نتنياهو بين كماشة العزلة الدولية والغليان الداخلي - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

في وقت تتصاعد فيه نيران الحرب على غزة، وتتوالى التنديدات الدولية بعمليات إسرائيل العسكرية، وتضرب صواريخ الحوثيين قلب تل أبيب، يجد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو نفسه محاصرًا على جبهتين: خارجية تنذر بمزيد من العزلة الدولية، وداخلية تتجه نحو صدام قد لا يكون قابلاً للاحتواء.

وبينما يشير كثيرون إلى فقدانه السيطرة على مفاصل الحكم، يخرج مندي صفدي، العضو المركزي في حزب الليكود، مدافعا بشدة عن شرعية قرارات نتنياهو، متهمًا المعارضة بمحاولة التفاف يائس على نتائج الديمقراطية.

"أزمة يسارية"... لا أزمة حكومية؟

في مداخلة له على "سكاي نيوز عربية"، اختصر رئيس مركز صفدي للديبلوماسية الدولية والأبحاث وعضو مركزي في حزب الليكود، مندي صفدي، المشهد برؤية مغايرة، حيث أكد أن ما يحدث ليس سوى "غضب يساري" متكرر بسبب عجز المعارضة عن الإطاحة بنتنياهو عبر صناديق الاقتراع.

وبحسبه، فإن اليسار الإسرائيلي بات "يجدد أسباب التظاهر" وفقًا للمستجدات، دون أن ينجح في تحقيق أي مكاسب ملموسة، لا سياسية ولا جماهيرية. "الغضب الوحيد أو الأزمة الوحيدة الموجودة في إسرائيل أن اليسار الإسرائيلي لم يستطيع منذ سنوات طويلة أن يتغلب على نتنياهو في الانتخابات"، قال صفدي بلهجة واثقة، مضيفًا: "أولئك الذين فشلوا ديمقراطيا، يهاجمون الحكومة كل مرة تحت شعار جديد".

هذه الرواية، رغم قوتها لدى جمهور اليمين، تقف على طرف نقيض مع ما تشهده شوارع تل أبيب من حشود غاضبة، ومواجهات دامية بين المتظاهرين والشرطة، وتصريحات قادة أكاديميين وأمنيين سابقين تحذر من انهيار المنظومة الديمقراطية.

زيني والشباك.. تعيين يتحول إلى صاعق انفجار

أحد أكثر القرارات إثارة للجدل في الآونة الأخيرة كان إعلان نتنياهو تعيين ديفيد زيني رئيسا لجهاز الأمن الداخلي "الشاباك"، رغم قرار قضائي بتجميد التعيين. هذه الخطوة وصفتها المدعية العامة بأنها "معيبة"، بينما رأى رئيس جامعة تل أبيب، أريئيل بورات، أن المضي بهذا التعيين قد يؤدي إلى "حرب أهلية".

لكن صفدي يرفض هذه القراءة بالمطلق. فهو يرى أن تعيين زيني "تم بحسب القانون الإسرائيلي"، مشيرا إلى أن رئيس الحكومة هو من يقدم المرشح، والحكومة تصوت عليه.

وأضاف أن الاعتراضات القضائية ليست سوى "تدخلات غير مقبولة"، معتبرا أن المعركة الحقيقية هي مع يسار عاجز عن كسب ثقة الناخبين. "هذا أمر سياسي وليس قضائي أبدًا"، قال صفدي، في إشارة إلى اعتراضات المحكمة العليا، وتابع: "لم يخترقوا أي قرارات قضائية... كل تعديل أو تغيير أتى من قبل القضاة، وليس من قبل الحكومة".

ويثير هذا الدفاع الصلب عن صلاحيات الحكومة تساؤلات حول مفهوم الفصل بين السلطات في إسرائيل، إذ يشير صفدي إلى أن "إسرائيل تعمل بحسب دستور"، ويضيف: "من لا يرضى بهذا الدستور أو بهذه القوانين فليتفضل ديمقراطيا يغيرها".

الشارع الإسرائيلي يغلي.. والمعارضة تشتعل

في الميدان، لا يبدو أن سردية صفدي تلقى إجماعا. الآلاف يتظاهرون أسبوعيا ضد سياسات نتنياهو، وسط اتهامات بتقويض النظام القضائي، وتضحية بأرواح الجنود والأسرى من أجل مكاسب سياسية.

في تل أبيب، تحولت بعض التظاهرات إلى مواجهات عنيفة، تعكس هشاشة الداخل الإسرائيلي.

أما صفدي، فيرى أن تلك الاحتجاجات ليست سوى محاولة من قلة تدعي تمثيل الاحتياط العسكري والأكاديميين دون تفويض حقيقي. وقال: "اليوم من السهل أن يأتي أي شخص ويقول أنا أمثل الجنود الاحتياط.. لكن على أرض الواقع هو يمثل نفسه".

