الكويت الاخباري

هل يكرر ترامب سيناريو الضربات الاستباقية على إيران؟ - الكويت الاخباري

في ظل ضبابية المشهد النووي الإيراني، وانعدام الثقة المتبادل بين واشنطن وطهران، تعود نذر المواجهة العسكرية لتخيم مجدداً على أجواء المنطقة.

فرغم ما تبديه الإدارة الأميركية من محاولات لإبقاء باب الدبلوماسية مفتوحاً، جاءت لهجة الرئيس دونالد ترامب أكثر مباشرة وصداماً، حين تحدث عن "نجاح هائل" في تدمير البنية التحتية النووية الإيرانية، ولوّح بإمكانية تكرار الضربات الاستباقية. فهل تتحول هذه التهديدات إلى فعل عسكري حقيقي؟ أم أن المفاوضات لا تزال تحظى بفرص، وإن كانت مشروطة وهشة؟.

إيران: التفاوض تحت النار مرفوض

يؤكد من طهران المحلل الخاص لسكاي نيوز عربية محمد صالح صدقيان، خلال حديثه إلى غرفة الأخبار أن الإيرانيين لا يرون بديلا حقيقيا عن الخيار التفاوضي، رغم التصعيد، قائلا إن "كل الخيارات الأخرى – عسكرية، اقتصادية، أمنية – لن تعيد الأمور إلى نصابها ولن تزيل القلق الغربي".

ويضيف أن طهران تدرك أن الهجوم العسكري سيؤدي إلى اشتعال المنطقة بأكملها، تماماً كما حصل عقب الضربات الإسرائيلية الأخيرة.

ويشير صدقيان إلى أن ضربات نتنياهو قبل 12 يوما فشلت في تدمير المنشآت النووية الإيرانية، ما دفعه للاستعانة بإدارة ترامب.

ويؤكد أن تلك الضربات دمّرت المسار التفاوضي الذي كان يجهّز له في اجتماع رسمي بين الطرفين في مسقط، برعاية عُمانية، مضيفا: "الضربة الإسرائيلية، التي وافق عليها ترامب قبل يومين فقط من المحادثات، حطّمت أي فرصة للثقة بين الطرفين".

واشنطن: معادلة جديدة وهدف مباشر

يرى الكاتب والباحث السياسي إيلي يوسف خلال حديثه إلى سكاي نيوز عربية أن الولايات المتحدة دخلت "مرحلة جديدة من التعامل المباشر مع إيران"، حيث لم تعد الأذرع الإيرانية هي الهدف بل إيران نفسها.

ويشير إلى أن تصريحات ترامب الأخيرة توضح الموقف: "سآخذ ما أريده من طهران"، مضيفاً أن الهجمات الأميركية الأخيرة سبقت انتهاء المهلة التي منحها ترامب بعد حرب 12 يوماً، ما يوضح أن "الخيار العسكري ليس ورقة ضغط بل خيار قائم بالفعل".

ويضيف يوسف أن إيران اليوم في أضعف حالاتها عسكريا وأمنيا واقتصاديا، وأنها باتت أمام خيارين: إما الاستمرار في نهجها الذي وصفه بـ"الانتحاري"، أو التراجع والعودة إلى طاولة المفاوضات بشروط أميركية صارمة.

انهيار الثقة.. والضمانات الغائبة

تصريحات كبير المفاوضين الإيرانيين مجيد تخت روانجي تؤكد أن طهران لن تقبل العودة إلى التفاوض "تحت النار"، في إشارة إلى العقوبات والهجمات العسكرية المتكررة. وتتمسك إيران بشرط جوهري: ضمانات أميركية مكتوبة بعدم التعرض لها عسكريا خلال أي جولة تفاوض.

ومع هذا، يرى بعض المحللين أن إيران لم تعد قادرة على فرض شروطها السابقة، إذ يشير يوسف إلى أن "سقف المطالب الإيرانية بات ينخفض تدريجياً – من رفض العقوبات إلى المطالبة فقط بوقف التهديد العسكري"، في تعبير عن تراجع الموقف الإيراني بفعل الضغط الميداني والسياسي.

نتنياهو.. خصم المفاوضات لا البرنامج

يقول صدقيان إن نتنياهو ليس فقط خصماً للبرنامج النووي الإيراني، بل للمفاوضات نفسها، مشيراً إلى أنه عمل منذ 2015 لإفشال الاتفاق النووي، ثم دفع إدارة ترامب للانسحاب منه لاحقا.

ويضيف: "نتنياهو لا يريد أقل من تفكيك البرنامج النووي، وتقسيم إيران، وربما إسقاط النظام". لكن في المقابل، يرى صدقيان أن الولايات المتحدة لا تشارك نتنياهو نفس الأهداف القصوى، فهي لا ترغب بانهيار النظام الإيراني، لأن ذلك قد يفتح باب الفوضى، مشيراً إلى أن "إيران بلد له ثقل جيواستراتيجي معقد، وسقوطه قد يفيد روسيا أو الصين أكثر من واشنطن".

خيارات إيران المحدودة.. ورسائل القوة الأميركية

رغم التصعيد، فإن واشنطن تحاول الحفاظ على مسار مزدوج: العصا والجزرة. فهي تُبقي باب الدبلوماسية مفتوحاً من جهة، وتواصل الضغوط والضربات من جهة أخرى.

وقد نفذت الولايات المتحدة هجمات على مواقع إيرانية وأذرعها في سوريا واليمن، مع رسائل ضمنية مفادها أن أي تهديد مستقبلي سيقابَل برد مباشر على إيران وليس وكلائها.

ويرى يوسف أن الرسائل العسكرية الموجهة إلى إيران لا تعني بالضرورة نية الحرب الشاملة، لكنها تنذر بأن واشنطن لن تقبل استمرار طهران في توسيع برنامجها النووي تحت غطاء المفاوضات أو التهديد الإقليمي.

تبدو الأزمة النووية الإيرانية اليوم أشبه برقعة شطرنج ملتهبة، تتحرك فيها القطع بتأنٍ تحت سقف التصعيد المدروس. فالإشارات الصادرة من واشنطن، وتحديداً من إدارة الرئيس دونالد ترامب، لم تترك مجالاً للغموض: الخيارات العسكرية مطروحة، والردع لم يعد نظرياً.

وفي المقابل، تحاول طهران الصمود على حافة الخط الأحمر، متمسكة بخيار التفاوض المشروط، لكن من دون التنازل عن أوراقها النووية أو الجيوسياسية.

ومع اتساع رقعة التوتر، وتراجع الثقة إلى أدنى مستوياتها، تزداد احتمالات الانزلاق إلى مواجهة مباشرة، ليس فقط بسبب الحسابات النووية، بل بفعل الاصطفافات الإقليمية والدولية التي تعيد تشكيل ميزان القوى في المنطقة.

في هذا المشهد المعقد، تتلاشى المسافات بين الردع والمواجهة، وبين التفاوض والتفجير. ويبقى السؤال مفتوحاً: هل لا تزال هناك نافذة حقيقية للحل السياسي؟ أم أن الضربات أصبحت لغة التفاهم الوحيدة بين واشنطن وطهران؟.

أخبار متعلقة :