تتسارع التحركات الدبلوماسية بين كييف وواشنطن والعواصم الأوروبية، فيما تبقى الحرب في أوكرانيا معلقة بين لاءات الرئيس الأميركي دونالد ترامب وتشدد الكرملين وإصرار كييف على ضمانات أمنية.
في هذا السياق، تبرز تصريحات عضو البرلمان الأوكراني أوليكسي غونشارينكو، التي تلخص قلق كييف من فقدان حلم الانضمام إلى الناتو، وما قد يعنيه ذلك لأمنها القومي ومستقبلها السياسي.
لاءات ترامب لزيلينسكي
الرئيس دونالد ترامب وضع أمام الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ثلاث لاءات واضحة: لا عودة لشبه جزيرة القرم، لا انضمام لأوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، ولا نشر لقوات أميركية على الأراضي الأوكرانية.
هذه الشروط شكّلت سقف الموقف الأميركي، ورسالة مزدوجة إلى كييف وموسكو على حد سواء.
ورغم ذلك، أبقى ترامب الباب مفتوحا عبر تصريحه لشبكة "فوكس نيوز" بأن الأسابيع المقبلة ستظهر مدى جدية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في السعي إلى إنهاء الحرب.
رفض لقاء موسكو
كشفت مصادر لوكالة الصحافة الفرنسية أن بوتين اقترح على ترامب عقد لقاء يجمعه بزيلينسكي في موسكو، وهو ما رفضه الرئيس الأوكراني.
هذا الرفض عكس خشية كييف من أي صيغة تفاوض قد تمنح روسيا تفوقًا دبلوماسيًا، في وقت تسعى فيه الحكومة السويسرية لعرض استضافة محادثات سلام، رغم المذكرة الصادرة بحق بوتين من المحكمة الجنائية الدولية.
أوروبا بين الضغوط والعقوبات
المجلس الأوروبي بقيادة أنتونيو كوستا شدد على ضرورة المضي في انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، معتبرا أن إشراك أوروبا في مفاوضات السلام مسألة حيوية.
ورغم الانقسام داخل الاتحاد بشأن الناتو، ظل التلويح بورقة العقوبات أداة أوروبية مركزية، إذ بحثت بريطانيا ودول أخرى في فرض عقوبات إضافية على بوتين نفسه، فيما طالبت كايا كالاس بإنجاز الحزمة المقبلة من العقوبات ضد موسكو بحلول الشهر المقبل.
الضمانات الأمنية.. بدائل الناتو
في قلب المفاوضات، تتمسك كييف بالحصول على ضمانات أمنية تعادل في قيمتها العضوية الأطلسية. السيناريوهات الغربية المتداولة تراوحت بين ثلاثة خيارات:
قوة حفظ سلام كبيرة ومسلحة تضم عشرات الآلاف، مهمتها الردع والدفاع، لكنها مكلفة جدًا. قوة ردع صغيرة ذات رمزية أوروبية، لكنها غير مجربة وقد تحمل مخاطر الفشل. قوة مراقبة محدودة مهمتها الرصد والتبليغ فقط.ورغم هذه المقترحات، لم يلتزم ترامب بإرسال قوات أميركية، لكنه أبدى استعدادا لدعم جوي لأي قوة دولية محتملة، فيما تدرس كييف شراء أسلحة أميركية بتمويل أوروبي يصل إلى 100 مليار دولار، مع خطط لتصنيع طائرات مسيّرة داخل الأراضي الأوكرانية.
صوت البرلمان الأوكراني
وصف عضو البرلمان الأوكراني أوليكسي غونشارينكو خلال حديثه إلى التاسعة على سكاي نيوز عربية لقاء ترامب وزيلينسكي الأخير بأنه كان أفضل من سابقه الذي اعتبر كارثيًا.
وأوضح: "كنا قلقين حتمًا من تجاهل مطالبنا، لكن الاجتماع كان جيدًا، وأملنا أن يدرك البيت الأبيض أن أوكرانيا مهمة للأمن الأوروبي".
وأكد أن العائق الأساسي يظل روسيا وبوتين، رغم النقاشات الجارية بشأن الضمانات الأمنية.
المادة الخامسة كنموذج بديل
غونشارينكو أشار إلى أن الضمانات الأمنية قد تشبه المادة الخامسة من ميثاق الناتو، التي تنص على أن أي هجوم على عضو يعتبر هجومًا على الجميع. وأوضح: "إن الضمانات مشابهة لما بين أميركا واليابان وكوريا الجنوبية".
وأضاف أن أوكرانيا تستحق أن تطرق باب الناتو، لكن القرار النهائي يعود إلى الحلف نفسه، مؤكدا أن الرفض اليوم لا يعني استحالة القبول غدًا.
معضلة الناتو
أكد غونشارينكو أن عضوية الناتو ليست بيد كييف وحدها، بل هي قرار سيادي للدول الأعضاء، مشيرًا إلى أن بعض الدول داخل الحلف مؤيدة لانضمام أوكرانيا، بينما أخرى ليست جاهزة بعد.
وقال: "لا أحد يعرف ما الذي سيحدث خلال 3 أو 5 سنوات"، في إشارة إلى أن التوازنات داخل الناتو قد تتغير بمرور الوقت.
الضمانات الواقعية.. الجيش والدعم الغربي
النائب الأوكراني شدد على أن الضمانة الأساسية لأوكرانيا تكمن في قوة جيشها: "يجب أن يصبح أقوى وأكثر منعة".
وأضاف أن المطلوب أيضا وجود قوات ميدانية أوروبية، وخاصة من فرنسا وبريطانيا، فضلًا عن انخراط مباشر من الولايات المتحدة. كما طرح إمكانية اتفاقات منفصلة مع قوى أوروبية كبرى وأميركا تمنح أوكرانيا مظلة حماية.
تظل الحرب الأوكرانية أسيرة معادلة معقدة: لاءات أميركية تقيد سقف كييف، وضمانات أمنية تبحث عن صيغة قابلة للتنفيذ، وأوروبا المترددة بين دعم الانضمام للاتحاد الأوروبي والتحفظ على الناتو، وموسكو الرافضة لأي مساس بمصالحها الاستراتيجية.
وفي هذا المشهد، تبدو تصريحات عضو البرلمان الأوكراني غونشارينكو تعبيرًا عن قلق جماعي: إذا خسرت أوكرانيا حلم الناتو، فإن البديل يجب أن يكون ضمانات صلبة تحميها من أي هجوم روسي جديد، وإلا ستظل الحرب مفتوحة على مستقبل غامض.
0 تعليق