عاجل

بسام عبد السميع يكتب: خالد كامل… طيبة الأرض حين تتحوّل إلى إنسان - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

السبت 31 مايو 2025 | 12:58 مساءً

الناقد الرياضي الكبير خالد كامل

الناقد الرياضي الكبير خالد كامل

في زمنٍ باتت فيه الذكريات تتساقط منّا كما تتساقط أوراق الخريف، رحل عنّا فجر أمس الجمعة، الناقد الرياضي الكبير خالد كامل، عضو لجنة المسابقات، ورئيس تحرير الكورة والملاعب سابقا، وزميل الدرب والمكتب والعيش المشترك.

رحل خالد كامل الصورة الصافية من طيبة الأرض حين تُنبت رجالًا يمشون بالحكمة، ويتنفسون الأخلاق، ويبتسمون رغم التعب.

عرفته قبل أكثر من ثلاثة عقود، حين جمعتنا الحياة والعمل في غرفة واحدة في مبنى دار التحرير القديم بشارع زكريا أحمد، حيث جلسنا سويًا، أنا وهو، ومعنا الناقد الفني الكبير سمير الجمل.

كان الأستاذ خالد هادئ الطبع، ناعم النبرة، لا يرفع صوته، ولا ينشر ظنونه. خدومًا كما لا يكون إلا أهل الخير، لا يتلفظ بسوء، ولا يتأخر عن عون.

كان يعتز بشيء بسيط لكنه عميق: جلوسه على مكتب الرئيس الراحل أنور السادات، حينما كان الأخير مديرًا لدار التحرير في بداياتها. كان ذلك بالنسبة له تكريمًا غير معلن، يهمس به بفرح في قلبه، ويستعيده كأنما يستعيد لقاءً خاصًا مع التاريخ.

أتذكر جيدًا… في أواخر تسعينات القرن الماضي، حين قررت أن أترك الصحافة نهائيًا بعد طول انتظار للتعيين. وفي صباح أحد الأيام، عند الساعة الحادية عشرة، قلت له ومعه الاستاذ سمير الجمل : "أنا مش هكمل… تعبت من الانتظار". فرد بهدوئه الذي يشبه العافية:

“اقعد… لا تتعجل، التعيين جاي جاي. اجلس وسيب كرسي المكتب شوية. وخلينا نأكل مع بعض… عيش وجبنة وطعمية وبطاطس من عند مطعم التابعي المجاور لمبنى الصحيفة.

وبالفعل، جلسنا نأكل ونضحك وننسى الدنيا، حتى جاء اتصال على هاتف المكتب من الأستاذ خالد محب، رئيس شؤون العاملين وقتها، يسألني:

"إنت فين؟ مش هتكمل ورق تعيينك؟ قرار تعيينك كسكرتير تحرير صدر من 10 أيام!".

أصابتني الدهشة… نظرت إلى خالد كامل، فابتسم تلك الابتسامة التي تشبه حنان الأرض على زرعها، وقال لي:

“ روح بلدك، وهات أوراقك وتعالى نكمل المشوار سوا”.

كان خالد كامل رجلًا يمكنك أن تضبط ساعتك على حضوره، تمامًا عند التاسعة صباحًا، كأن الزمن يعرف أنه إذا تأخر خالد، تأخرت الصحيفة. لم يكن يومًا متسللًا إلى شأن لا يعنيه، ولا متراخيًا في مهمة أُوكلت إليه.

كان منتظمًا، منضبطًا، بسيطًا، ومتواضعًا لدرجة أنه لم يكن يطلب شيئًا، لكنه يعطي الكثير.

وقبل سنوات، التقينا في أبوظبي، حين جاء لحضور إحدى مباريات القمة بين الأهلي والزمالك. خمسة أيام قضيناها معًا، نضحك من قلوبنا، ونستعيد "براءة زمان"، تلك البراءة التي كبرنا معها، وتركناها خلفنا دون أن نشعر.

واليوم، حين بلغني خبر وفاته، شعرت أن بعضي قد مات معه. أن غرفتنا القديمة في دار التحرير انطفأ فيها نور آخر. أن ضحكتنا أمام "التابعي" لم يعد لها صدى. خالد كامل رجل بمثابة مرآة لنقائنا، قد طواه الرحيل.

آه أبا كريم… أه يا أبا كريم .. رحيلك موجع، لأنك لم تكن عابرًا في حياتنا، بل كنت جزءًا منها. وقد رحلت محمولاً على سيرتك الطيبة، وخلقك الرفيع، وقلبك المطمئن بالقليل.

أسأل الله لك الجنة، وأن يجعل كل لحظة خير عشتها معنا، نورًا في قبرك، ومفتاحًا لدارك في الآخرة. رحمة الله عليك، يا من كنت خير أخ وزميل وصديق، وكنت، ببساطة، رجلًا من تراب الأرض الطيبة. 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق