الكويت الاخباري

ماذا بعد إعلان ترامب رفع العقوبات عن سوريا؟ - الكويت الاخباري

في خطوة وُصفت بأنها "تحوّل استراتيجي" غير مسبوق في السياسة الأميركية تجاه سوريا، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خلال جولته الخليجية، عن عزمه رفع العقوبات المفروضة على دمشق. خطوة اعتبرها كثيرون حجر أساس لمرحلة جديدة من الانفتاح المحتمل على نظام طالما كان في قلب العقوبات الأميركية والدولية.

ترافق هذا الإعلان مع تصريحات لافتة للرئيس السوري أحمد الشرع ووزير خارجيته أسعد الشيباني، ما أثار تفاعلات دولية متسارعة وترقبًا مكثفًا، خصوصًا من قِبل إسرائيل وتركيا، وسط تساؤلات حول النوايا الحقيقية، والأثمان السياسية المتوقعة، وخريطة التحالفات الجديدة التي قد تتشكل في ظل هذا التحول.

قرار ترامب.. من بوابة السعودية إلى قلب دمشق

خلال مؤتمر صحفي عقده في الرياض، قال ترامب: "اتخذنا القرار الأول في مسار طويل، آن الأوان لمنح الشعب السوري فرصة حقيقية للنهوض من رماد الحرب".

جاء هذا الإعلان متزامنًا مع لقاء مرتقب بين ترامب والرئيس السوري أحمد الشرع، وهو ما اعتُبر خطوة نادرة تعكس اعترافًا بشرعية الحكومة السورية الجديدة، ما يُمثل سابقة منذ اندلاع الحرب السورية في 2011.

تقارير غربية، أبرزها من صحيفة التايمز البريطانية، تحدثت عن أن الولايات المتحدة تسعى لضم سوريا إلى مسار "اتفاقيات السلام" في الشرق الأوسط، في إطار صفقة قد تشمل تطبيعًا تدريجيًا مع إسرائيل، وفتح الأبواب أمام إعادة إعمار سوريا بشروط غربية.

من جهته، علّق وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بوصف القرار "نقطة تحول محورية" في العلاقة بين واشنطن ودمشق، مشيرًا إلى استعداد بلاده لبناء علاقات قائمة على الاحترام والمصالح المشتركة.

وفي حديث لسكاي نيوز عربية، قدم الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، حسين عبد الحسين، قراءة معمّقة للقرار الأميركي، إذ وصف  القرار بأنه "صفقة غير مكتملة التفاصيل"، ورأى أن دوافعه "أكثر تعقيدًا مما يبدو في التصريحات الرسمية".

وأضاف أن رفع العقوبات، بمجرد إعلانه من قبل ترامب، يُعتبر خطوة تنفيذية غير قابلة للتراجع، خاصة وأن القرار صدر من السلطة التنفيذية نفسها، دون انتظار موافقة الكونغرس.

ويؤكد عبد الحسين أن أخطر ما في القرار هو أنه "يمنح الشرعية السياسية والاقتصادية لحكومة أحمد الشرع، ويفرض أمرا واقعا على المجتمع الدولي، بل ويحرج الأوروبيين الذين لا يزالون يترددون في فتح قنوات رسمية مع دمشق".

قرار واشنطن أثار قلقًا عميقًا في تل أبيب، حيث عبّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن رفضه لما اعتبره "انفتاحًا استراتيجيًا على عدوّين في آنٍ معًا: دمشق وأنقرة".

وربطت إسرائيل بين القرار الأميركي وصفقة محتملة لبيع طائرات F-35 لتركيا، معتبرة ذلك تهديدًا مباشرًا لتفوقها الجوي في المنطقة.

في المقابل، تعمل أنقرة على تسريع نشر منظومة S-400 الروسية داخل سوريا، وفق تقارير استخباراتية إسرائيلية، مما يزيد من تعقيد التوازن العسكري في أجواء البلاد. هذه الخطوات دفعت عبد الحسين للتساؤل: "هل يمكن لتركيا أن تقبل بصفقة بين دمشق وواشنطن تشمل قسد؟ وهل واشنطن مستعدة للتضحية بحلفائها الأكراد من أجل إعادة الشرع إلى الواجهة؟".

اقتصاد سوريا ما بعد العقوبات.. الطريق لا يزال وعرًا

برغم الأهمية السياسية للقرار الأميركي، فإن الأثر الاقتصادي لا يزال محدودًا، وفقًا لتحليل عبد الحسين، الذي قال: "رفع العقوبات لا يعني تلقائيًا عودة الاستثمار أو حركة الأموال. هناك مسافة واسعة بين القرار السياسي وتحوّله إلى واقع اقتصادي".

وأشار إلى أن عودة المصرف المركزي السوري إلى النظام المالي العالمي لا تعني الثقة الفورية بالقطاع المصرفي السوري، مضيفًا أن المستثمرين بحاجة إلى ضمانات قانونية واستقرار أمني طويل الأمد.

وأثار توقيت القرار جدلا واسعا حول دوافع ترامب الحقيقية، خاصة أنه جاء خلال عامه الأول في ولايته الثانية، ووسط رغبة واضحة في حصد إنجازات خارجية تُترجم إلى نقاط داخلية.

وبحسب عبد الحسين، فإن ترامب يحاول "صناعة لحظة نصر دبلوماسي" كما فعل مع كوريا الشمالية في ولايته الأولى، لكن المشكلة تكمن في غياب رؤية أميركية متكاملة حيال الملف السوري.

وفتح ترامب بابًا طالما ظنّه كثيرون مغلقًا. لكنه، في واقع الأمر، لم يُغلق الأبواب الأخرى التي تقف خلفها قوى متعددة، لكل منها حساباتها ومصالحها: من تل أبيب إلى أنقرة، ومن طهران إلى موسكو. فإذا كانت دمشق قد تلقت القرار الأميركي بترحيب حذر، فإن الطريق نحو تطبيع فعلي لا يزال طويلًا، وشائكا، ويعتمد على توازنات لا تملك واشنطن وحدها مفاتيحها.

أما سوريا، فهي أمام اختبار سياسي واقتصادي مزدوج: إما أن تُثبت قدرتها على التحول إلى دولة قابلة للتعامل الدولي، أو أن تسقط مجددًا في دوامة إعادة التأهيل المشروط والفشل المتكرر.

أخبار متعلقة :