عاجل

دبلوماسية على الحافة.. العرب بين التصعيد الأميركي ورد إيران - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

في خضمّ تطورات غير مسبوقة شهدتها المنطقة عقب الضربات الأميركية على منشآت نووية إيرانية، ارتفعت التحذيرات من انزلاق إقليمي واسع، في وقت تبذل فيه الدول العربية جهودًا حثيثة لتفادي اشتعال المسرح الإقليمي.

وفي هذا السياق، برزت مواقف الجامعة العربية، التي عبّرت عن مخاوفها من تدهور المشهد الأمني، ودعت إلى تغليب الدبلوماسية على المواجهة.

في خضمّ هذا المشهد، جاءت تصريحات السفير حسام زكي لتسلّط الضوء على حجم التحديات وتعقيداتها. الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، وفي مقابلة مع "سكاي نيوز عربية"، وصف دخول الولايات المتحدة إلى خط المواجهة المباشرة مع إيران بأنه "تطور كبير وخطير"، مشيرًا إلى أن المنطقة بأسرها باتت تواجه "وضعًا في منتهى الحساسية".

الجامعة العربية، من جهتها، اعتبرت أن استمرار سياسة الضربات المتبادلة من شأنه أن يضع المنطقة في دائرة مغلقة من العنف، حيث "تغذي الضربات بعضها البعض"، وهو ما يقوّض كل فرص التهدئة، ويدفع باتجاه تصعيد يصعب احتواؤه.

وأضاف زكي: "نحن لا نحمّل إيران مسؤولية عدم الاستقرار، ولكن تصعيد الخطاب الإيراني وتهديداته المتزايدة في أعقاب الضربات يزيد من تعقيد المشهد ويقوّض فرص الحلول السياسية".

إجماع عربي خارج دائرة الضوء

وفقًا لما صرّح به زكي، فقد عبّر وزراء الخارجية العرب في اجتماع طارئ، عُقد مساء الجمعة، عن موقف مشترك "واضح ومتوازن"، يركّز على ضرورة وقف التصعيد وإنهاء الحرب، سواء ما تعلق بالضربات الأميركية–الإسرائيلية، أو بجذور الأزمة المرتبطة بالقضية الفلسطينية، التي قال إنها "لا يمكن تغييبها مهما حاولت إسرائيل".

لكن اللافت أن الساحة العربية تشهد تحركات دبلوماسية مكثفة "خارج التغطية الإعلامية"، حيث فضّلت غالبية الدول أن تبقي مباحثاتها بعيدة عن العلن، أملاً في خلق ظروف أكثر مرونة تؤدي إلى نتائج ملموسة.

وقال زكي: "هناك جهود حثيثة من عدة أطراف عربية لتقليل الاحتكاك وتحييد المنطقة العربية عن تداعيات هذا النزاع، ولا سيما تلك الدول التي تقع جغرافيًا بين إيران وإسرائيل".

القلق من الانجرار.. السيادة الجوية في مرمى التوتر

لم تكن التحركات العربية بدافع الحياد فقط، بل انطلقت من شعور متزايد بالقلق حيال التداعيات المباشرة. فبعض الدول، كما أكد زكي، بدأت تستشعر تهديدًا لسيادتها، خصوصًا في ما يتعلق باستخدام أجوائها في عمليات عسكرية.

هذه المخاوف المشروعة دفعت الجامعة إلى التأكيد على أهمية تكثيف التنسيق السياسي على كل المستويات، العليا منها والوسيطة، لضمان تجنّب أي "مساس مباشر" بدول المنطقة أو توريطها في هذا التصعيد الحرج.

كارثة مؤجلة.. التهديد النووي في قلب المعركة

و تناول زكي في تصريحاته، أن الضربة الأميركية التي استهدفت منشآت نووية إيرانية كانت قريبة من التسبب بكارثة بيئية، مشيرًا إلى أنه "حتى الآن لم يتم رصد أي تسريبات إشعاعية"، لكن السيناريو يظل واردًا وقادرًا على شلّ المنطقة بأكملها، إذا ما تحققت أسوأ الاحتمالات.

وحذّر زكي من أن الانزلاق نحو مواجهة نووية، ولو غير مباشرة، سيضع الجميع أمام وضع غير قابل للسيطرة، مذكّرًا بأن إيران موقعة على معاهدة عدم الانتشار النووي، بينما إسرائيل لم تنضم لها مطلقًا، ما يزيد القلق الإقليمي ويكشف اختلالًا استراتيجيًا طويل الأمد.

ورغم عدم وجود قناة مباشرة بين الجامعة العربية وإيران في هذا الملف الحساس، فإن اتصالات وزراء خارجية عرب بطهران جرت خلال الأيام الماضية، بعضها في العلن وبعضها الآخر في الكواليس.

وكان الهدف منها، وفق زكي، حثّ القيادة الإيرانية على "التحلي بالعقلانية وضبط النفس"، في ظل وجود مخاوف حقيقية من تمدد المواجهة لتشمل مضيق هرمز أو مصالح أميركية في الخليج.

وقال زكي: "أظن أن إيران، رغم التصريحات النارية، تدرك جيدًا أن التصعيد المباشر سيؤدي إلى عواقب لا ترغب بها هي نفسها"، مشيرًا إلى أن الحرب الطويلة لن تكون في مصلحة أحد، وأن التعقّل يجب أن يسود قبل فوات الأوان.

نتنياهو والسياسات "الإجرامية"

لم يتردد السفير زكي في وصف سياسات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بـ"الإجرامية"، معتبرًا أنها تهدف إلى فرض الهيمنة على المنطقة واستثمار القوة العسكرية لأغراض انتخابية وشخصية، لا لأجل السلام.

وأضاف: "إذا كان يريد تغييرًا حقيقيًا، فليعرض خطة سلام جادة للفلسطينيين. أما تجاهله لجذر الصراع، أي القضية الفلسطينية، فهو أمر مرفوض ومحاولة بائسة لتغييب حقيقة واضحة".

وأكمل: "نقول للإدارة الأميركية: لن يتحقق الاستقرار في الشرق الأوسط ما لم يُعالج أصل المشكلة، وهي فلسطين. محاولات تل أبيب لتهميش هذه الحقيقة لن تنجح، لأن الشعب الفلسطيني باقٍ وقضيته حية".

الدبلوماسية مقابل الضربات.. أي أفق ممكن؟

أكد زكي في تصريحاته أن العمل الدبلوماسي العربي يهدف في المقام الأول إلى استعادة المسار السياسي الذي تم "التضحية به لصالح الحلول العسكرية"، معتبرًا أن "الضربات الجوية قد تحقق أهدافًا قصيرة المدى داخلية، لكنها لا تصنع سلامًا ولا تؤسس لاستقرار حقيقي".

وشدّد على أن الجامعة العربية ستواصل التنسيق بين عواصمها الأعضاء، للضغط باتجاه العودة إلى طاولة التفاوض، مشيرًا إلى أن التصعيد الحالي ليس سوى "نتيجة لتآكل الثقة السياسية والتضحية بالحلول التوافقية".

صوت العقل آخر حصون الاستقرار

وسط صراع متشابك الأطراف والأهداف، يبدو أن صوت العقل هو الحصن الأخير المتبقي أمام المنطقة لتفادي انزلاق كارثي. ففي لحظة تصطدم فيها الحسابات العسكرية بالمصالح الإقليمية والإنسانية، يظهر الدور العربي كعامل توازن ضروري، وإن كان بطيئًا أو بعيدًا عن الأضواء.

إن الجامعة العربية، وعلى الرغم من محدودية تأثيرها المباشر، تسعى جاهدة لتثبيت الاستقرار في منطقة أصبحت على شفير الانفجار، مدفوعة بمبادئ السيادة والحوار والحياد. وفي ظل تغوّل منطق السلاح، يبقى المطلب العربي واضحًا: وقف النزيف والعودة إلى طاولة السياسة، قبل أن يصبح الحريق أكبر من أن يُطفأ.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق