المنامة في 27 أبريل / بنا / بعد حياة ممتدة، اتخذت من العطاء عنوانًا والتوعية مضمونًا وحب الوطن نهجًا وأسلوبًا، رحل عن عالمنا، المقدم المتقاعد والخبير المروري عبدالعزيز بن محمد بن يوسف بوحجي، أحد أبرز الشخصيات العربية على مستوى التوعية المرورية والسلامة على الطريق من خلال أسلوبه الخاص الذي جعله قريبًا من الجميع؛ فالفقيد، رائد التوعية والسلامة المرورية، وعلى صوته نشأت أجيال، اعتادت على مدار عشرات السنين، الاستماع إلى نصائحه المرورية عبر الإذاعة في الصباح.
وإذا كان الموت، قد غيّبه، فسيظل في وجدان وعقل كل بحريني، استفاد من نصائحه وعمل بها، وهو الذي ساهم وبشكل كبير في إطلاق برامج التوعية المرورية عبر الإذاعة والتلفزيون وتقديم محاضرات توعوية في المدارس والمؤسسات المختلفة، و ليس ذلك فحسب بل واصل تقديم برامجه التوعوية بعد تقاعده. وظل طوال حياته المهنية محبوبًا من الجميع. ولم لا؟ وهو الذي ظل مُعدًا ومقدمًا للبرنامج الإذاعي المروري "طريق الأمان" منذ العام 1979 وشارك في إعداد البرنامج التلفزيوني المروري "قف" بإشراف مؤسسة البرنامج المشترك لدول الخليج العربي، كما لم يتوقف عطاؤه الإعلامي عند حد إعداد وتقديم برامج التوعية المرورية، وإنما وضع كتابًا توثيقيًا مهما للغاية في مجال المرور "لمحات من تاريخ المرور في البحرين خلال السنوات 1914 / 1969".
وُلد الفقيد عبدالعزيز بوحجي، بالمحرق عام 1943 ودرس في مدارسها، وفي العام 1966 حصل على دبلوم العلوم الشرطية من كلية الشرطة بجمهورية مصر العربية، ليعمل لاحقًا في إدارة الجمارك، ثم وزارة الداخلية في يوليو 1973 برتبة ملازم بقسم التوعية المرورية بإدارة المرور والترخيص. ومنذ ذلك الحين بدأ اهتمامه بالتوعية المرورية والتي استمر شغفه بها واحترافيته في تقديمها حتى بعد تقاعده عام 2002.
وقدم الراحل برامج عدة منها "مع بوحجي"، و"طريق الأمان" وسكة السلامة، وفي الثمانينات من القرن الماضي، كان في مقدمة الخبراء الخليجيين الذين أشرفوا على تدشين أسبوع المرور الخليجي.
أوسمة وتكريم
يقول الفقيد بوحجي في مقابلة اذاعية خاصة بـــــ "الإعلام الأمني" إن أسبوع المرور برز في عهد مدير المرور الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة عام 1983 "وكان الشيخ عبدالرحمن أول مدير مرور يتسلم الإعداد لأول أسبوع مرور خليجي عقد في الشارقة، وكنت عضوًا ممثلًا للبحرين في لجنة مديري العلاقات في دول الخليج (....) عملنا في أسبوع المرور الثاني على تنظيم الحركة المرورية داخل الدوارات بتوحيد الأفضلية للقادم من جهة اليسار ونجحنا وصارت كل الدوارات موحدة وساهم ذلك في أمان وسلاسة وسهولة في الدوارات وتنظيم الحركة".
تقول السيرة الذاتية للفقيد بوحجي إنه من مؤسسي اللجنة العامة للسلامة على الطريق وشغل منصب أمين السر فيها، كما أسس لجنة التوعية المرورية المدرسية ولجنة المواصلات العامة لأصحاب النقل الثقيل، وقد تم تكريمه بأوسمة عدة منها وسام البحرين من الدرجة الخامسة عام 1986 ووسام تقدير الخدمة العسكرية من الدرجة الأولى عام 1988، ووسام الخدمة الطويلة عام 1989 وجائزة الدولة للعمل الوطني عام 1992 كما حصل بوحجي على درع نادي المحرق كأحد المكرمين من رواد المحرق المبدعين عام 1996.
