د. لويس حبيقة *
يقول الفنانون إنهم ينتجون القطع الفنية ليس للتسويق وإنما للتاريخ، ويقول بعضهم إن بيع إنتاجهم كمن يبيع أولاده. يستعملون صالات العرض لمعرفة رغبة الناس بها. ما يلفت النظر أن صالات العرض لا تقع عموماً في الأسواق الكبيرة أو في منتصف المدن أو في المناطق السياحية المزدحمة بالناس وبالسيارات، بل تكون في الضواحي أو على جانب المدن. في نفس الوقت، اختيار العارضين في الصالات ليس سهلاً وليس مفتوحاً للجميع. أهم المعايير هي عموماً الشخصية والفنية وليس التجارية. أما الكتاب والمغنون فيرغبون طبعاً بل يسعون إلى بيع منتجاتهم عبر الاعلام والحفلات وغيرها. فلكل فن ميزاته.
لا شك أن الفنانين الجيدين ليسوا تجاراً لكنهم بحاجة لبيع بعض أعمالهم للاستمرار. لا ننكر أن هنالك فارقاً بين الأسواق الأولية أي بين الفنان والمواطن والأسواق الثانوية أي في ما بين المواطنين. فلكل من السوقين طبيعته وخصائصه المختلفة. أما الاستثمار في القطع الفنية، فلا يهدف فقط الى الربح وانما يعود الى الرغبة في شراء ورؤية تحف فنية في غاية الجمال.
تحديد سعر أي سلعة عادية يتم في الأسواق نتيجة عمليات العرض والطلب. تتغير الأسعار تبعاً لتغير العرض أو الطلب أو الاثنين معاً. أما القطع الفنية التي تعكس الأوضاع الثقافية في البلد فلا يمكن مقارنتها بسلع أخرى، لذا تتوجه الى المتاحف للعرض الدائم للجميع. كما أن انخفاض أسعار القطع الفنية له دلالات مختلفة عن السلع العادية. انخفاض السعر يؤدي عموماً الى تشويه صورة الفنان تجاه العالم خصوصاً تجاه زملائه. هذا الجانب الشخصي للفن مهم جدا ولا نجده في أسواق المعادن والخضار والسيارات وغيرها. من خصائص أسواق الفنون وجود علاقات طويلة الأمد بين الفنان والجمهور مباشرة أو عبر الوسطاء ومؤسسات المزاد. هذا يختلف عن بقية الأسواق حيث العارضون وأصحاب الطلب لا يعرفون بعضهم، والسعر هو الذي يقربهم.
هنالك أيضاً من يجمع القطع الفنية ليس للتجارة وانما للحفاظ عليها وحمايتها ويهدونها في آخر المطاف الى المتاحف. فالقطع الفنية تحتوي على مزيج من الخصائص الاقتصادية والفنية والأخلاقية وبالتالي صعب جداً توقع تطورها عبر الزمن، لأن هذه الخصائص تكون أحياناً متناقضة. يختلف التعلق بالفنون من بلد الى آخر، علماً أن نظرة الناس الى كل ما هو فن تتغير مع الوقت تبعاً لتطور المجتمعات وثقافتها.
معظم الفنون يحتاج الى رعاية الدولة ودعمها. فالفنانون الذين ينورون المجتمعات يكون بعضهم فقراء خاصة في الاقتصادات الحالية التضخمية. هنالك فنانون مشهورون يموتون فقراء، وهذا في غاية الظلم خاصة عندما تتفرج الدولة على أوجاعهم ولا تتحرك. كما أن المطلوب من المواطنين الميسورين ومن قطاع الأعمال المساهمة في نهضة الفن أي نهضة الثقافة والمجتمع والمواطن. في الدول النامية لا تعطى عموماً الأهمية المطلوبة للثقافة أي للهوية وهذا تقصير، بل لوزارات الثقافة «السيادية» دور كبير في معالجة الموضوع شرط حصولها على الدعمين البشري والمالي المطلوبين.
* كاتب لبناني
0 تعليق