذوي الاحتياجات الخاصة وغيرهم، فضلاً عن الحماية من الاستغلال أو الغش أو التغرير.
* إعلامي اقتصادي

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق