يشهد العالم اليوم تحولاً سريعاً في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، مما يعيد رسم ملامح الاقتصاد العالمي، في وقت أصبحت فيه التقنيات الحديثة محركاً رئيسيًا للابتكار والنمو، مما يفرض على الدول الكبرى التعاون بشكل مكثف لتبادل الخبرات وتطوير استراتيجيات تكنولوجية تدفعها نحو المستقبل. وفي هذا السياق، يعد الذكاء الاصطناعي أحد العوامل الرئيسية التي تحدد التوجهات الاقتصادية والجيوسياسية في مختلف أنحاء
وفي هذا السياق، تسارع عديد من دول الخليج الخطى لتعزيز تنويع اقتصاداتها عبر الاستثمار في القطاعات التكنولوجية الحديثة. وقد أصبح هذا التحول جزءًا من رؤية استراتيجية تهدف إلى بناء اقتصاد رقمي قادر على المنافسة على الصعيد العالمي.
تسعى دول الخليج، مثل السعودية والإمارات وقطر، إلى تأكيد دورها كمراكز تكنولوجية رائدة عبر استثمارات ضخمة في التكنولوجيا والابتكار.
وفي هذا الإطار، تكتسب العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة ودول الخليج أهمية خاصة، حيث تشهد هذه العلاقات تحولًا كبيرًا نحو التعاون في مجالات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة.
تمثل هذه التحولات نقطة مفصلية في إعادة تشكيل التعاون الاستراتيجي بين الجانبين، مما يعكس إدراكًا متزايدًا من الطرفين لأهمية هذه القطاعات في تحديد ملامح المستقبل الاقتصادي. وجميعها عوامل حاضرة بقوة على طاولة الحوار خلال الجولة التي يقوم بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في المنطقة وتشمل ثلاث دول (السعودية والإمارات وقطر).
ووفق تقرير لـ Arabian Gulf Business Insight، فإنه:
من المتوقع أن يكون الذكاء الاصطناعي على رأس جدول أعمال زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. من المرجح أن تركز المناقشات على تأمين المزيد من استثمارات دول مجلس التعاون الخليجي في التكنولوجيا الأميركية وتوسيع نطاق وصول دول الخليج إلى أشباه الموصلات الأميركية المتقدمة. سيتعين على الشركاء إيجاد أرضية مشتركة بشأن حماية المصالح التجارية الخليجية ومخاوف الأمن القومي الأميركي المرتبطة بالصين، بحسب مراقبي الصناعة.وينقل التقرير عن الشريكة في ماير براون في واشنطن، ثيا كيندلر، قولها: "من المهم أن تشكل الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي شراكات وثيقة في مجال التقنيات ذات المغزى للأمن القومي عندما تتوافق مصالحنا".
وقد تعهدت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة باستثمارات مستقبلية في أميركا بقيمة 2 تريليون دولار منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض، ومعظمها للتكنولوجيات الحساسة.
وسوف يعتمد حجم هذه التعهدات التي سيتم تحقيقها جزئيا على كيفية تقييم لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة، التي تقودها وزارة الخزانة، لتأثيرها على الأمن القومي، وفق التقرير، الذي يشير إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي تهدف إلى بناء أنظمة الذكاء الاصطناعي الخاصة بها والتي تعد رائدة عالمياً، الأمر الذي يتطلب منها الحصول على أشباه الموصلات الأفضل في فئتها.
وفرضت إدارة بايدن قيودًا على مبيعات أشباه الموصلات الأميركية إلى الشرق الأوسط. وأدت المفاوضات بعد ذلك إلى اتفاق بين شركة G42 الإماراتية لتطوير الذكاء الاصطناعي ومايكروسوفت.
وتبع ذلك اتفاقيات بين صندوق الاستثمارات العامة في المملكة العربية السعودية وغوغل، وشركة MGX الإماراتية و Open AI في أبوظبي، والحكومة القطرية وشركة Scale AI ومقرها كاليفورنيا.
محور رئيسي
من جانبه، يقول العضو المنتدب لشركة "آي دي تي" للاستشارات والنظم التكنولوجية، محمد سعيد، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
"الزيارة المرتقبة للرئيس الأميركي إلى دول الخليج هذا العام، والتي تشمل السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، تمثّل تحوّلًا نوعيًا في طبيعة العلاقة بين واشنطن والمنطقة". مع بروز الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا كمحورين رئيسيين في المشهدين الاقتصادي والسياسي العالمي، أصبح من الواضح أن هذه الزيارة تتجاوز كونها جولة دبلوماسية اعتيادية. ما نراه اليوم هو بداية مرحلة جديدة من التعاون الاستراتيجي، يكون فيه الذكاء الاصطناعي في قلب التفاهمات بين الجانبين. دول الخليج، وتحديداً السعودية والإمارات، تسعى بجدية إلى بناء اقتصادات معرفية متنوعة، بعيداً عن الاعتماد الكامل على النفط، وهذا ما جعلها من أوائل الدول التي استثمرت بشكل مكثف في الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة. على سبيل المثال، التزمت الإمارات باستثمار نحو 1.4 تريليون دولار في الولايات المتحدة خلال السنوات العشر المقبلة، تشمل قطاعات حيوية مثل الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات والطاقة والتصنيع. والسعودية أيضاً تخطط لاستثمارات ضخمة في نفس المجالات، وهو ما يعكس رؤية موحدة بين الجانبين لأهمية هذه القطاعات في قيادة النمو الاقتصادي المستقبلي.ويضيف: هذه الزيارة تمثل فرصة حقيقية لتعزيز الشراكات بين الشركات الأميركية الكبرى العاملة في مجال التكنولوجيا ودول الخليج التي تعمل على ترسيخ مكانتها كمراكز عالمية للابتكار.
وهناك أيضاً حديث جدي عن تخفيف محتمل للقيود الأميركية المفروضة على تصدير الرقائق المتقدمة الخاصة بالذكاء الاصطناعي إلى المنطقة، وهو أمر بالغ الأهمية لأن أشباه الموصلات المتطورة تُعد العمود الفقري لأي بنية تحتية متقدمة في هذا المجال.
ويستطرد: "بطبيعة الحال، ستكون هناك مفاوضات دقيقة حول كيفية تحقيق التوازن بين رغبة دول الخليج في الوصول إلى أحدث التقنيات، وبين حرص واشنطن على حماية تكنولوجياتها الحساسة من الانتقال إلى أطراف أخرى مثل الصين"، مشدداً على أن الإدارة الأميركية حريصة على ضمان أن أي تعاون في هذا المجال يصب في مصلحة أمنها القومي.
ومن اللافت أن الرئيس ترامب سيصل السعودية بصحبة وفد رفيع المستوى من كبار التنفيذيين في شركات الأميركية، وهو ما يعكس بوضوح أن ملف الذكاء الاصطناعي أصبح في صميم العلاقة الاستراتيجية الجديدة بين الولايات المتحدة ودول الخليج. الهدف لم يعد مجرد نقل التكنولوجيا، بل بناء شراكات استراتيجية طويلة الأمد تُرسّخ لدول الخليج مكانة محورية في الاقتصاد الرقمي العالمي. هذه الزيارة هي مؤشر قوي على ان الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا لم يعدا مجرد مفاهيم نظريه بل ادوات حقيقيه لاعاده رسم التحالفات الاقتصاديه واعاده تنويع النفوذ على مستوى النظام العالمي بأكمله.الرقائق
وكان تقرير سابق لـ "بلومبيرغ" قد كشف عن أن الولايات المتحدة تدرس تخفيف القيود المفروضة على مبيعات شركة إنفيديا إلى الإمارات، وذلك نقلاً عن مصادر مطلعة على الأمر، قالوا إن: الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد يعلن عن بدء العمل على صفقة الرقائق الثنائية خلال رحلته المقبلة إلى الخليج.
وفيما لم يُحسم أي شيء رسمياً بعد، فإن المصادر ذكرت أن النقاش حول قواعد تجارة أشباه الموصلات للإمارات العربية المتحدة ودول أخرى لا يزال مستمراً في واشنطن. وأفادوا بأن المحادثات حول تعديل القيود المفروضة على شرائح الذكاء الاصطناعي للإمارات تحديداً تكتسب زخمًا في كل من وزارة التجارة والبيت الأبيض.
ويعد الاستثمار في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي محور رئيسي في علاقات البلدين. ويشار في هذا السياق على سبيل المثال إلى دور مجموعة الذكاء الاصطناعي G42، والتي نقلت تقارير إعلامية أخيراً عن أنها من المقرر أن تتوسع في الولايات المتحدة، حيث تخطط الإمارات لاستثمار عشرات المليارات من الدولارات في البلاد ووضع نفسها كقائد عالمي في التكنولوجيا الناشئة. وقد أنشأت شركة الذكاء الاصطناعي مؤخراً شركة أميركية كجزء من خطوة لزيادة وجودها في البلاد، وفقاً للإيداعات المؤسسية.
