ألبانيزي خلال مشاركتها في اجتماع لمجلس حقوق الإنسان في مارس/آذار الماضي (الفرنسية)
ألبانيزي خلال مشاركتها في اجتماع لمجلس حقوق الإنسان في مارس/آذار الماضي (الفرنسية)
19/5/2025
"إلى كل من سار من أجل غزة -مرة واحدة أو ألف مرة- شكرًا لكم. من لندن إلى صنعاء، كيب تاون إلى ملبورن، نسير في شارع واحد: الطريق الطويل نحو العدالة. ضد الإبادة الجماعية، والعنصرية، والفصل العنصري وأولئك الذين يستفيدون منه. نحن موحدون".
بهذه الكلمات العاطفية أعادت المقررة الخاصة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة فرانشيسكا ألبانيزي في 17 مايو/أيار الجاري نشر تغريدة لزعيم حزب العمال البريطاني السابق جيرمي كوربين، تناولت انخراط نصف مليون شخص في ذلك اليوم في مظاهرة جابت شوارع لندن "مطالبين حكومتنا بإنهاء تواطؤها في الإبادة الجماعية".
تعطي مواكبة هذه الموظفة الأممية حدثا تضامنيا مع الفلسطينيين بات عاديا من فرط تكراره، فكرةً عما يميّزها عن موظفين دوليين كبار أمثال الأمين العام للأمم المتحدة (البرتغالي) أنطونيو غوتيريش، ومفوض وكالة الأونروا (السويسري) فيليبي لازاريني، ومسؤول العلاقات الخارجية الأوروبي السابق (الإسباني) جوزيب بوريل.
فهؤلاء الثلاثة يجمعهم وقوفهم في مواجهة حرب الإبادة التي تشنها حكومة أقصى اليمين الإسرائيلي على قطاع غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، على خلاف ألبانيزي الأكثر تبحرا ومواكبة لأحداث القضية بجوانبها السياسية والحقوقية والإنسانية.
تغريدات يومية
يصعب إحصاء القصص والمواقف المستجدة ذات الصلة بمعاناة الفلسطينيين التي أعادت ألباينزي تسليط الضوء عليها عبر صفحتها على منصة "إكس"، غير أن أبرزها بيان لمنظمة العفو الدولية عنوانه "77 عاما على النكبة.. ولم تنته"، وتغريدة لموقع محطة "إن بي سي" عنوانها "إدارة ترامب تعمل على خطة لنقل مليون فلسطيني إلى ليبيا"، وتغريدة منشورة يوم 16 مايو/أيار الجاري لناشط يدعى أحمد الدين يعرض فيها صورا مدعومة بلقطات فيديو عن قتل إسرائيل 300 مدني فلسطيني في غزة خلال 48 ساعة.
أما تغريدات ألبانيز الخاصة، فتراوحت بين إشهار امتناعها عن إجراء مقابلات صحفية تتضمن أسئلة عما إذا كانت تصدق أعداد ضحايا المجازر المرتكبة في غزة "وكأن الأطفال المحترقين يحتاجون إلى إثبات"، حسب أحدث تغريداتها. وفي تغريدة أخرى في 16 مايو/أيار الحالي عزّت مدير مركز الميزان عصام يونس على خسارته عددا من أفراد أسرته في المذبحة التي ارتكبتها إسرائيل في الليلة السابقة، وقالت في تغريدة ثالثة في اليوم ذاته "جنود ومستوطنو إسرائيل في الضفة الغربية: طيور من النوع نفسه. أحدهم يرتدي زيا رسميا والآخر لا يرتديه؛ كلاهما فوق القانون".
مواقف هذه الخبيرة المكلفة من قبل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة استندت إلى خبرة حقوقية وأكاديمية قادتها لتبني حقوق الفلسطينيين أفرادا وشعبا غير منقوصة. فهي حاصلة على شهادة في القانون مع مرتبة الشرف من جامعة بيزا (إيطاليا)، وماجستير في حقوق الإنسان من مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية في لندن، وهي تكمل الدكتوراه في القانون الدولي للاجئين في كلية الحقوق في جامعة أمستردام.
وقبل توليها منصبها في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يوم 18 أكتوبر/تشرين الأول 2022، عملت ألبانيزي لمدة عشر سنوات خبيرة في حقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة بما في ذلك مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وفي وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). وكان عملها بين عامي 2003 و2013 في قسم الشؤون القانونية في الأونروا ومقره في مدينة القدس.
إثارة اللوبي
مع توليها المنصب، أوصت ألبانيزي في تقريرها الأول بأن تضع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة "خطة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي الاستيطاني الاستعماري ونظام الفصل العنصري". وخلص التقرير إلى أن "الانتهاكات الموصوفة في هذا التقرير تكشف طبيعة الاحتلال الإسرائيلي، أي طبيعة نظام الاستحواذ والعزل والقمع المتعمد الذي يهدف إلى منع تحقيق حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير"، مما كان كافيا لإثارة اللوبي اليهودي الذي اتهمها بـ"معاداة السامية".
لكن الدعم بمواجهة هذه الحملة أتاها من 65 باحثا في معاداة السامية والدراسات اليهودية. إذ أصدر هؤلاء في ديسمبر/كانون الأول 2022 بيانا قالوا فيه "من الواضح أن الحملة ضدها لا تتعلق بمكافحة معاداة السامية اليوم. يتعلق الأمر بشكل أساسي بالجهود المبذولة لإسكاتها وتقويض تفويضها مسؤولة كبيرة في الأمم المتحدة تقدم تقارير عن انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان والقانون الدولي".
