ما بين سطور قرار «موديز» - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

توماس سافيدج*

في مايو/ أيار الماضي، خفّضت وكالة «موديز» التصنيف الائتماني السيادي للولايات المتحدة من (Aaa)، أعلى تصنيف ممكن، إلى (Aa1). مشيرة إلى احتمال استمرار العجز المالي الكبير، الذي سيزيد عبء الدين الحكومي، وتكاليف سداد الفوائد المترتبة.
ومع ذلك، تأخرت «موديز» في اتخاذ القرار، فقد سبقتها وكالة «فيتش»، التي خفّضت التصنيف الائتماني للبلاد، عام 2023. وقبلهما «ستاندرد آند بورز غلوبال»، بتخفيض مماثل عام 2011.
وأشارت الوكالتان إلى مخاوف مماثلة، بشأن تزايد عجز الميزانية والشكوك، حول القدرة على السداد.
وللأسف، عندما تعجز الولايات المتحدة عن تنظيم شؤونها المالية، ستتأثر الأسر الأمريكية سلباً، وستشعر بالضغوط، من خلال ارتفاع تكاليف الاقتراض، وزيادة الضرائب مع نظام تحصيل أكثر صرامة، إضافة إلى ضعف الدولار.
ويُمثل منحنى العائد، (وهو تمثيل مرئي لكلفة اقتراض وزارة الخزانة الأمريكية للأموال لفترات زمنية مختلفة)، معياراً أساسياً لأسعار الفائدة في السوق، بما في ذلك سندات الشركات وأسعار الرهن العقاري.
ولأن خفض التصنيف الائتماني يقود إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض الشخصي لتعويض زيادة المخاطر، فإن هذه التكاليف ستنعكس على المنحنى، ما يدفع الدائنين من القطاع الخاص إلى رفع أسعار الفائدة على الشركات والأفراد أيضاً.
وأشار الخبير الاقتصادي جيمس بوكانان، إلى أنه عندما يشتري مستثمرو القطاع الخاص الدين الحكومي، فإنهم يتخلون عن ثاني أعلى استخدام لرأس مالهم قيمة. بالتالي، فإن الإنفاق الممول بالدين، يُعادل في الواقع قطع أشجار التفاح لاستخدامها كحطب للتدفئة، ما يُؤثر في حجم المحصول على المدى البعيد. كما أن الإنفاق الممول بالديون، ينقل الأعباء الضريبية من الأجيال الحالية إلى القادمة، فبينما يثق مستثمرو السندات بأن قروضهم ستُسدد مع الفوائد، ستتحمل الأجيال القادمة كلفة الإنفاق الحكومي الجاري حالياً.
ويُحوّل الاقتراض الحكومي أيضاً، رأس المال عن استخدامات القطاع الخاص الأكثر إنتاجية، مثل البحث والابتكار، التي من شأنها أن تُسهم في تحسين مستوى معيشة المواطنين الأمريكيين.
علاوة على ذلك، يُشكل الطلب المتزايد من الحكومة على الأموال القابلة للإقراض، ضغطاً تصاعدياً على أسعار الفائدة (سعر الاقتراض). وسيطالب المُقرضون بعوائد أعلى، وسيحتاج المقترضون الأفراد إلى تقديم شروط أكثر تنافسية للحصول على الائتمان، وهذا يعني ارتفاع أسعار الفائدة على الرهون العقارية وبطاقات الائتمان والقروض الشخصية.
وفي ظل مواجهة الحكومة الأمريكية لارتفاع تكاليف الاقتراض، ستزداد مدفوعات الفائدة الصافية، (الفائدة التي يتعين على الحكومة دفعها على ديونها، والتي يُعوّضها دخل الفوائد)، بشكل كبير.
ويوضح تحليل بحثي لمعهد الاقتصادات المتقدمة بعنوان «تمويل الحكومة الفيدرالية: كيف تأخذ الحكومة أموالك وتُنفقها»، كيفية إنفاق الحكومة الفيدرالية لكل دولار في السنة المالية 2024، والتي انتهت في 1 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أي قبل وقت طويل من تخفيض تصنيف «موديز».
ولاحظ أن 13.5 سنت من كل دولار خُصصت لمدفوعات الفائدة الصافية، ومع ارتفاع تكاليف الاقتراض، يُخصّص المزيد من الإنفاق لتلك المدفوعات، ما يُقّل من تمويل البرامج الفيدرالية الأخرى.
حتى الآن، أنفقت الحكومة الفيدرالية 578.7 مليار دولار، على صافي مدفوعات الفوائد من أصل 4.16 تريليون دولار، أُنفقت في السنة المالية الحالية. بمعنى آخر، سيُخصص 14 سنتاً من كل دولار في السنة المالية 2025 لصافي مدفوعات الفوائد، ومن المرجح أن يزداد هذا المبلغ بنهايتها.
وفي السياق، أدى تخفيض التصنيف الائتماني، إلى جانب حالة عدم اليقين في السياسة النقدية، إلى الإضرار بقيمة الدولار وتراجع شهية حيازته، فقد انخفض مؤشر الدولار الأمريكي (DXY)، عقب إعلان «موديز»، ولا يزال يواصل انخفاضه. ويشير المحللون إلى أن انخفاض الطلب على سندات الخزانة، أدى أيضاً إلى انخفاض الطلب على الدولار.وسيؤدي بيع الأصول الدولارية إلى زيادة المعروض منه في سوق الصرف الأجنبي، ما يسهم بمزيد من الانخفاض في قيمته، الذي سيقود بدوره إلى تراجع مستويات المعيشة، وضعف النمو الاقتصادي، وارتفاع التضخم.
في نهاية المطاف، لا يُلحق صانعو السياسات في واشنطن الضرر إلا بأنفسهم، فأكبر تهديد لسلامة الدولار وفائدته، وللصحة المالية وازدهار الحياة المدنية والتجارية الأمريكية، هم المسؤولون المحليون أنفسهم ممن ينفذون أوامر السلطة الرسمية الأمريكية، لا الشخصيات الغامضة في بلدان بعيدة.
وفي حين بدا أن وزارة الكفاءة الحكومية، حققت بداية واعدة في يناير/ كانون الثاني، إلا أنها فشلت في معالجة المحرك الرئيسي لنمو الإنفاق، وهو المستحقات. والأسوأ من ذلك، أن أعضاء الكونغرس، فشلوا حتى الآن في جعل التخفيضات القليلة التي أوصت بها الوزارة دائمة. والآن، يتنحى رأسها المدبر، إيلون ماسك.
ومع ذلك، لا يزال تصحيح المسار ممكناً، لكنه يتطلب سياسات جادة ومتماسكة اقتصادياً، وشجاعة في اتخاذ القرار، وتنسيقاً للتغلب على الصعوبات التي تواجه ملايين الموظفين في الحكومة الفيدرالية، دعونا نأمل أن يكون هذا التحول ممكناً.
*باحث في المعهد الأمريكي للبحوث الاقتصادية
*ذا ديلي إيكونومي

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق