الكويت الاخباري

إيران والنووي.. بين التصعيد والهدنة الدبلوماسية - الكويت الاخباري

الضربات الأميركية الإسرائيلية الأخيرة على منشآتها النووية، وتعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وإشارات متضاربة من طهران وواشنطن، ترسم مشهداً إقليميا مشحوناً بالغموض وعدم اليقين، حيث السلاح والدبلوماسية يتحركان بالتوازي على رقعة شطرنج سياسية معقدة، يلعب فيها ترامب ونتنياهو أوراق الضغط القصوى، بينما تراهن إيران على الغموض الاستراتيجي والصبر التفاوضي.

ضبابية المشهد بعد الضربة والهدنة

وصف الخبير العسكري والسياسي مهند العزاوي خلال حديثه إلى غرفة الأخبار على "سكاي نيوز عربية" المرحلة الراهنة بأنها "حالة اللايقين"، حيث لا سلم ولا حرب، بل بيئة متقلبة تتحكم بها مؤشرات التصعيد أكثر من فرص التهدئة.

ويشير إلى أن تعليق إيران تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية هو جزء من تكتيك "الغموض النووي" الذي تستخدمه طهران كوسيلة ضغط سياسي، وتكتيك تفاوضي لتعظيم مكاسبها.

يرى العزاوي أن المواقف الأميركية والإسرائيلية تنبئ باحتمالية العودة إلى التصعيد، خاصة في ظل توقف الحرب في غزة لمدة 60 يوما، وهو ما قد يتيح لإسرائيل إعادة تنظيم صفوفها العسكرية، وتحسين دفاعاتها الجوية استعدادا لمراحل قادمة من المواجهة.

ويؤكد أن طهران تعمدت إبقاء حجم الأضرار النووية غامضا، كي لا تظهر بمظهر الضعف في أي جولة تفاوضية قادمة. في المقابل، واشنطن - بحسب العزاوي - لا تبدي مؤشرات واضحة بشأن استئناف المحادثات أو مضمون بنود التفاوض المحتمل، مما يعمّق حالة اللايقين.

موقف إيران بين الردع والدبلوماسية المشروطة

من جانبه، يرى مصدق بور، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية الإيرانية في طهران، أن إيران لا تزال مؤمنة بمبدأ التفاوض، لكنها ترفض الحوار تحت الضغط أو التهديد العسكري.

ويعتبر أن ما جرى من هجمات إسرائيلية لم يحقق أهدافه، بل فاجأت طهران خصومها بقدرات الردع والرد، التي تجاوزت التوقعات.

وشدد بور على أن إيران لا تريد تصعيدا شاملا، لكنها لن تتوانى في الرد إذا تكررت الهجمات، وهو ما يجعلها تطالب بضمانات أمنية مسبقة لأي تفاوض جديد.

من وجهة نظره، تعتقد طهران أن إسرائيل ليست في موقع يسمح لها بخوض جولة عسكرية جديدة الآن، نظرا لانشغالاتها في غزة وسوريا واليمن، وهو ما يمنح إيران هامش مناورة أوسع.

كما يعتبر بور أن إيران أعادت "توازن الرعب" مع إسرائيل، وتمكنت من ترميم بعض هيبتها الإقليمية عبر ضربات انتقامية محدودة، ورفضها الانجرار إلى مواجهة مفتوحة تخدم أجندات خصومها.

الموقف الأميركي.. ضغط وشروط بلا تنازلات

أما نايل غاردنر، الباحث في مؤسسة هيريتيج الأميركية، فقد عبّر عن موقف واشنطن بلغة مباشرة: "إيران في أضعف حالاتها"، مشيراً إلى أن ترامب لا يسعى إلى حرب مفتوحة، لكنه لن يتردد في توجيه ضربات إضافية إذا لم تتخلَّ طهران عن طموحاتها النووية.

ويرى غاردنر أن الضربات على منشآت نطنز وفوردو تسببت بأضرار جسيمة، ولن يكون من السهل على إيران إعادة بناء برنامجها النووي في المدى القريب.