شهادات للتاريخ
قال معالي الشيخ دعيج بن خليفة آل خليفة وكيل وزارة الداخلية السابق إن المرحوم المقدم المتقاعد والخبير المروري عبدالعزيز بوحجي كان من الضباط المميزين وله شخصيته البارزة خاصة في مجال التوعية، فهو بحق رجل التوعية المرورية في البحرين وكان يمتاز بأسلوب توعوي شيق جدا وعفوي وبحديث جذاب، والجميع كان يتابعه ويستمتع بسماعه.
وأضاف أنه خلال فترة عمله بالإدارة العامة للمرور، شهد محبة الناس له وكانت رسائله التوعوية التي يطرحها تصل للمستمع بسهولة، كان مميزًا في برامج التوعية وقام بدور كبير في الجانب التوعوية المروري.
من جهته، أكد السفير خليل إبراهيم الذوادي، أن المرحوم عبدالعزيز بوحجي كان من رجال المرور البارزين وأخذ على عاتقه التوعية المرورية في إذاعة البحرين من خلال البرنامج اليومي الذي كان يبث قبل النشرة الصباحية، ادراكًا منه أن الطلبة سيكونوا في الحافلات المدرسية أو السيارات الخاصة كما سيستمع له كذلك السائقون.
وتابع "كان رحمة الله عليه مصيبًا في رؤيته، فقد تعود أبناؤنا على الاستماع إليه، وكان مؤمنا أن لهم تأثيرا على السائقين، خصوصاً وأنه يخاطبهم بالأسلوب المحبب الذى آمن به وباللهجة البحرينية مع طرح مواضيع في غاية الأهمية، ولقي برنامجه شعبية ودعمًا من المسؤولين بوزارة الداخلية، وكان يأتي إلى الإذاعة في منطقة العدلية سابقا ليسجل مع أحد المخرجين عدة حلقات، وأحيانا يقوم بالتسجيل وحده خاصة أنه يعرف تقنية الإذاعة، مشيدًا بتشجيع ودعم المغفور له الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة الذي تقلد مناصب رفيعة بوزارة الداخلية وحرصه على استمرارية البرنامج، وعندما بدأ إرسال تلفزيون البحرين عام 1973 أعد المرحوم العديد من البرامج التليفزيونية وبالذات في أسبوع المرور الخليجي السنوي".
في سياق متصل، أوضح النائب الأول لرئيس مجلس الشورى جمال فخرو، أن الفقيد كان له دور كبير في مجال توعية المواطنين بالسلامة المرورية ومخاطر الطريق ،حيث كان برنامجه اليومي من أهم البرامج التي تذيعها إذاعة البحرين في فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، معربا عن اعجابه بالأسلوب البسيط والعرض السلس والاستخدام الأمثل للهجة البحرينية وتنوع المعلومات التي كان يقدمها ، حيث أعطت برامجه طابعًا مختلفاً شجعت كل البحرينيين بشكل خاص وعموم العرب المقيمين بشكل عام على الاستماع بانتباه لكل كلمة.
وختم فخرو بالقول "كنت شخصيًا أتابع برنامجه بشكل يومي ، رحم الله الأخ العزيز الفقيد عبدالعزيز بوحجي وأسكنه فسيح جناته".
حمل رسالة سامية منذ بداياته بالعمل المروري
من جهته، أشار اللواء الشيخ عبدالرحمن بن عبدالوهاب آل خليفة مدير عام الإدارة العامة للمرور، أن الفقيد، كان مثالًا يُحتذى به في الانتماء الصادق والحرص على سلامة جميع مستخدمي الطريق، لافتا إلى أنه منذ بداياته في العمل المروري، حمل رسالة سامية، آمن بها وأخلص في أدائها، وجعل التوعية المرورية أولوية في وقت كانت فيه هذه المفاهيم لا تزال في بداياتها.
وأضاف أن الفقيد ساهم بشكل فعّال في تأسيس وترسيخ الكثير من مبادرات التوعية المرورية، وأسهم بإخلاصه وجهوده في بناء جيل أكثر وعيًا بقواعد المرور وأهمية الالتزام بها، منوهًا إلى أن حضوره في مناسبات أسبوع المرور الخليجي والعربي ، كان رمزًا للعطاء المتواصل، وقدوة في التفاني والإخلاص.
