الكويت الاخباري

غزة تدفع أوروبا لخصام تاريخي مع إسرائيل - الكويت الاخباري

تصاعدت المواقف الأوروبية المستنكرة لحرب الإبادة والتجويع التي تشنها إسرائيل على الفلسطينيين في قطاع غزة، وهذا يجعلها في مواجهة مع أحد أكبر حلفائها الدوليين.

ففي حين اتخذت بريطانيا إجراءات عقابية ملموسة ضد إسرائيل وهددت فرنسا ودول أوروبية عديدة باتخاذ إجراءات مشابهة إذا لم توقف جرائم الإبادة والتجويع في غزة، وصف رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز إسرائيل بدولة الإبادة.

ودعت إسبانيا في بيان مشترك مع 6 دول أوروبية أخرى للوقف الفوري لحربها في غزة وإنهاء حصار وتجويع سكانها متوعدين بأنهم لن يقفوا صامتين أمام المجازر المستمرة.

وبدأ وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، أول أمس الثلاثاء، مناقشة دعوات قدمتها بعض الدول الأعضاء لاتخاذ قرار تاريخي بتعليق اتفاقية الشراكة بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي.

فهل سيتمكن الأوروبيون من اتخاذ قرار كبير بهذا الحجم؟ أم أن بيروقراطية الاتحاد التي تفرض الإجماع في القرارات ستحول دون ذلك؟ وماذا يعني تعليق اتفاقية الشراكة بين الطرفين؟ وكيف يمكن أن تتضرر إسرائيل بذلك؟

استدعت الخارجية البريطانية السفيرة الإسرائيلية في لندن احتجاجا على توسيع العمليات في غزة (رويترز)

مقترح هولندي وتحركات أوروبية

تولى وزير الخارجية الهولندي، كاسبار فيلدكامب، في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل، تقديم مقترح تعليق اتفاقية الشراكة مع إسرائيل، ويحظى المقترح أيضا -حسب تقرير لموقع يورو نيوزـ بدعم ما يزيد على 10 دول في الاتحاد الأوروبي، من بينها فرنسا وإسبانيا وأيرلندا وهولندا وفنلندا والبرتغال وسلوفينيا والسويد.

إعلان

وبالتزامن مع انعقاد الاجتماع الأوروبي، أعلنت بريطانيا عن إجراءات ضد إسرائيل، شملت عقوبات ضد مستوطنين، وتعليق بيع أسلحة ومفاوضات للتجارة الحرة، كما استدعت الخارجية البريطانية السفيرة الإسرائيلية تسيبي هوتوفيلي احتجاجا على توسيع العمليات العسكرية ومنع إدخال المساعدات إلى قطاع غزة.

وذكرت صحيفة الغارديان أن لجنة الأعمال في البرلمان البريطاني استدعت 3 وزراء معنيين بصادرات الأسلحة إلى إسرائيل، وقامت باستجوابهم بشأن مخاوف من إرسال أسلحة لاستخدامها في غزة. وتعهدت بريطانيا بتقديم مساعدات جديدة لغزة بأكثر من 5 ملايين دولار.

من جهتها، أكدت فرنسا على لسان المتحدث باسم الخارجية الفرنسية -في لقاء مع الجزيرة- أن الرئيس إيمانويل ماكرون أوضح أن "كل الخيارات مطروحة" للضغط على إسرائيل من أجل وقف الحرب وإدخال المساعدات.

وأضاف أن بلاده تراجع مجموعة من الخيارات ضد الحكومة الإسرائيلية بتنسيق أوروبي. كما ذكر أن باريس تفكّر في توسيع العقوبات على حكومة إسرائيل بسبب انتهاكاتها في غزة، واصفا توسيع العملية العسكرية الإسرائيلية في القطاع بأنه "أمر مروع وتصعيد مرفوض".

أما بلجيكا، فقد قال وزير خارجيتها، نائب رئيس الوزراء البلجيكي، مكسيم بريفو -في لقاء مع الجزيرة- إن 17 دولة أوروبية درست عقوبات على إسرائيل، وإن أغلب تلك الدول تدعم هذا المسار. وأكد أن بلاده تنظر في طريقة لمد جسر جوي يتيح إيصال المساعدات لقطاع غزة، مضيفا "يجب التحرك بأي ثمن لرفع الحصار الذي تفرضه إسرائيل على غزة.. ليس مقبولا أن نرى مدنيين، نساء وأطفالا، بغزة يموتون من الجوع والعطش".

وقال الوزير بيرفو، قبيل الاجتماع الأوروبي، إنه سيقترح فرض عقوبات أوروبية على المستوطنين العنيفين وعلى القادة السياسيين والعسكريين من الجانبين، كما سيعلن دعم بلاده للمؤتمر الدولي المزمع تنظيمه الشهر المقبل في نيويورك للتحرك في اتجاه الاعتراف بفلسطين وحل الدولتين.

إعلان

اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل

تشكل اتفاقية الشراكة الإطار القانوني الرئيسي للعلاقات الثنائية بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، وتنص المادة الثانية من هذه الاتفاقية على أنه "تستند العلاقات بين الطرفين، وكذلك جميع أحكام الاتفاقية نفسها، إلى احترام حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية، التي توجه سياستهما المحلية والدولية وتشكل عنصرا أساسيا في هذه الاتفاقية".

وحسب الباحثة البلجيكية المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط، ناتالي جان دوثي، في دراسة نشرتها في فبراير/شباط الماضي، فإنه نظرا للانتهاكات الخطيرة والمتكررة التي ترتكبها إسرائيل لهذه الاتفاقيات وللقانون الدولي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فإنه يتعين على الاتحاد الأوروبي تعليق اتفاقية الشراكة هذه حتى تحترم إسرائيل التزاماتها الدولية، لأنها تفتخر ببناء عملها الخارجي على أساس احترام حقوق الإنسان.

ويتخذ المجلس الأوروبي قرار التعليق على أساس اقتراح تعده المفوضية أو الممثل الأعلى للعلاقات الخارجية، ويجوز للمجلس أيضا أن يطلب من المفوضية تقديم مثل هذا الاقتراح، ولتعليق الاتفاق برمته لا بد من الإجماع في المجلس، لكن يجوز تعليق الأحكام التجارية للاتفاقية بأغلبية الدول الأعضاء.

يُذكر أن الاتحاد الأوروبي هو أكبر شريك تجاري لإسرائيل، وبالتالي فإن قطع العلاقات التجارية معه سيشكل ضربة اقتصادية هائلة.

طلب الممثل الأعلى السابق للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل وهو في المنصب تعليق الحوار السياسي مع إسرائيل (الجزيرة)

مناشدات سابقة متكررة

ومنذ بدء الحرب الإسرائيلية الحالية على غزة طرحت مسألة تعليق اتفاقية الشراكة بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي أكثر من مرة. ففي فبراير/شباط 2024، أرسلت أيرلندا وإسبانيا رسالة إلى المفوضية الأوروبية تطلب منها مراجعة مدى امتثال إسرائيل لالتزاماتها بموجب المادة 2 من اتفاقية الشراكة، ودعمت بلجيكا هذا الطلب، لكن المفوضية لم تستجب.

إعلان

وكان الممثل الأعلى السابق للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الوحيد الذي طلب من الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي لحقوق الإنسان أولوف سكوج إجراء تقييم لمدى امتثال إسرائيل للمادة الثانية من اتفاقية الشراكة، وبناء على هذا التقييم، دعا بوريل في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 الدول الأعضاء إلى تعليق الحوار السياسي مع إسرائيل وبما أن ذلك يتطلب إجماع الدول الأعضاء، فإنه ظل حبرا على ورق.

ونظرا للانتهاكات الإسرائيلية الخطيرة والمنهجية للقانون الدولي، فقد دعا عدد متزايد من منظمات المجتمع المدني إلى تعليق اتفاقية الشراكة. ففي سبتمبر/أيلول 2024، أطلقت أكثر من 200 منظمة غير حكومية ونقابة عمالية أوروبية حملة لتعليق الاتفاق، وفي يناير/كانون الثاني 2025 حث أكثر من 250 برلمانيا من 17 دولة في الاتحاد الأوروبي المفوضية الأوروبية على مراجعة اتفاقية الشراكة.

وقالت مؤسسة المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إن مراجعة امتثال إسرائيل للمادة الثانية من اتفاقية الشراكة ـكما طلبت أيرلندا وإسبانياـ ضرورية لمحاسبة إسرائيل على انتهاكاتها للقانون الدولي، ويمكن أن تساعد في خلق مسار قابل للتطبيق لحل سياسي.

كما دعت نقابات عمالية فرنسية الاثنين الماضي في بيانات مشتركة الحكومة الفرنسية إلى دعم تعليق اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل في ظل الوضع الإنساني المأساوي في غزة والانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان.

غسل عار دعم إسرائيل

وقد سبر تقرير لموقع كارنيغي الأوروبي للدراسات نشر في 15 مايو/أيار الجاري آراء بعض الباحثين الدوليين بشأن استمرار اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل على ضوء ما يُعلنه القادة الإسرائيليون بوضوح عن نيتهم ​​تهجير سكان غزة قسرا من القطاع، وهي سياسة تُعدّ بمثابة تطهير عرقي، وسأل التقرير الباحثين عن مدى انسجام ذلك مع حفاظ الاتحاد الأوروبي على التزاماته في مجال حقوق الإنسان.

