في عمق الخلافات المتصاعدة بين إيران وإسرائيل، يتأرجح مضيق هرمز على حافة الاشتعال، كمسرح جيوسياسي يعيد تشكيل خريطة الطاقة العالمية.
الممر البحري الحيوي، الذي تمرّ عبره حوالي 18 مليون برميل من النفط الخام والمنتجات النفطية يومياً، ما يمثل نحو 39 بالمئة من تجارة النفط الخام المنقول بحراً، لم يعد مجرد معبر استراتيجي، بل تحول إلى أداة ضغط وحرب تهديدات متبادلة، قد تغيّر ميزان الأسواق الدولية إذا اختلّت موازينه.
عصب نفطي مهدد بالشلل
يُعد مضيق هرمز شرياناً حيوياً للاقتصاد العالمي، حيث تمرّ عبره أيضاً 80 مليون طن من الغاز المسال سنوياً، أي ما يمثل قرابة 19 بالمئة من تجارة الغاز الطبيعي المنقولة بحراً، بالإضافة إلى تمركز نحو 10 بالمئة من أسطول ناقلات النفط العملاقة (VLCC) فيه بشكل دائم.
هذا التمركز الكثيف للإمدادات، يجعل من المضيق "صمام أمان الطاقة العالمية"، لكنّه يقف اليوم على صفيح ساخن في ظل التصعيد العسكري والاقتصادي المتبادل بين تل أبيب وطهران.
النفط تحت التهديد: السوق تترقب القفزة الكبرى
ومع التلويح الإيراني المتكرر بخيار إغلاق المضيق، عادت المخاوف من انفلات أسعار النفط للواجهة. بحسب توقعات بنك جي بي مورغان، فإن التصعيد العسكري في هرمز يمكن أن يدفع الأسعار إلى أكثر من 130 دولارًا للبرميل، في حال تعطّلت الإمدادات فعلاً.
في تصريح لـ"سكاي نيوز عربية"، أكد بشار الحلبي، محلل أسواق النفط والطاقة في شركة Argus، أن السوق العالمي يعيش على "هامش أمان هش"، موضحاً أن: "اللعبة باتت واضحة: طالما لم يُستهدف الإمداد النفطي، فإن السوق تبقى تحت السيطرة... لكن لحظة المساس بالإمدادات، تبدأ دوامة التأثيرات العميقة."
ويضيف أن إيران تنتج نحو 3.3 مليون برميل يومياً، وتُصدّر ما بين 1.6 إلى 1.8 مليون برميل، معظمها إلى الصين بسعر مخفّض يصل إلى 20 دولارًا أقل من السعر العالمي. الأمر الذي يجعل طهران حذرة للغاية، إذ أن فقدان الزبون الصيني سيكون بمثابة ضربة مزدوجة: اقتصادية وجيوسياسية.
إسرائيل تضرب الاقتصاد الإيراني... لا المنشآت فقط
في تطور لافت، اتخذت العمليات الإسرائيلية طابعاً دقيقًا، إذ استهدفت منشآت حيوية للطاقة داخل إيران، منها مصافي نفط ومستودعات وقود وحقل "بارس " المشترك مع قطر.
وبحسب معلومات متقاطعة، أدّت إحدى الضربات إلى تراجع إنتاج الغاز الطبيعي بنحو 12 مليون متر مكعب يومياً. ورغم أن هذا الرقم قد يبدو صغيراً، إلا أن الحلبي يرى فيه "ضربة رمزية ذات وقع اقتصادي مؤلم"، قائلاً:
"إسرائيل باتت تلعب على وتر الضغط الاقتصادي، لخلق بيئة داخلية غير مستقرة في إيران، خاصة في ظل أزمة البنزين وطوابير الوقود والنزوح من العاصمة."
مضيق هرمز: الورقة الأخيرة بيد طهران
لكن هل ستُقدِم إيران فعلاً على إغلاق المضيق؟ يؤكد محمد الزغول، مدير وحدة الدراسات الإيرانية في مركز الإمارات للسياسات، أن هذا الاحتمال قائم في خضم حديثه، لكنه "خيار نووي محفوف بالمخاطر"، مشدداً على أن:
"التهديد بإغلاق المضيق هو الورقة الأخيرة، ولن تُستخدم إلا إذا وصل النظام الإيراني إلى الحافة... أي خطوة من هذا النوع ستدفع نحو تدخلات دولية شاملة، وتُلحق أذى كبيراً باقتصاد إيران نفسه."
ويرى الزغول أن العقيدة العسكرية الإيرانية ترتكز على "الحروب غير المتكافئة" باستخدام أذرع مثل الحوثيين وحزب الله، لكن إسرائيل نجحت، وفق رأيه، في تحييد هذا التهديد عبر عمليات استباقية في سوريا ولبنان.
هل تتحرّك الرياض وأبوظبي؟
في هذه المعادلة المضطربة، تبرز السعودية والإمارات كطرفين قادرين على التدخل لتعويض النقص في الإمدادات، باعتبارهما الدولتين الوحيدتين في "أوبك" القادرتين على رفع الإنتاج فورياً.
لكن بشار الحلبي ينبه إلى أن هذا القرار ليس "فنياً فقط، بل سياسي بامتياز". ويضيف:
"أي استجابة سريعة قد تُفهم كتحيّز سياسي لطرف دون آخر، وهو ما قد تتجنبه العواصم الخليجية الساعية إلى التوازن بين علاقاتها مع طهران وواشنطن."
واشنطن... بين النفط والسياسة
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة أصبحت شبه مكتفية من الطاقة، فإنها تظل حساسة تجاه تقلبات الأسعار. يقول الحلبي:
"ارتفاع الأسعار يؤثر على المستهلك الأميركي، وعلى الاقتصاد، وعلى أصوات الناخبين... وهو ما يشكّل ضغطاً مباشراً على إدارة ترامب."
ويلفت إلى أن من مسؤوليات واشنطن التاريخية تأمين الممرات المائية الدولية، وبالتالي فإن أي تهديد لمضيق هرمز أو باب المندب سيستدعي ردًّا أميركيًا، ليس دفاعاً عن السوق فقط، بل عن دورها الجيوسياسي العالمي.
منطق الردع يتفوّق على الحرب الشاملة
يرى الزغول أن إسرائيل باتت تميل إلى الاستنزاف الاقتصادي لا العسكري، في محاولة لتقويض الداخل الإيراني دون الدخول في مواجهة إقليمية واسعة.
ويقول: "إيران رغم العقوبات، ليست دولة منبوذة بالكامل. لكن أي تصعيد كبير كإغلاق المضيق سيُظهرها كعدو للكوكب بأكمله، ويدفع المجتمع الدولي إلى تشكيل تحالف لحماية خطوط الإمداد."
السيناريوهات: تصعيد خطير أم تسوية مشروطة؟
الوضع الحالي مفتوح على عدة احتمالات، كما يلي:
توسيع رقعة الصراع، خاصة إذا استمرت الضربات النوعية داخل إيران. تهدئة مؤقتة أو تسوية غير مباشرة، قد تلعب فيها الصين أو الاتحاد الأوروبي دور الوسيط.ويختم الزغول تحليله بالتأكيد على أن: "كل طرف يختبر حدود الآخر... لكن التصعيد المستمر غير مستدام اقتصاديًا، لا لإيران ولا لإسرائيل، وقد نشهد تحوّلًا كبيرًا خلال أسابيع قليلة."
النفط رهينة الجغرافيا السياسية
في مشهد تتداخل فيه خطوط الأنابيب مع خطوط النار، بات النفط رهينة مباشرة لصراع مفتوح، يهدد بتحويل الأسواق العالمية إلى رهائن لحروب إقليمية. مضيق هرمز لم يعد مجرد ممر مائي، بل بات مؤشرًا حساسًا، كل اهتزاز فيه قد ينعكس على ملايين المستهلكين حول العالم.
أخبار متعلقة :