وختم بالقول "إننا في الإدارة العامة للمرور، إذ نودع أحد أعمدة العمل المروري والتوعوي، نستذكر بكل فخر وامتنان ما قدمه من جهود مشهودة، ستظل بإذن الله حاضرة في ذاكرة الوطن وأبنائه".
من جهته، أشار الدكتور عبدالرحمن جناحي أنه عاصر المرحوم لعقود من الزمن، بدءً من اللجنة العامة للسلامة على الطريق الذي كان من المؤسسين لها مع ثلة من الأخوة الأفاضل في وزارة الداخلية، وكانت اللجنة رائدة في مجال التوعية المرورية على المستوى المحلي والخليجي والعربي.
وأضاف أن المرحوم كان من مؤسسي "الروضة المرورية" والذي كان مشروعا رائدا على كل الأصعدة وساهم برنامجه الاذاعي اليومي في انتشار التوعية بالسلامة المرورية وأصبح رفيق المستمعين في رحلاتهم اليومية. وقد عاصرته كذلك، في المنتديات والمؤتمرات على المستوي الوطني والإقليمي، حيث كانت مشاركاته قيمة وجاذبة للحضور لأسلوبه العملي والسلس في توصيل المعلومة.
وتابع "بناء على هذه المساهمات القيمة، تم تكريمه كأول خبير عربي في التوعية المرورية من قبل المنظمة العربية للسلامة المرورية، وهذا غيض من فيض من إنجازاته، رحمه الله".
من جهته، اعتبر الدكتور هاشم المدني أن المرحوم بوحجي، رجل صاحب مواقف كبيرة، وبصمات ثبتها في نواحي عديدة على مستوى البحرين والخليج والعالم العربي، فهو من أوائل من وثّق تاريخ المرور في البحرين وشخصيا استفدت من علومه وخبرته الكثير من الأمور في اكثر من كتاب لي.
وأضاف أن المرحوم رفع من مستوى السلامة المرورية بأسلوبه الشيق في برامجه الصباحية في إذاعة البحرين. وعرفته في البداية من خلال تلك البرامج، ومن ثم تأصلت العلاقة بيننا في برامج كثيرة من دورات في التحقيق في الحوادث المرورية، وتنظيم مؤتمرات عالمية، وندوات محلية وخليجية.
من جهته، أوضح الإعلامي حسن كمال أنه عندما كان مديرا لإذاعة البحرين، لمس من المرحوم، الإخلاص والتفاني في مجال عمله في تقديم الفقرة المرورية التي استمرت لسنين طويلة تفاعل الجمهور البحريني معها، مضيفًا أنه كان يتناول كل جوانب السلامة على الطريق بأسلوب جميل جاذب للمستمع، واستطاع رحمه الله بناء منصة متميزة في إذاعة البحرين، تتضمن إجراءات السلامة والتوعية بالمخالفات المرورية مماساهم في انخفاض نسبة الحوادث وارتكاب المخالفات.
نعي وزارتي الداخلية والإعلام
نعت وزارتا الداخلية والإعلام المقدم المتقاعد والخبير المروري عبدالعزيز بوحجي وأعربتا عن بالغ تعازيهما وصادق مواساتهما إلى أسرة الفقيد وذويه، وإلى الأسرة الإعلامية في مملكة البحرين، مشيدين بما قدمه الفقيد من إسهامات رائدة في رفع مستوى الوعي المروري بالمجتمع عبر مبادرات وبرامج إعلامية متميزة، ختامًا، نشير إلى مقولة الفقيد عبدالعزيز بوحجي والتي ختم بها لقاءه التاريخي مع "الإعلام الأمني " إذ قال نصًا: "البحرين أمانة بأعناق أبناء الداخلية، وخدمة المجتمع من القيم الأساسية والعمل بجهد وتصميم لأمن المواطن والمقيم".
رحم الله المقدم المتقاعد وخبير التوعية المرورية عبدالعزيز بوحجي، وأسكنه فسيح جناته وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
ع.س, ن.ع, A.A
0 تعليق