في عمق الجنوب اليمني، وبعيدًا عن المدن الساحلية التي كانت تحت سيطرة بريطانيا، برز سلطان من أبناء منطقة المحفد في محافظة أبين يُدعى "القميري". لم يكن زعيمًا عاديًا، بل كان من القلائل الذين رفضوا الانحناء أمام القوة الاستعمارية، في وقت كان فيه معظم الزعماء المحليين يخضعون للاتفاقيات البريطانية التي فرضت الحماية والوصاية على المناطق الجنوبية.
تكتيك لا يُصدق: كيف أنشأ دولة موازية؟
في مواجهة الاستعمار، لم يعتمد السلطان القميري على القوة العسكرية فقط، بل لجأ إلى تكتيك فريد من نوعه. أنشأ بنية حكم موازية داخل منطقته، وقام بفرض ضرائب وجمارك داخلية على القوافل التجارية البريطانية التي تمر بأرضه، في تحدٍّ صريح للسلطة الاستعمارية. الأدهى من ذلك، أنه تواصل رسميًا مع القنصل البريطاني في عدن برسائل يطالبه فيها بالانسحاب من الأراضي اليمنية، وهو تصرف نادر من زعيم قبلي في تلك الحقبة.
لحظة الغموض: أين اختفى السلطان القميري؟
في عام 1934، وبعد سلسلة من التوترات والاحتكاكات العسكرية المحدودة بين قواته والجيش البريطاني، اختفى السلطان القميري بشكل مفاجئ وغامض. لم تُسجل أي مواجهة مباشرة أدت إلى مقتله، كما لم تُعلن السلطات البريطانية عن أسره أو نفيه رسميًا. بعض المصادر غير المؤكدة تقول إنه اغتيل في عملية سرية، بينما تفيد روايات أخرى بأنه نُقل خلسة إلى الهند أو عُمان وظل في المنفى حتى وفاته.
لماذا غابت قصته عن السجلات؟
رغم شجاعته ونضاله، لم تجد قصة السلطان القميري طريقها إلى المناهج أو الكتب التاريخية الرسمية، لأن الوثائق البريطانية عادة ما تجاهلت الزعماء الذين تمردوا على وجودها، وركّزت فقط على من وقّعوا الاتفاقيات معها. من جهة أخرى، ضاعت الكثير من الوثائق اليمنية المحلية بفعل الحروب الأهلية والصراعات المستمرة التي اجتاحت اليمن، ما جعل مصير هذا القائد طي النسيان.
قصة تستحق التوثيق: رمز لمقاومة مجهولة
قصة السلطان القميري تُعتبر نموذجًا فريدًا لمقاومة محلية ذكية وغير تقليدية ضد واحدة من أقوى الإمبراطوريات الاستعمارية في العالم. ورغم مرور ما يقرب من قرن على اختفائه، إلا أن الغموض الذي يلف مصيره يجعل منه أحد أكثر الشخصيات إثارة في تاريخ الجنوب اليمني الحديث، ويطرح تساؤلات عن مصير الزعماء الذين اختفوا لأنهم رفضوا التبعية.
0 تعليق