إعلان

واعتبر منسق برنامج البحث في مركز الدراسات الشرقية، ماريك ماتوسياك، أن من يجادلون في مسؤولية إسرائيل عن جرائم الحرب المرتكبة في قطاع غزة يختارون تجاهل الواقع الذي لم يعد مخفيا حتى في إسرائيل نفسها، حيث يتحدث السياسيون الإسرائيليون بحرية عن تجويع سكان غزة وعن تطهير القطاع من سكانه، ويناقش الجنود الإسرائيليون علنا استهداف المدنيين وينشرون مقاطع فيديو تُظهر أنفسهم وهم يفجرون الجامعات والمستشفيات والمساجد.

لذلك -يضيف الباحث- فإن السؤال الذي يواجهه الاتحاد الأوروبي لا يتعلق بالحقائق، بل بالسياسة، فلن يكون تعليق اتفاقية الشراكة مع إسرائيل أمرا سهلا ولكنه ضروري لإظهار أن أفعال إسرائيل غير مقبولة، ولمنع الاتحاد الأوروبي -الذي طالما روّج لنفسه بأنه منارة لحقوق الإنسان- من أن يصبح موضع سخرية عالمية.

أما مديرة معهد الشؤون الدولية، ناتالي توتشي، فقالت "لا ينبغي للاتحاد الأوروبي تعليق اتفاقية الشراكة بينه وبين إسرائيل اليوم، بل كان يجب عليه فعل ذلك منذ زمن بعيد، على الأقل منذ أن أصبحت جرائم الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة موثقة بوضوح، حيث وجدت محكمة العدل الدولية ما يكفي من الأدلة للمضي قدما في قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق قادة إسرائيليين.

أما الحجة التي تُسمع كثيرا، وهي أن تعليق اتفاقية الشراكة لن يردع إسرائيل عن مواصلة حرب الإبادة الجماعية في غزة، فهي داحضة، فعندما تبدأ إسرائيل بالشعور بثمن أفعالها قد تُدفع لتغيير مسارها، ومهما كان تأثير تعليق اتفاقية الشراكة إلا أنه خطوة في الاتجاه الصحيح. أما العكس، فيعني ببساطة الاستمرار في مسار التواطؤ مع جرائم إسرائيل، وهو ما يسلكه الاتحاد الأوروبي منذ سنوات طويلة في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

إعلان

تهديد المصالح الأوروبية الجوهرية

وبدوره، يرى الباحث السياسي في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية هيو لوفات أن إسرائيل أصبحت القوة الرئيسية اليوم لزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط، فمن غزة إلى سوريا، تُقوّض تدخلاتها العسكرية المتوسعة وضمّها لأراضٍ أجنبية الحكومات الصديقة للغرب، وتُهدّد المصالح الأوروبية الجوهرية.

ويضيف لوفات أنه من خلال التعبير بوضوح عن هذا الخيار، يمكن للأوروبيين تعزيز موقف الكتلة الإسرائيلية المناهضة لنتنياهو، والتي تنتقد الحكومة لتحويلها البلاد إلى دولة منبوذة، مع دعم أولئك الإسرائيليين الذين يجادلون بصوت عالٍ بأن إنهاء الحرب في غزة والعودة إلى الدبلوماسية هو السبيل الوحيد لإنقاذ إسرائيل.

أما رئيسة وحدة أبحاث الدفاع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، أميلي فيري، فتقول "سيُمثل إنهاء اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل قطيعة غير مسبوقة مع التقليد الأوروبي الراسخ في دعم دولة إسرائيل".

فطالما اعتبرت إسرائيل نفسها امتدادا لأوروبا في الشرق الأوسط، لأن الصهيونية وُلدت في أوروبا؛ ولأن النخبة السياسية والفكرية والعسكرية في البلاد غالبيتها من الأشكناز؛ ولأن شريحة كبيرة من سكان إسرائيل اليوم يحملون جواز سفر أوروبيا.

وبحسب فيري، فإن نقض هذه الاتفاقية سيؤكد أن ارتباط أوروبا بإسرائيل لا يُبرر غض الطرف عن المبادئ الأساسية للقانون الدولي، كما ستسمح هذه الخطوة للاتحاد الأوروبي بالرد على اتهامات الجمود وازدواجية المعايير، التي تحرص روسيا والصين وإيران على استغلالها. والأهم من ذلك، أنها ستتوافق مع فكرة أن أوروبا قادرة -بل ذلك واجبها- على تجسيد بديل ديمقراطي على الساحة العالمية.

أخبار متعلقة :