وأكد أن واشنطن مستعدة للرد على أي تحرك إيراني، سواء ضد قواتها أو مصالحها أو حلفائها، متهماً طهران بتضخيم حجم ردودها في إطار "دعاية سياسية مفرطة".

من وجهة نظره، فإن إيران "لم يعد لديها أوراق حقيقية للمناورة". أما هدف الولايات المتحدة فهو واضح: "استسلام كامل وغير مشروط"، يشمل وقف البرنامج النووي، وإنهاء دعم طهران لحزب الله وحماس وبقية "الميليشيات الإرهابية" حسب وصفه.

ترامب ونتنياهو.. توافق تكتيكي أم شراكة هجومية؟

وسط هذا المشهد المتأزم، يبدو أن لقاءً مرتقبا بين دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو قد يحمل مؤشرات مفصلية بشأن مستقبل التعامل مع إيران. فنتنياهو يسعى، وفق التقارير، إلى "ضمانات مكتوبة" من ترامب لتكرار سيناريو الهجوم على المنشآت الإيرانية، خصوصاً إذا استؤنف التخصيب بنسب مرتفعة.

وهنا، يحذر العزاوي من أن "الخطاب السياسي الإيراني تجاه واشنطن لا يتماشى مع حقيقة أن الولايات المتحدة هي الضامن السياسي الوحيد للتهدئة، وليس إسرائيل"، ما يعكس ازدواجية في الموقف الإيراني قد تنعكس سلباً على موقعها التفاوضي.

وفي الوقت ذاته، تبدو الإدارة الأميركية - أو تحديدا ترامب - حريصة على استثمار الموقف لتحقيق مكاسب سياسية داخلية، وتكريس موقعه كرئيس "أعاد هيبة الردع الأميركي"، في سياق انتخابات تقترب بخطى متسارعة.

خيارات إيران التفاوض أم التصعيد؟

يرى الخبراء أن طهران تقف أمام خيارات محدودة ومكلفة. فالمراهنة على الوقت والمماطلة، كما اعتادت سابقا، قد تكون خطأ فادحًا في ظل رئيس مثل ترامب لا يتحرك وفق قواعد الضغط التدريجي، بل يعتمد مبدأ الصدمة.

وتبدو طهران مدركة لذلك، إذ أنها تطالب بتأمين خطوط حمراء واضحة قبل الجلوس على طاولة المفاوضات، وترفض الانخراط في أي حوار دون ضمانات بعدم تكرار الضربات.

وفي المقابل، ترى واشنطن أن طهران يجب أن تأتي إلى الطاولة بلا شروط، وبنوايا إنهاء البرنامج النووي بالكامل.

في هذا السياق، يشير العزاوي إلى أن "أدوات الردع التي تلوّح بها طهران - كإغلاق مضيق هرمز أو القرصنة البحرية - لم تعد مقنعة في مناخ الحرب الفعلية"، خاصة في ظل الانتشار البحري الأميركي الكثيف، ووجود حاملات طائرات وغواصات نووية قادرة على شل أي تحرك إيراني واسع.

الموقف الإقليمي.. صمت مشوب بالحذر

بالموازاة، لم تكن ردود الفعل الإقليمية حاسمة، لكن بور أشار إلى "خيبة أمل إيرانية" من بعض المواقف العربية التي اعتُبرت مشرفة في رفض العدوان، لكنها لم تتعدَّ مستوى التصريحات الرمزية.

في المقابل، تعوّل طهران على بقاء الجبهة الداخلية صامدة، وتجنّب الانهيار الاقتصادي رغم شبح العقوبات والضغوط الأوروبية المتزايدة.

الكرة تدور الآن في ملعب طهران، ولكن تحت نيران غير مرئية. فالحسابات تغيرت، وموازين القوة يعاد ضبطها كل يوم في ضوء متغيرات الحرب والردع والضغط السياسي.

ترامب حاسم في شروطه، ونتنياهو ينتظر الضوء الأخضر، بينما إيران تراوغ عبر الغموض والاشتراطات. وبين تهديد الاستسلام والتفاوض المعلّق، قد لا يبقى الكثير من الوقت قبل أن تفرض الأحداث جولة جديدة، هذه المرة قد تكون بدون سقف دبلوماسي.

أخبار متعلقة :