عندما تتحدث الأسواق لغة الحرب - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

مايك دولان*

مع تزايد الإنفاق العسكري حول العالم وتسارع الدول إلى حماية صناعاتها الحيوية، يبدو أن الخطاب السياسي قد تحول من مجرد رسم تخطيطي للمخاطر الجيوسياسية إلى الاستعداد الصريح للحرب.
ولا يزال الجدل قائماً حول ما إذا كان ينبغي على الأسواق العالمية أن تولي اهتماماً أكبر لهذه الأزمة. فالمستثمرون منشغلون بالفعل بحرب تجارية شاملة، فاقمت التوترات الدولية وتشبه إلى حد كبير التصعيد الأخير في الرسوم الجمركية الأمريكية على الصلب والألومنيوم.
في المقابل، لم يكن صعباً ملاحظة ازدهار صفقات «السلامة والأمان»، مع انخفاض سعر الذهب بأقل من 2% عن مستوى إغلاقه القياسي الذي سجله قبل شهر، بعد أن ارتفع بنسبة 30% تقريباً حتى الآن هذا العام، لكن الأمر الأكثر وضوحاً هو ارتفاع أسهم قطاعات الدفاع الأوروبية بنسبة 50% تقريباً منذ يناير.
وفي الوقت نفسه، تزعزعت مكانة الدولار كملاذ آمن بسبب المخاوف التجارية والتعريفات الجمركية الأمريكية، فضلاً عن الاضطرابات المؤسسية الداخلية التي أشعلها الرئيس دونالد ترامب.
وتتعرض السندات الحكومية لضغوط أيضاً وبالأخص كون الإنفاق الدفاعي الإضافي المرتبط بسباق تسلح جديد بين الأجيال، يُضخِّم أعباء الديون الضخمة بعد الجائحة بشكل أكبر ولا تزال مؤشرات الديون الحكومية العالمية في المنطقة الحمراء حتى عام 2025.
وصرَّحت وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني، أن المخاطر الجيوسياسية المتزايدة تؤثر في الجهات المصدرة من خلال آليات انتقال متعددة وبأنها تضع ضغوطاً تصاعدية على الإنفاق الدفاعي، ما يجعل ضبط الأوضاع المالية أكثر صعوبة لبعض الدول السيادية.
ولكن مهما كان مستوى مخاطر السوق الذي تُقيَّم به مخاوف الحرب العالمية، فلا شك أن درجة الحرارة قد ارتفعت وحتى في الأيام القليلة الماضية، كانت اللغة المحيطة بصراعات القوى الكبرى المستقبلية مُقلقة.
وحثّ وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث الحلفاء الآسيويين على مُجاراة التحركات الأوروبية لزيادة الإنفاق العسكري، محذِّراً من أن التحركات العسكرية الصينية للسيطرة على تايوان قد تكون «وشيكة».
وقال هيغسيث: «لا داعيَ لتجميل الأمر، التهديد الذي تُشكله الصين حقيقي وأي محاولة من جانبها لضرب تايوان عسكرياً ستؤدي إلى عواقب وخيمة على منطقة المحيطين الهندي والهادئ والعالم».
في أوروبا، تتعالى الأصوات المطالبة بضرورة رفع حجم الإنفاق العسكري خوفاً من هجوم روسي محتمل وقد خُصِّص ما يقرب من تريليون يورو (1.14 تريليون دولار) من الإنفاق الدفاعي الإضافي في ألمانيا وأوروبا هذا العام.
الأسبوع الماضي فقط، صرَّح المستشار فريدريش ميرتس بأن ألمانيا وشركاءها في حلف الناتو مستعدون للدفاع عن كل شبر من أراضي الحلف.
وقال في حفل عسكري أقيم بمناسبة إنشاء لواء ألماني في ليتوانيا: «يجب على كل من يهدد حليفاً أن يعلم أن التحالف بأكمله سيدافع بشكل مشترك عن كل شبر من أراضي الناتو».
في بريطانيا، تناولت المراجعة الاستراتيجية الدفاعية الأخيرة للبلاد التهديدات الروسية والمخاطر النووية والهجمات الإلكترونية، من خلال تحديد الاستثمار في الطائرات بدون طيار والحرب الرقمية. لكن الخطة من شأنها أيضاً توسيع أسطول المملكة المتحدة من الغواصات الهجومية، التي تعمل بالطاقة النووية وتحمل أسلحة تقليدية، على أن تنفق 15 مليار جنيه إسترليني (20.3 مليار دولار) بحلول عام 2029 على أسطولها النووي الرئيسي وقال رئيس الوزراء كير ستارمر: «نتعرض لتهديد مباشر من دول ذات قوات عسكرية متقدمة، لذلك يجب أن نكون مستعدين للقتال والفوز». وهو خطاب مُقلق بلا شك،
فإذا كان تأمين التمويل يتطلب قلقاً سياسياً، فربما يُفسر ذلك وجود بعض الحملات الإعلامية المكثفة. لكن الصراعات المتجذرة لا تخلو من تداعيات متفاوتة ومستعرة في جميع أنحاء العالم وتهدد بالامتداد بدرجات متفاوتة وتبدو الحلول متعددة الأطراف بعيدة المنال مع انقسام العالم إلى كتل.
وحتى مع بحث المفاوضين في إسطنبول عن آلية لوقف إطلاق النار، صعَّدت القوات الأوكرانية الموقف بخطوة استثنائية مؤخراً، عبر مهاجمة قاذفات استراتيجية لقواعد في العمق الروسي.
ومن غير الواضح أيضاً متى ستتوقف آلة الحرب الإسرائيلية التي تدور رحاها في غزة ودمرت الحجر والبشر، فضلاً عن تقارير تفيد بتعطيل المحادثات النووية بين واشنطن وطهران، لتهديد تل أبيب بضرب المنشآت النووية الإيرانية.
يُشكّل توسع الصراعات «الساخنة» مصدر قلق متزايد في الأوساط السياسية، مع إضافة مطالبات إقليمية استثنائية إلى هذا المزيج وقد أثار طموح ترامب العلني للسيطرة على بنما وغرينلاند توترات بين الحلفاء، حيث تُعتبر غرينلاند جزءاً من التنافس على الوصول إلى المعادن النادرة وغيرها من الخطط الاستراتيجية في القطب الشمالي.
وحتى جيمي ديمون، رئيس «جيه بي مورغان»، يُدرك تماماً ما يحصل، فقد صرّح لمجلة «بارونز» مؤخراً، بأنه لا ينبغي للولايات المتحدة تخزين بيتكوين، بل تخزين البنادق والرصاص والدبابات والطائرات، بالإضافة إلى المعادن النادرة.
لا شك في أن العالم أصبح مكاناً خطِراً، لكن اندلاع حرب عالمية جديدة أمر مختلف والأسوأ من ذلك، أن حروب الرسوم الجمركية ليست سوى البداية.

* محرر الأسواق المالية في «رويترز»

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق