الكويت الاخباري

هل بات الذكاء الاصطناعي المفتاح لمستقبل الاقتصادات الناشئة؟ - الكويت الاخباري

تمثل الأسواق الناشئة اليوم محوراً حيوياً في الاقتصاد العالمي، نظراً لما تحمله من إمكانات نمو واسعة وقاعدة سكانية كبيرة قادرة على تبني التقنيات الحديثة بسرعة.. هذه الأسواق غالباً ما تواجه تحديات تقليدية تتعلق بالبنية التحتية والموارد، لكنها في الوقت نفسه تمتلك قدرة فريدة على التكيف والابتكار، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالتقنيات الرقمية.

في السنوات الأخيرة، برز الذكاء الاصطناعي كعامل محفّز قادر على إعادة تشكيل خريطة الاقتصاد العالمي، ليس فقط في الدول المتقدمة، بل أيضاً في الأسواق الناشئة. فهذه التقنية لم تعد مجرد أداة تقنية، بل أصبحت محركاً للنمو والتطور، مع إمكانية إحداث تأثيرات طويلة الأمد على الإنتاجية والابتكار وخلق فرص اقتصادية جديدة.

ومع دخول الذكاء الاصطناعي بقوة إلى مختلف القطاعات، من التصنيع والخدمات المالية إلى الرعاية الصحية والتعليم، تبدو الأسواق الناشئة أمام فرصة تاريخية لإعادة رسم مسار نموها الاقتصادي. ما يميز هذه المرحلة هو إمكانية استغلال التقنيات الحديثة لتجاوز بعض القيود التقليدية وتحويل التحديات إلى فرص، مما يجعل الذكاء الاصطناعي أحد أبرز عوامل التحول المستقبلي لهذه الاقتصادات.

موجة الـ AI

بحسب بلومبيرغ، تتجه صناديق الأسواق الناشئة إلى الاستفادة من موجة الذكاء الاصطناعي، حيث يتوقع بعض المستثمرين أن الإنفاق المزدهر على التكنولوجيا سيعمل على دفع العائدات لسنوات قادمة.

بفضل نجاح شركة DeepSeek الصينية لتطوير الذكاء الاصطناعي وشركات أشباه الموصلات الآسيوية العملاقة، ركزت شركات إدارة الأصول مثل AllSpring Global Investments وGIB Asset Management، استثماراتها بشكل أكبر في أسهم الذكاء الاصطناعي.

ويصف التقرير ذلك بـ "الصفقة الرابحة" إذ تُعدّ شركات الذكاء الاصطناعي أكبر ستة مساهمين في ارتفاع مؤشر بلومبرغ لأسهم الأسواق الناشئة هذا العام.

ونقل عن رئيسة قسم أسهم الأسواق الناشئة في أولسبرينغ، أليسون شيمادا، التي تُشرف على استثمارات بقيمة 611 مليار دولار، قولها: "قد يستمر هذا التوجه لعشر إلى عشرين عاماً قادمة. وسيكون تأثيره على السكان المحليين في الأسواق الناشئة تحولياً".

وبينما ركزت موجة الاستثمار في الذكاء الاصطناعي بشكل كبير على عدد قليل من شركات وادي السيليكون، فإن شركات الأسواق الناشئة القادرة على تسخير هذه التقنية أو توفير مكونات أساسية تستفيد منها. فعلى سبيل المثال، أصبحت خوادم الذكاء الاصطناعي المحرك الرئيسي لنمو شركة هون هاي للصناعات الدقيقة التايوانية، المعروفة باسم فوكسكون.

وقد تفوقت أسهم الأسواق الناشئة المعرضة بشكل كبير للذكاء الاصطناعي على ما يسمى بشركات التكنولوجيا العملاقة السبع الرائعة حتى الآن هذا العام، وفقًا لاستراتيجيي الأسهم في Citigroup Inc.

وقال كونال ديساي، مدير المحفظة المشارك لأسهم الأسواق الناشئة العالمية لدى جي آي بي لإدارة الأصول ومقره لندن: "لا يمكنك الاستثمار في الأسواق الناشئة دون أن يكون لديك وجهة نظر متفائلة ومتفائلة بشأن ما يمكن أن تتطور إليه قصة الذكاء الاصطناعي من منظور أرباح الشركات".

الأسواق الناشئة

من جانبه، يقول المستشار الأكاديمي في جامعة سان خوسيه الحكومية، الدكتور أحمد بانافع، في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":

الذكاء الاصطناعي مرشح بقوة ليقود نمو الأسواق الناشئة في السنوات العشر القادمة، لكنه يحتاج إلى بيئة داعمة تمكّنه من استغلال إمكاناته غير المحدودة على النحو الأمثل. تشير التطورات الأخيرة إلى أن هذه التقنية تتحول إلى عامل جذب رئيسي للاستثمارات، خاصة مع تزايد الاعتماد على التطبيقات الذكية في قطاعات مثل التصنيع، التمويل، الصحة، والتعليم. نتيجة لذلك، باتت العديد من الاقتصادات الناشئة تضع الذكاء الاصطناعي في صميم استراتيجياتها التنموية، مع السعي لتعزيز الإنتاجية وخلق فرص جديدة قائمة على المعرفة الرقمية.

ويشير إلى أن أسهم شركات التكنولوجيا في الأسواق الناشئة شهدت ارتفاعاً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، مدفوعة بتوسع أنشطة الذكاء الاصطناعي (..) وفي هذا السياق، تقود دول آسيوية مثل تايوان وكوريا الجنوبية قاطرة الابتكار، بينما تستعد دول أخرى مثل الهند والبرازيل ودول الخليج لإطلاق خطوات قوية نحو استثمار الذكاء الاصطناعي بشكل أوسع.

ويضيف: "تكمن الأهمية الكبرى لهذا التحول في القدرة على الانتقال من نموذج نمو قائم على الموارد إلى اقتصاد معرفي، وتعزيز الإنتاجية وتقليص الفجوات التقنية والاقتصادية، إلى جانب خلق فرص عمل جديدة تعتمد على المهارات الرقمية بدلاً من العمالة التقليدية.. كما يفتح الذكاء الاصطناعي الطريق لريادة الأسواق الناشئة في مجالات الزراعة الذكية والخدمات المالية الرقمية والرعاية الصحية عن بُعد".

ورغم الآفاق الإيجابية، ينبه بانافع إلى أن بعض هذه الأسواق تواجه تحديات حقيقية تتطلب اهتماماً عاجلاً؛ أبرزها ضعف البنية التحتية الرقمية، وقلة مراكز البحث والتطوير، والفجوة في المهارات البشرية والتدريب، إضافة إلى الحاجة لتشريعات مرنة ومتوازنة تحفّز الابتكار وتحمي الحقوق.

ويختتم حديثه قائلاً: لم يعد الذكاء الاصطناعي خياراً، بل أصبح ضرورة تنموية، وتؤكد المؤشرات أنه سيشكل مستقبل الاقتصادات الناشئة خلال العقد المقبل، شريطة وجود رؤية استراتيجية متكاملة تشمل الاستثمار، التعليم، السياسات، والشراكات الدولية.

فوائد الـ AI للاقتصادات الناشئة

بحسب دراسة نشرتها المجلة الدولية للبحوث الأكاديمية متعددة التخصصات، فإن

الذكاء الاصطناعي يقوم بسرعة بتحويل المشهد الاقتصادي العالمي، مقدماً مسارات جديدة للإنتاجية والابتكار والتنافسية. كان يُنظر إليه سابقًا كتقنية حدودية تقتصر على الاقتصادات المتقدمة، لكنه أصبح اليوم أكثر وصولاً وتأثيراً في جميع المناطق، بما في ذلك الاقتصادات الناشئة. على الرغم من التحديات التنموية التي لا تزال تواجهها هذه الدول، مثل الفجوات في البنية التحتية، ومستوى محدود من الثقافة الرقمية، وعدم المساواة الاقتصادية، فإنها بدأت في استغلال الذكاء الاصطناعي لتجاوز نماذج النمو التقليدية وتسريع تحولها إلى اقتصادات قائمة على المعرفة.

