في تصعيد جديد يُظهر استمرار التدهور الحاد للنظام الصحي في اليمن، أقدمت ميليشيا الحوثي الإيرانية على اختطاف أحد أشهر جراحي المخ والأعصاب في البلاد، الدكتور عدنان عبدالله العواضي، واقتادته إلى جهة مجهولة. الحادثة التي تمت بشكل تعسفي وبأوامر مباشرة من قيادي حوثي، تأتي في ظل تزايد الانتهاكات ضد الكوادر الطبية، ما يثير القلق بشأن مستقبل الخدمات الصحية في البلاد.
تفاصيل الواقعة
أفادت مصادر صحية في العاصمة صنعاء أن قوة تابعة لميليشيا الحوثي قامت باختطاف الدكتور عدنان العواضي، الأحد الماضي، بتوجيهات من وكيل نيابة جنوب غرب الأمانة، القيادي الحوثي خالد الجرموزي.
وتبرر الميليشيا هذا الإجراء بأنه جاء بهدف إجبار العواضي على حضور جلسة محاكمة كانت مقررة يوم الاثنين، ضمن قضية مرفوعة ضده منذ نحو أربعة أشهر.
القضية تتعلق بوفاة شاب يدعى نصر الله هلال علي يحيى عقب عملية جراحية أجراها له العواضي. ومع ذلك، يشير المراقبون إلى أن القضية تحمل طابعاً سياسياً وقانونياً مشبوهاً، حيث إن مثل هذه الحالات الطبية غالباً ما يتم التعامل معها داخل الأطر المهنية والقانونية دون اللجوء إلى أساليب ترهيب أو اعتقال.
مكانة الدكتور العواضي وأهميته المهنية
يُعد الدكتور عدنان العواضي واحداً من أبرز جراحي المخ والأعصاب في اليمن، ويتمتع بسمعة علمية ومهنية كبيرة تمتد إلى سنوات طويلة من العمل الدؤوب.
يشغل العواضي عدة مناصب مرموقة، منها رئيس قسم جراحة المخ والأعصاب في مستشفى الثورة العام بأمانة العاصمة، وأستاذ مساعد في كلية الطب، ومدرب معتمد دوليًا، فضلاً عن كونه عضواً في الجمعية العالمية لجراحة المخ والأعصاب.
رغم مكانته العلمية والمهنية، تعرض العواضي لعملية اعتقال وصفت بأنها "مهينة"، حيث تم سحبه من مكان عمله بطريقة غير قانونية.
وقد عبر الطبيب المعروف عن خيبة أمله العميقة عبر منشور على صفحته الشخصية في "فيسبوك"، قائلاً: "وأسفي على جمعيات ونقابة الأطباء ووزارة الصحة وممثلي المؤسسات الصحية. جميعهم هباء" ، في إشارة واضحة إلى غياب أي دور مؤثر لهذه الجهات في الدفاع عن حقوق الأطباء.
ردود الفعل المحلية
أثارت هذه الحادثة ردود فعل غاضبة ومستنكرة من قبل نقابات الأطباء ومنظمات المجتمع المدني. فقد أصدر المكتب التنفيذي الأعلى لنقابة الأطباء والصيادلة اليمنيين بيانًا شديد اللهجة أدان فيه بشدة اعتقال العواضي، وأكد اعتزام النقابة اتخاذ كافة الإجراءات القانونية والدستورية دفاعًا عن الكادر الطبي.
ودعا البيان الأطباء إلى التضامن والوقوف صفاً واحداً لمواجهة هذه الانتهاكات المستمرة.
من جانبها، أدانت جمعية الجراحين اليمنية بشدة هذا الاعتقال، واعتبرته انتهاكًا صارخًا لحقوق الأطباء. وأشارت الجمعية إلى أن استمرار استهداف الكوادر الطبية، خاصة في التخصصات الدقيقة مثل جراحة المخ والأعصاب، يهدد حياة المرضى واستمرارية تدريب الكوادر الطبية الشابة، مما قد يؤدي إلى انهيار النظام الصحي بالكامل.
كما نددت نقابة كوادر التمريض والأطباء بما حدث، محذرة من أن استمرار استهداف الأطباء يمثل تهديداً خطيراً لما تبقى من النظام الصحي الهش في اليمن.
ودعت النقابة إلى وقفة تضامنية عاجلة، معتبرة أن البيئة الصحية في البلاد أصبحت غير صالحة لتقديم خدمات طبية آمنة بسبب الانهيار المتواصل للبنية التحتية للمستشفيات ونقص الإمكانيات اللازمة.
الأبعاد الإنسانية والصحية
يأتي هذا الاعتداء على الطبيب العواضي في وقت يعاني فيه القطاع الصحي في اليمن من تدهور غير مسبوق نتيجة الحرب المستمرة منذ سنوات.
حيث تواجه المستشفيات نقصاً حاداً في الأدوية والمعدات الطبية، بالإضافة إلى تراجع كبير في عدد الكوادر الطبية بسبب الهجرة القسرية أو الاستهداف المباشر.
اختطاف جراح بارز مثل الدكتور العواضي لا يعكس فقط هشاشة النظام الصحي، بل يكشف أيضًا عن السياسات القمعية التي تتبعها ميليشيا الحوثي تجاه المهنيين الذين ينبغي أن يكونوا في مأمن من الانتقام السياسي أو الشخصي.
فالإجراءات التعسفية ضد الأطباء ليست مجرد انتهاك لحقوق الإنسان، بل هي ضربة قوية للمرضى الذين يعتمدون على هذه الكفاءات لإنقاذ حياتهم.
نداء عاجل للتضامن الدولي
في ظل هذه التطورات الخطيرة، هناك حاجة ملحة إلى تدخل دولي وإقليمي لحماية الكوادر الطبية في اليمن. كما يجب على المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان والصحة، مثل منظمة الصحة العالمية ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الضغط على جميع الأطراف المتحاربة لوقف استهداف الأطباء والمرافق الصحية.
ختاماً، فإن استمرار مثل هذه الانتهاكات يضع الجميع أمام مسؤولية تاريخية للتحرك السريع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من القطاع الصحي في اليمن، الذي يشكل شريان الحياة الأخير لملايين اليمنيين الذين يعانون من ويلات الحرب والصراع المستمر.
اختطاف الدكتور عدنان العواضي ليس فقط قضية فردية، بل هو انعكاس لواقع مرير يعيشه القطاع الصحي في اليمن.
إذا لم يتم وضع حد لهذه الانتهاكات، فإن الخاسر الأكبر سيكون الشعب اليمني الذي يعاني بالفعل من أزمة إنسانية غير مسبوقة.
0 تعليق