مع اختتام الجولات الانتخابية البلدية والاختيارية في لبنان عموما ومساء السبت في الجنوب اللبناني خصوصا، بدا واضحا أن صناديق الاقتراع لم تكن تعبر هذه المرة عن مجرد استحقاق روتيني، بل مرآة تعكس تبدلا صامتا في المزاج الشعبي، حتى داخل معاقل كانت تعتبر "محصنة سياسيا".
فبين بلدات مدمرة بفعل الهجمات الإسرائيلية، وقرى مهمشة تطالب بتمثيل يعكس هويتها، وبين شباب محبط يتساءل عن جدوى الاقتراع، رسم جنوب لبنان مشهدا انتخابيا مركبا لا يخلو من الإشارات الدقيقة إلى تململ اجتماعي قد لا يترجم بنتائج كاسرة، لكنه لا يقل أهمية عنها.
الجنوب اللبناني، الذي ما زال يعيش في ظل خطر إسرائيلي دائم، يواجه معادلة دقيقة: كيف يصوت مجتمع يحيا تحت السلاح، ويريد في الوقت نفسه أن يحاسب ويطالب ويُغير؟
قد لا تكون الانتخابات البلدية كافية للإجابة، لكنها بالتأكيد طرحت الأسئلة الصحيحة، والناخبون، ولو بصوت منخفض، بدأوا يقولون إنهم لا يريدون فقط من يحميهم، بل أيضا من ينصفهم.
توترات بين الحلفاء
في أكثر من بلدة جنوبية، شهدت الانتخابات مواجهات داخلية بين أنصار حزب الله وحركة أمل، في مشهد نادر عكس اهتزازا في التنسيق التقليدي.
في هذا السياق يقول حسن، وهو ناشط من بلدة قرب صور، لموقع "سكاي نيوز عربية": "ما حدث أن خلافا بين خصمين صار بين حلفاء. الناس ملت من الاستفراد والتعيينات الجاهزة، وتريد أن تشعر أن صوتها أصبح يمثل فرقا".
ويضيف حسن: "رغم التماسك العلني للثنائية فإن حالات كهذه أظهرت أن القاعدة الشعبية ليست كتلة صماء، وأن الخلافات في الرؤية المحلية بدأت تطفو إلى السطح، ولو بشكل موضعي".
قرى منكوبة
في قرى القطاع الشرقي، ثمة بلدات جنوبية ذات غالبية سنية كبلدة شبعا على سبيل المثال، التي دمرت جزئيا في الحرب الأخيرة رغم عدم انخراطها في الصراع، ظهرت بها رغبة جماعية في انتخاب مجلس بلدي يعبر عن هويتها السياسية أكثر من البرامج الإنمائية.
يقول رجل الأعمال نزيه حمد لموقع "سكاي نيوز عربية": "وجهنا نداءات لأهل بلدتنا لتحمل المسؤولية في اختيار من يرونه أهلا لحمل الأمانة، وقادرا على خدمة الناس بصدق وإخلاص والعمل على تنمية بلدتنا شبعا خاصة بعد الدمار".
وأضاف حمد: "الانتخابات ليست مجرد ورقة توضع في صندوق، بل قرار يصنع مستقبل شبعا ويؤثر في حياته اليومية. معظم أهالي البلدة حاولوا اختيار من يضع مصلحة شبعا فوق كل اعتبار".
ويقول أبو محمد، وهو أحد أبناء بلدة شبعا: "صوّتنا للكرامة قبل أي مشروع، لأنه لم يدافع عنا أحد عندما هدمت البيوت. نريد مجلسا يتحدث باسمنا لا باسم غيرنا".
وتضيف أم مصطفى: "بعد الحرب ليس كما قبلها، من يملك تمثيل هذه القرى؟ ومن يدفع ثمن الصراعات نيابة عن الجميع؟ نريد الثأر للدمار".
تعب من "الهيمنة"
وفي الكثير من القرى الشيعية بدا المشهد مختلفا عن دورات سابقة، وإن لم تفرز الانتخابات "انقلابات كبرى" فإنها كشفت عن فتور انتخابي لافت، وتراجع في الحماسة الشعبية حتى لدى الموالين التقليديين.
تقول زينب، وهي معلمة من النبطية، لموقع "سكاي نيوز عربية": "لا يصح أن تذهبي إلى الصندوق وأنت خائفة أو لديك شعور أن هناك من يقرر لكِ، لكن أيضا لا يجب ترك الساحة فارغة".
أما في البلدات متوسطة الحجم، حاولت بعض اللوائح المستقلة أو العائلية أن تخوض المعركة خارج الاصطفافات الحزبية، ونجحت أحيانا بإحداث خرق رمزي.
جاد ناشط بيئي شارك في إحدى اللوائح المستقلة، وقال لموقع "سكاي نيوز عربية": "لا نريد مواجهة الأحزاب، لكننا نطمح إلى إعادة القرار إلى المجالس المحلية لا إلى المكاتب السياسية. ليس من الخطأ أن نجرب خيارا آخر".
ويضيف: "رغم أن هذه المحاولات لم تحدث فرقا جذريا فإنها تعبر عن نقطة بداية لتحول سياسي بطيء، يبدأ من الأسفل".
ويوضح مختار سابق في بلدة حروف فيقول: "صحيح أن صناديق الجنوب لم تسقط القوى السياسية الكبرى، لكنها كشفت تصدعات في جدران الثقة، وتعبا يتسلل إلى قواعد كان يفترض أنها راسخة".
ويختم: "تغيرت المعادلة. الجنوب يصوت لكنه يفكر ويغضب ويجرب، وربما في المرة القادمة لا يكتفي بأن يُسأل: مع من أنت؟، بل أيضا: إلى أين تمضي؟".
أخبار متعلقة :