وتضيف الدراسة:  تتمثل الفوائد المحتملة للذكاء الاصطناعي في الاقتصادات الناشئة في تحسين الممارسات الزراعية، وتسهيل الوصول إلى الرعاية الصحية، وتعزيز جودة التعليم، وتبسيط الخدمات العامة، مما يمكن أن يعالج بعض أهم القضايا التنموية. ومع ذلك، فإن تبني هذه التقنية يجلب معه تحديات مهمة، منها خطر تعميق الفجوة الرقمية، واستبدال العمالة منخفضة المهارات، ومشكلات حوكمة البيانات، والقدرة المؤسسية المحدودة على تنظيم التقنيات الناشئة.

محرك رئيسي

يقول خبير أسواق المال والعضو المنتدب لشركة "أي دي تي" للاستشارات والنظم التكنولوجية محمد سعيد لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":

الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد طفرة تكنولوجية عابرة، بل أصبح محركاً رئيسياً يعيد تشكيل خريطة الاقتصاد العالمي. الأسواق الناشئة تقف اليوم أمام فرصة تاريخية قد لا تتكرر لتغيير موقعها في هذا الاقتصاد الجديد. الفكرة هنا تشبه ما حدث مع الهواتف المحمولة منذ عقدين، حينما تمكنت هذه الأسواق من القفز فوق مرحلة البنية التحتية للهواتف الأرضية وتبنت الحلول النقالة مباشرة. واليوم يمكنها تكرار نفس القصة مع الذكاء الاصطناعي عبر تبني مراكز بيانات وخدمات سحابية متطورة دون الحاجة للمرور بالبنية التقليدية القديمة، وهو ما يقلل التكاليف ويسرّع وتيرة الإنجاز بشكل كبير.

ويؤكد أن حجم الفرصة المتاحة ضخم بكل المقاييس، فبعض التقديرات تشير إلى أن سوق الذكاء الاصطناعي العالمي قد يتضاعف حوالي 25 مرة بحلول عام 2033 ليصل إلى ما يقارب 4.8 تريليون دولار. هذه القفزة ستؤدي إلى زيادة متوقعة في الناتج المحلي الإجمالي في أسواق كبرى مثل الصين بنسبة تصل إلى 26 بالمئة بحلول 2030، وفي مناطق أخرى مثل أميركا اللاتينية وجنوب أوروبا بنسب تتراوح بين 5 و11 بالمئة.

ويضيف: “التأثير يظهر بوضوح في قطاعات حيوية كالزراعة، حيث تحسن الأدوات الذكية إدارة المحاصيل والتنبؤ بالطقس، وفي الخدمات المالية عبر التوسع في الشمول المالي بفضل تحليلات ائتمانية دقيقة، إلى جانب السياحة والرعاية الصحية التي تشهد تحولًا جذريًا في كفاءة الخدمات المقدمة".

لكن يرى أن الطريق ليست مفروشة بالورود، فهناك تحديات حقيقية تواجه الأسواق الناشئة، أبرزها:

الفجوة في البنية التحتية الرقمية، إذ ما زالت مناطق واسعة تعاني من ضعف الإنترنت عالي السرعة ونقص أجهزة الحوسبة. كما تبرز الفجوة الكبيرة في المهارات الفنية، حيث تتركز معظم أبحاث الذكاء الاصطناعي في عدد محدود من الشركات بأميركا والصين، وهو ما يستلزم استثماراً ضخماً في التعليم والتدريب محلياً. كذلك قد تبطئ العقبات التكنولوجية مثل قيود تصدير الرقائق التقدم في بعض الدول، لكنها قد تدفع في المقابل نحو ابتكار حلول محلية كما حدث في تجارب سابقة.

ويوضح سعيد أن قدرة الذكاء الاصطناعي على قيادة نمو الأسواق الناشئة خلال العقد القادم ستعتمد على مدى جاهزية هذه الأسواق. النجاح لن يكون حليف الجميع، بل سيقتصر على الدول التي تتبنى سياسات داعمة للاستثمار في بنيتها الرقمية وتطوير مهارات كوادرها البشرية وتشجع الابتكار المحلي لتقليل الاعتماد على التكنولوجيا الأجنبية.

أخبار متعلقة :