الكويت الاخباري

إيران بين السماء والنار.. سباق التسلح من بوابة بكين وموسكو - الكويت الاخباري

في أعقاب الضربات العسكرية الموجعة التي طالت منشآت نووية وعسكرية داخل إيران، لم يكن أمام طهران سوى التطلع نحو إعادة تشكيل درعها الدفاعي، لا سيما في السماء التي باتت، بحسب الرواية الإسرائيلية والأميركية، "مكشوفة تمامًا".

وبينما تسعى إيران لتعزيز قدراتها الجوية، تُعقد الآمال على موسكو وبكين كحليفين استراتيجيين، في وقت تتشابك فيه الحسابات الدولية وتتعقّد خيوط التسليح المتقدم وسط عقوبات وضغوط وتوازنات حساسة.

إيران واستعادة السيطرة الجوية: من الإنهاك إلى التحديث

الضربة الأخيرة التي استهدفت الدفاعات الإيرانية ومنشآتها النووية، شكّلت نقطة تحوّل فارقة في مقاربة طهران للأمن القومي.

فبعد سنوات من الاعتماد على منظومات دفاعية جزئية ومحدودة الكفاءة، بات واضحا – بحسب مراقبين – أن إيران تقف أمام حاجة ملحة لإعادة بناء شبكة دفاعها الجوي، وتعزيز قدراتها الردعية.

وهنا تتجه الأنظار إلى الصين وروسيا، بوصفهما المزوّدين المحتملين لمنظومات متطورة، تشمل طائرات شبحية ومنظومات دفاعية من طراز S-400، وهو خيار محفوف بتحديات سياسية ولوجستية جمّة.

روسيا.. الدعم الحذر والمصالح المتشابكة

نفت المستشارة السياسية في مركز الدراسات الدولية، إلينا سوبونينا، خلال حديثها إلى "غرفة الأخبار" على سكاي نيوز عربية ما يُشاع عن فتور روسي تجاه إيران، مؤكدة أن موسكو تبذل جهودها في سياق وقف التصعيد، وتحتفظ بمواقفها المناهضة لتغيير الأنظمة بالقوة. لكنها أشارت إلى أن روسيا ستظل "حذرة" في ملف تزويد إيران بأسلحة متطورة، لا سيما في ظل العقوبات الأميركية والرقابة الدقيقة من إدارة ترامب التي لا تخفي انحيازها الواضح لإسرائيل.

كما لفتت سوبونينا إلى أن روسيا تملك علاقات معقدة مع كل من إسرائيل وأميركا، وأن تقديم دعم عسكري لطهران قد يُربك هذه التوازنات الدقيقة.

ورغم توقيع اتفاقية استراتيجية بين موسكو وطهران، فإن هذه الاتفاقية، بحسب سوبونينا، لا تشمل بنودا للدفاع المشترك، ما يجعل الموقف الروسي أقرب إلى الدعم السياسي والتقني منه إلى الانخراط العسكري الكامل.

الصين.. الحسابات الصامتة والتوريد خلف الستار

أما الصين، التي لطالما انتهجت سياسة "اليد الخفية" في الشأن العسكري، فتمارس حسب ما صرّح به مدير مركز الدراسات الاستراتيجية الإيراني مصدق بور نوعا من الدعم غير المعلن.

إيران، وفق قوله، بدأت بالفعل في تركيب مضادات جوية صينية الصنع في مناطق حساسة، وسط تجارب تُجرى في عدة مدن، وتُبلغ بها السلطات المواطنين باعتبارها "اختبارات دفاعية".

إلا أن الخبير العسكري مهند العزاوي يصف هذا المسار بالحقل الملغم، مشيرًا إلى أن توريد طائرات أو منظومات متطورة مثل S-400 أو مقاتلات J-10 الصينية، يتطلب قرارات سياسية كبرى لا تُتخذ بسهولة في بكين أو موسكو.

العزاوي أكد أن هذه الأسلحة لا تُشترى فحسب، بل تحتاج إلى بيئة تشغيلية متكاملة تشمل التدريب والنقل والتخزين – وكلها عمليات معرضة للرصد الإسرائيلي الأميركي المكثف.

إسرائيل والردع الاستراتيجي.. الـB-21 في المعادلة

وفي خضم هذا السباق، تلوح في الأفق طائرات الشبح الأميركية من الجيل السادس B-21، والتي تستعد لدخول الخدمة. العزاوي يرى أن حصول إسرائيل على هذه الطائرات أو استمرارها في تشغيل B-2 القديمة، يمنحها تفوقا جويا لا يُضاهى في المنطقة.

كما أن البنية الصناعية العسكرية الإسرائيلية سمحت لها إنتاج وتسليح طائراتها من دون الحاجة إلى استيراد الذخيرة، ما يعزز استقلالية القرار العسكري الإسرائيلي ويقوّض أي توازن تحاول إيران بناؤه.

الشركاء أم الضامنين؟.. رؤى من الداخل الإيراني

يعرض مصدق بور من طهران، رؤية تعكس "الواقعية السياسية الإيرانية"؛ إذ يقرّ بأن العلاقات مع روسيا والصين لا تخلو من منافع مشتركة، لكنّه في الوقت ذاته يدعو للبحث عن بدائل إقليمية.

كما شدد على أهمية المسار السلمي والدبلوماسي، معتبرا أن ما تمر به إيران من عزلة وضغوط وعقوبات يتطلب حلولًا أقل عسكرية وأكثر سياسية.

ويشير إلى أن طهران سلّمت موسكو – سابقًا – كميات من اليورانيوم المخصب كضمانة، ضمن اتفاق نووي هش، لكنه يذكر بشرط أساسي وضعته إيران بأن تعود هذه المواد فور فشل المفاوضات، وهو ما يفتح الباب على نقاش أوسع حول "ضمانات الحلفاء".

تحديات ما بعد الضربة.. التكنولوجيا والسيادة والردع

تشير المعطيات إلى أن إيران تجد نفسها الآن في سباق مع الزمن لإعادة بناء دفاعاتها الجوية، لكن معادلة التحديث لا تتعلق فقط بالحصول على معدات متطورة، بل بقدرة إيران على دمج هذه الأنظمة وتشغيلها في ظل تهديدات سيبرانية، واستهداف استخباراتي دائم، وفضاء جوي تسيطر عليه الأقمار الصناعية الأميركية والإسرائيلية.

ويبدو أن خيارات إيران محصورة بين شراكات استراتيجية محفوفة بالمخاطر، وتنازلات سياسية قد تُفضي إلى نوع من "الحياد المبرمج" أو "المساومات الكبرى"، سواء في الملف النووي أو في مشاريع التسلّح.

وبين حذر بكين ومصالح موسكو وتفوّق تل أبيب الجوي، تواصل طهران محاولتها لترميم أمنها القومي بوسائل تراها ردعًا مشروعًا، فيما يراها خصومها استفزازًا تصعيديًا. لكنّ الحقيقة التي تلوح في الأفق هي أن صفقات السلاح لا تصنع الأمان بالضرورة، وأن أي رهان على الردع العسكري بمعزل عن التهدئة السياسية والدبلوماسية، قد يُفضي إلى جولة أخرى من التصعيد، لا رابح فيها سوى الفوضى.

في سماء تتنازعها الطائرات الشبح، والصواريخ الذكية، والأقمار الاصطناعية، يبقى السؤال: هل تستطيع إيران أن تُحصّن أجواءها من دون أن تُقايض استقلال قرارها السياسي؟ أم أن ثمن الدفاع هذه المرة، سيكون باهظًا على كل الجبهات؟.

أخبار متعلقة :