وبحسب صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، فإن المجموعة المدعومة من شركة مبادلة للاستثمار، المستثمر السيادي في أبوظبي، ذكرت أنها "ملتزمة بتوسيع السوق الأميركية وأنشأت كياناً قانونياً لتحقيق هذه الاستراتيجية".
تعزيز الشراكة
المستشار الأكاديمي في جامعة "سان خوسيه" الحكومية في كاليفورنيا، أحمد بانافع، يقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
خلال زيارة الرئيس الأميركي إلى منطقة الخليج، يبرز الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة كعناصر أساسية في محادثات التعاون الاقتصادي بين الولايات المتحدة ودول الخليج، وعلى رأسها السعودية، الإمارات، وقطر. سوف تشهدت الزيارة توجهًا واضحًا نحو تعزيز الشراكات الاستثمارية في المجالات الرقمية والتكنولوجية. أعلنت دول الخليج عن خطط لاستثمار مبالغ ضخمة داخل الاقتصاد الأميركي، مع تعهد السعودية بضخ ما يقارب 600 مليار دولار، والإمارات بحوالي 1.4 تريليون دولار. تركز هذه الاستثمارات بشكل كبير على قطاعات الذكاء الاصطناعي، الدفاع، والتقنيات المتطورة، مما يعكس اهتمامًا كبيرًا من دول الخليج بالحصول على أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا الأميركية.ويستطرد: "زيارة ترامب إلى الخليج سوف تسلط الضوء على الأهمية المتزايدة للذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا في العلاقات الاستراتيجية بين واشنطن وعواصم الخليج"، مشيراً إلى أن هذا التحول يعكس إدراكًا متبادلًا بأن المستقبل الاقتصادي والعلمي سيتشكل من خلال هذه المجالات، وليس فقط من خلال النفط والدفاع كما كان في السابق.
محطة استراتيجية
أستاذ علم الحاسوب وخبير الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المعلومات في السيليكون فالي كاليفورنيا، الدكتور حسين العمري، يقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
تشكل زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى منطقة الخليج محطة استراتيجية بالغة الأهمية. يبرز الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا كمحورين رئيسيين في مسار العلاقات الأمريكية الخليجية. لم تعد ملفات التعاون تقتصر على الطاقة والأمن، بل بات الابتكار والتفوق التكنولوجي في صدارة المشهد.الذكاء الاصطناعي أداة للنفوذ الجيوسياسي
ويضيف:
تشهد دول الخليج، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، سباقاً محموماً لتعزيز مكانتها كمراكز عالمية في تقنيات الذكاء الاصطناعي. أطلقت السعودية مؤخراً شركة "هيومن" (Humain) المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة، لتطوير نماذج لغوية عربية متقدمة وتوسيع البنية التحتية للذكاء الاصطناعي. تسعى هذه الدول للحصول على تقنيات أميركية متقدمة، وفي مقدمتها رقائق إنفيديا، لدعم طموحاتها التقنية. تُشير التوقعات إلى أن زيارة ترامب قد تسهم في تخفيف القيود الأميركية المفروضة على تصدير هذه التقنيات، مما سيمهد الطريق لتعزيز التعاون التقني على أعلى المستويات.استثمارات ضخمة في التكنولوجيا
ترافق زيارة ترامب مبادرات استثمارية غير مسبوقة. فقد تعهدت السعودية بضخ ما يصل إلى 600 مليار دولار في الاقتصاد الأميركي، بينما تخطط الإمارات لاستثمارات تتجاوز 1.4 تريليون دولار على مدار عقد، تتركز في قطاعات التكنولوجيا المتقدمة والطاقة المتجددة.
وتتزامن الزيارة مع انعقاد منتدى الاستثمار السعودي-الأميركي، الذي يضم كبار قادة شركات التكنولوجيا الأميركية، في مشهد يعكس تحول التكنولوجيا إلى أداة دبلوماسية واقتصادية محورية في العلاقات الثنائية.
تحوّل في التحالفات الإقليمية
ويستطرد العمر: تشير مؤشرات عدة إلى رغبة دول الخليج في تقليل اعتمادها على الصين في قطاع التكنولوجيا، من خلال توثيق شراكاتها مع الولايات المتحدة. في المقابل، تسعى إدارة ترامب إلى توسيع حضورها الإقليمي عبر دعم مشاريع كبرى مثل "ستارغيت"، الذي يهدف لاستثمار 500 مليار دولار في تطوير بنية تحتية متقدمة للذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة، مدعومًا برؤوس أموال خليجية.
0 تعليق