ويشدد على أن الاحتياط في إسرائيل يمثلون كافة أطياف المجتمع، من اليمين واليسار والمركز، محذرا من تسويق صورة خاطئة بأن الجميع ضد نتنياهو.

الهجوم الحوثي.. بين التهديد والتهوين

في خضم هذا التوتر الداخلي، جاء استهداف الحوثيين لمطار بن غوريون بصاروخ باليستي ليزيد من تعقيد المشهد. وبينما أعلنت الجماعة اليمنية مسؤوليتها وتوعدت بمزيد من الضربات، حاول صفدي التقليل من شأن التأثير الفعلي لهذه الهجمات. "الصواريخ الحوثية لا تصل إلى الأراضي الإسرائيلية.. فهي تتفجر في الجو دائما"، قال بثقة، مضيفا: "لا يوجد أي تعطيل لمطار بن غوريون.. إذا أردتم أن ترسلوا مصورا فستجدونه مليئا بالمسافرين".

واعتبر أن الحديث عن الشلل في حركة المطار مجرد "ترويج إعلامي"، لا يعكس الواقع على الأرض، مشيرا إلى أن أقصى ما يحدث هو توقف مؤقت "لعشر دقائق أو نصف ساعة" عند الإنذار.

الداخل ينفجر.. والجيش أداة في المعركة؟

من علامات التصدع الداخلي، إصدار وزير الدفاع يسرائيل كاتس توجيهات بمنع الجنرال يائير جولان من دخول قواعد الجيش وارتداء الزي العسكري، بعد تصريح مثير له اتهم فيه الجيش "بقتل الأطفال كهواية في غزة"، وأن إسرائيل "في طريقها إلى العزلة الدولية".

في المقابل، قال جولان إن ظهوره الأخير بالزي العسكري كان يوم السابع من أكتوبر "لإنقاذ المدنيين الذين قتلوا بسبب فشل الحكومة". تعليقاته سلطت الضوء على مدى التآكل داخل المؤسسة العسكرية، وهو ما وصفه إيهود باراك بأنه بداية "تفكيك الدولة من الداخل".

لكن صفدي يرفض وصف الأمر بالانقسام الخطير، ويؤكد على أن "الصلاحيات الحكومية تأتي من الشعب"، مشددًا على أن "الحكومة لم تخالف القانون" بل تعمل ضمن الصلاحيات الممنوحة لها ديمقراطيًا.

خطاب العنف.. من يزرع الفتنة؟

لم يوفر صفدي خصوم نتنياهو السياسيين، خصوصا إيهود باراك وإيهود أولمرت، متهمًا إياهم باستخدام "العنف السياسي"، ما يؤدي إلى "اشمئزاز الشعب منهم"، على حد قوله. واعتبر أن خطاب اليسار "وصل إلى مستويات دنيئة"، لا تخدم أحدًا، بل تهدد استقرار البلاد.

ويذهب إلى أبعد من ذلك بالقول إن ما يحدث اليوم هو محاولات منظمة من اليسار لتقويض حكومة شرعية انتخبها الشعب، مشددا على أن "نتنياهو باق وسيبقى على الأقل لمرحلة انتخابية واحدة جديدة"، في تعبير واضح عن ثقة الحزب الحاكم في تجاوز هذه العاصفة.

أزمة حكم.. أم بداية نهاية؟

في هذا الخضم المحتدم، تبدو إسرائيل وكأنها تقف على مفترق طرق خطير. من جهة، حكومة تتسلح بشرعية صناديق الاقتراع، وتتهم المعارضة بالعجز السياسي؛ ومن جهة أخرى، قضاء يعترض، وشارع يغلي، ومؤسسات أكاديمية وعسكرية تحذر من التفكك.

تصريحات مندي صفدي تقدم صورة واثقة لحكومة تحاول الدفاع عن نفسها وسط بحر من الانتقادات، لكنها تعكس أيضًا حجم الهوة بين رواية الحكومة والواقع الشعبي والقانوني في البلاد. فإذا كانت حكومة نتنياهو لم تفقد السيطرة بعد، فإن مؤشرات التفكك، كما يرى بعض معارضيه، باتت أكثر من مجرد ملاحظات عابرة.

ففي كل مرة يتحدى فيها نتنياهو القضاء، أو يتجاهل موجة احتجاج جديدة، يزداد الانقسام الداخلي اتساعًا، وتتعزز فرضية أن إسرائيل، كما قال إيهود باراك، تسير بخطى ثابتة نحو "تفكيك النظام الديمقراطي".

وفي ظل الصواريخ القادمة من اليمن، والانقسام في الشارع، وتحدي قرارات المحكمة، يبقى السؤال مفتوحًا: هل بدأ العد التنازلي لنهاية سلطة نتنياهو؟ أم أن الرجل الذي واجه أزمات لا تُعد، سيجد طريقه مجددًا نحو البقاء؟

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق