الكويت الاخباري

د محمد شومان يكتب الإنسان سيد أم تابع للآلة؟ - الكويت الاخباري

يبدو العنوان صادماً ومحيراً ، فالإنسان هو الذى يصنع الآلات ويقود التطور التكنولوجى ويفترض أنه يسيطر عليها  ويستخدمها لصالحه ، فكيف يمكن أن تستقل التكنولوجيا عنه أو تقوده ، أو كما يقول بعض المفكرين يصبح عبداً لها !! .
كيف يمكن أن تهيمن التكنولوجيا ؟ السؤال هنا ليس من باب التعجب أو الاستنكار ، وإنما هو سؤال حقيقى يطرح تحديات كبيرة على البشر فى ظل سرعة التحولات التكنولوجية وزيادة اعتماد البشر عليها ، واختراقها خصوصية الأفراد وحياة الأمم ، والتداخل بين الواقع والعوالم الافتراضية ، من هنا ظهر مصطلح الإنسان المعزز بالتكنولوجيا   Technologically Enhanced Human ويقصد به أى شخص يستخدم التكنولوجيا لتعزيز قدراته الجسدية أو الذهنية أو الحسية، مثل منَ يعتمد على الذكاء الاصطناعى لتحسين تفكيره، أو اتخاذ قراراته، أو صياغة أفكاره، أو منَ يستخدم نظارات الواقع المعزز لرؤية ما لا يُرى بالعين المجردة ، أو منَ يضع طرفًا صناعيًا ذكيًا يتحرك بالإشارات العصبية ، أو منَ يستعمل رقائق مزروعة تحت الجلد لفتح الأبواب أو تخزين المعلومات، أو جهاز طبى يساعده على الحياة .
إن استخدام أى مواطن لهاتف ذكى يعنى مباشرة أنه يسعى لتوسيع قدراته وحواسه التقليدية ، ويقلص من اعتماده على نفسه وخبراته لصالح ذاكرة الهاتف ، وارشادات خرائط جوجل ، وما تقدمه الخوارزميات له من معلومات وأخبار عن الأصدقاء والأقارب وعن ما يجرى فى العالم الخارجى من أخبار ومعلومات ، فى هذا السياق تطرح أسئلة مهمة مثل: هل يستطيع الأطباء أو القضاة أو الصحفيون أو الباحثون الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعى لتحليل البيانات أو صياغة التقارير أو اصدار الأحكام ، الاستغناء عن الايه أى ، وعن محركات البحث وأجهزة الكمبيوتر ؟ يمكنهم ذلك .. ولكن ربما سيفتقرون للدقة ويحتاجون لوقت وجهد كبيرين للقيام بوظائفهم التى كانوا يقومون بها فى الماضى ، وهل يمكن للإنسان العادى الاستغناء عن هاتفه الذكى أو خرائط جوجل أو أجهزة الكمبيوتر وشبكة الإنترنت ؟ .
هكذا اندمجت التكنولوجيا فى حياتنا المعاصرة وازداد الاعتماد عليها ، ومن المتوقع أن تزيد الحاجة إليها فى المستقبل القريب فى مجالات الأطراف الصناعية الذكية والتعديلات الجينية المدعومة بالحوسبة والواقع المعزز أو الافتراضى المدمج بالحواس ، والزرعات الدماغية كما فى مشاريع إيلون ماسك الطموحة مثل «Neuralink» التى تسعى لربط الدماغ البشرى مباشرة بالكمبيوتر. مما يُمكن الإنسان من تعلم لغة جديدة فى دقائق، أو استرجاع ذكرياته كاملة فى ثوان ، إذا حدث ذلك فهل يبقى «إنسانًا» بالمعنى التقليدى  وهل هذا الإنسان سيصبح أقوى وأكثر سيطرة بفضل التكنولوجيا؟ أم سيصبح معتمدًا عليها إلى درجة التبعية أوالخضوع؟ هل الإنسان سيد التكنولوجيا أصبح أسيراً وعبداً لها ؟ وماذا يحدث لو تعطلت التكنولوجيا ، هل سيصبح الإنسان عاجزاً أو ناقصاً ، ثم ماذا عن تحكم شركات التكنولوجيا فى تطوير وصيانة هذه التقنيات، ما يجعل الإنسان المعزز خاضعًا للبنية التحتية الرقمية والاقتصادية. 
وتتوقع الكاتبة الأمريكية دونا هاراوي، ظهور ما تطلق عليه  «السايبورغ» وهو كائن هجين  بين الإنسان والآلة ، يمكنه - بحسب رأيها -  أن يكون رمزًا للتحرر من كل الثنائيات القديمة: ذكر/أنثى، طبيعي/اصطناعي، إنسان/آلة، وأن يكون هوية جديدة ، لكن هذا السايبورغ - من وجهة نظرى - مجرد مفهوم نظرى أكثر من كونه حقيقى ، كما يتجاهل الفروق الطبقية والاثنية والثقافية ، وينظر بتفاؤل مبالغ فيه للتكنولوجيا وكأنه أداة تحرر وتمكين ، على الرغم من أن التطور التكنولوجى يظل خاضعاً لسيطرة الشركات الرأسمالية العملاقة ، وسعيها المحموم وغير الأخلاقى لتحقيق الأرباح . 
أعتقد أن البشرية تمر بمرحلة تحول تعيد طرح كثير من المسلمات للتفكير والبحث ، لكن من المؤكد ان البشر يصنعون التكنولوجيا ،ومع ذلك فهى تؤثر فيهم ، إذ تجعل الحياة سهلة وتوسع من قدرات البشر، لكنها فى الوقت ذاته تقلص من خصوصيتهم واعتمادهم على قدراتهم كبشر ، أنها أصبحت جزءا من البشر ، لكن من المستحيل أن تمتلك حضورا بشريا . لذلك لابد من أن نتكامل مع التكنولوجيا شرط أن نمارس إنسانيتنا ، ونفرض الأخلاق والقيم الإنسانية فى كل مراحل  تصميمها وتشغيلها


أخبار متعلقة :