وسط استمرار تبادل الضربات بين إسرائيل وإيران، وتداعيات الهجوم الأميركي الأخير على منشآت نووية داخل الأراضي الإيرانية، تتباين التقديرات بشأن مدى فاعلية الضربة، في وقت تؤكد فيه إيران أن برنامجها النووي لم يتأثر، بينما تواصل إسرائيل استهداف مواقع استراتيجية داخل العمق الإيراني.
وفي هذا السياق، رأى الخبير العسكري والاستراتيجي الدكتور مهند العزاوي، في حديث خاص لـ"سكاي نيوز عربية"، أن الضربة الأميركية لم تُنهِ المواجهة بل جاءت في إطار "محاولة لفرض توازن سياسي عبر ضربة جراحية"، لكنه أشار إلى أن "الرد الفعلي على الأرض ما زال يُدار تحت سقف المعادلة الصفرية".
إيران أخلت منشآتها.. والضربة لم تكن مفاجِئة
وأكد العزاوي أن إيران كانت مستعدة مسبقا للضربة، موضحًا أن "تحركات مرصودة بالأقمار الصناعية أظهرت نقل مخزون نووي وأجهزة طرد مركزي متقدمة من منشأة فوردو إلى مواقع أخرى"، وهو ما يفسر، بحسب رأيه، غياب أي تسرب إشعاعي أو خسائر كبيرة في البنية النووية.
وأضاف: "الضربة استهدفت المباني والمنشآت، لكن البرنامج لم يُمسّ فعليًا، فالمعرفة والتقنية والعقول لا تزال قائمة، والقطاع النووي الإيراني لم يتوقف عن العمل".
ورغم أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصف الهجوم بأنه "ساحق وناجح"، فإن تقييم نتائجه العسكرية لا يزال، وفق العزاوي، غير محسوم.
وقال: "استخدام قنابل خارقة للتحصينات بحجم GBU-57 يعني نظريا تدميرا كبيرا، لكن لا دلائل مصورة تؤكد انهيار البنية التحتية النووية بالكامل".
واعتبر العزاوي أن الهدف من الضربة كان سياسياً أكثر من كونه عسكريًا، قائلاً: "ترامب راهن على ضربة واحدة تُحدث صدمة وتفتح باب التفاوض، لكن استمرار التصعيد الإسرائيلي يُفرغ هذا الرهان من مضمونه".
إسرائيل تُصعّد.. وطهران تردّ بحذر
أشار العزاوي إلى أن إسرائيل وسّعت عملياتها بعد الضربة الأميركية، مستهدفة مواقع عسكرية في الأحواز وعمق الأراضي الإيرانية، مما يعكس، بحسبه، أن "تل أبيب تنفذ استراتيجية استنزاف، تتجاوز المنشآت النووية إلى ضرب البنى التحتية للقيادة والسيطرة داخل إيران".
في المقابل، قال إن الرد الإيراني جاء محدودا ومدروسا، مؤكداً أن "طهران لا ترغب في التصعيد المفتوح، بل تمارس سياسة رد متوازن، يحفظ لها الهيبة دون تجاوز خطوط الخطر".
رسائل طمأنة.. وتحولات في العقيدة النووية
أوضح العزاوي أن التصريحات الصادرة عن منظمة الطاقة الذرية الإيرانية تهدف إلى "طمأنة الداخل وتأكيد الاستمرارية"، لكنه لفت إلى أن التقارير الدولية تشير إلى امتلاك طهران منشآت نووية غير مُعلنة، وربما إلى تعديل في عقيدتها النووية.
وأضاف: "هناك فرق بين التفكير في امتلاك السلاح، وبين امتلاك القدرة على استخدامه. لكن الواضح أن إيران قريبة من العتبة النووية، وإن لم تعلن ذلك صراحة".
لا نية إيرانية للتصعيد.. ولكن مع الاحتفاظ بحق الرد
وحول ما إذا كانت إيران سترد عسكريا بشكل واسع، قال العزاوي إن "المؤشرات الحالية تدل على أن الرد قد تم صباح الضربة، عبر إطلاق صواريخ محدودة، وقد تعتبره كافياً"، موضحاً أن "إيران تمارس ضبط النفس وتنتظر، وتحاول استخدام الدبلوماسية الخلفية بالتوازي مع الرد المحدود".
وأشار إلى أن طهران "لا تريد جرّ المنطقة إلى حرب شاملة"، لكنها تسعى "لإبقاء ملفها النووي فاعلاً في المعادلة السياسية من دون تفجير الوضع ميدانياً".
الضربة الأميركية لم تُنهِ المعركة
اختتم العزاوي حديثه بالقول: "الضربة لم تُنهِ المعركة، بل فتحت فصلاً جديدًا في إدارة الاشتباك. فإسرائيل لا تزال تضرب، وإيران ترد بحدود، والولايات المتحدة تراقب المشهد وتعيد تقييم استراتيجيتها".
وأضاف: "ما نشهده هو إدارة للأزمة لا نهاية لها في الأفق القريب، والقرار الإيراني حتى اللحظة هو التهدئة من دون استسلام... والردع المتبادل مستمر، لكن في مساحة رمادية قد تتسع في أي لحظة".
أخبار متعلقة :