الحملات المناهضة لألبانيزي بدأت مع صدور تقريرها الأول مقررة خاصة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة (الفرنسية)
الحملات المناهضة لألبانيزي بدأت مع صدور تقريرها الأول مقررة خاصة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة (الفرنسية)
لكن الحملات ضد ألبانيزي ما لبثت أن تجددت بعد شهرين واستمرت متقطعة حسب المواقف المستجدة التي تعلنها المقررة الأممية. ففي فبراير/شباط 2023 دعت مجموعة مؤلفة من 18 عضوًا في الكونغرس الأميركي من الحزبين الجمهوري والديمقراطي إلى عزل ألبانيزي من منصبها بدعوى أنها أظهرت تحيزًا ثابتا ضد إسرائيل.
نتنياهو وهتلر
وفي 24 يوليو/تموز 2024 وجهت إسرائيل انتقادات لاذعة لألبانيزي، وطالبت بعزلها بعدما أيدت منشورا على منصة إكس يقارن بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والزعيم النازي أدولف هتلر.
وردا على تصريحاتها المتكررة بشأن الجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين، اتهمت البعثة الإسرائيلية لدى الأمم المتحدة في نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2024 ألبانيزي بأنها "ليست سوى ناشطة سياسية" تنشر بانتظام "معاداة السامية وتحمي وتشجع الإرهاب وتشوّه القانون"، ودعت في بيان المنظمة الدولية إلى إقالتها من منصبها.
ووصلت الحملة على ألبانيزي إلى ذروتها في 5 أبريل/نيسان الماضي عند التصويت على تجديد ولايتها. فقد سعت كل من إسرائيل والمجر والأرجنيتين لمنعها من الحصول على ولاية جديدة من 3 سنوات، إلا أن 47 عضوا من أعضاء المجلس منحوها ثقتهم، مما أخرج ممثلي إسرائيل وصحافتها عن أطوارهم.
فقد وصف مندوب إسرائيل الدائم لدى الأمم المتحدة داني دانون الخطوة بنبرة غاضبة قائلا بأنها "عار وبقعة أخلاقية سوداء على الأمم المتحدة". واتهم في تغريدة على منصة إكس ألبانيزي بـ"تكرار تصريحات معادية للسامية"، وطالب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بـ"التراجع عن قرار تمديد ألبانيزي في منصبها" بزعم أنها "تحمل آراء عنصرية".
أما في إسرائيل فاعتبرت صحيفة "معاريف" قرار التمديد لألبانيزي بأنه "يوم أسود لإسرائيل"، في حين تناولت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الحدث عبر خبر عنونته بـ"الأمم المتحدة تمدد للمبعوثة التي أنكرت جرائم حماس وشبّهت إسرائيل بالنازيين". واعتبرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" أن ألبانيزي "تمثل توجّها أوسع داخل منظومة الأمم المتحدة منحازا ضد إسرائيل".
ولدت فرنشيسكا ألبانيزي عام 1977 في مدينة أريانو إيربينو جنوبي إيطاليا، ونشأت في أسرة سياسية وحقوقية كانت تناقش فيها باستمرار قضايا سياسية واجتماعية مثل حق الشعوب في تقرير مصيرها.
كانت أولى ذكرياتها عن الشؤون الخارجية هي صور مذبحة صبرا وشاتيلا في لبنان عام 1982، وكانت هذه هي المرة الأولى التي سمعت فيها عن اللاجئين الفلسطينيين.
التربية الأولى
تفتخر ألبانيزي دائما بمسقط رأسها الذي قالت إن به أناسا أسهموا في تعليمها وتربيتها على قيم غالية، هي الأرض والعدالة والحرية.
أثناء مسيرتها الأكاديمية والمهنية، نشرت العديد من الأوراق البحثية والمنشورات عن الوضع القانوني في إسرائيل وفلسطين، ومنها:
إعادة التفكير في الحلول للاجئين الفلسطينيين. أصوات الشباب اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى.. المشاركة الاجتماعية والسياسية والتطلعات. قضية اللاجئين الفلسطينيين.. الأسباب الجذرية وكسر الجمود. الأونروا وحقوق اللاجئين الفلسطينيين.. اعتداءات جديدة تحديات جديدة. اللاجئون الفلسطينيون في جنوب شرق آسيا.. حدود جديدة.في أحدث إصدار لها، نشرت ألبانيزي كتابا جديدا بالإيطالية بعنوان "عندما ينام العالم.. قصص وكلمات وجروح من فلسطين". وفي النص التعريفي المثبت بالكتاب على موقع أمازون قيل "إنها رحلة تقودنا من خلال عشر شخصيات رافقت فرانشيسكا في فهم تاريخ فلسطين، حاضرها ومستقبلها. هند رجب، التي ماتت في السادسة من عمرها تحت القصف الذي دمر غزة، تفتح أعيننا على ما يعنيه أن تكون طفلاً في بلد لا يوفر الحماية أو الاحترام لجذورهم. أبو حسن يأخذنا إلى أماكن المعاناة والمشقة عند أطراف القدس؛ وجورج، الصديق المقرب، يكشف لنا عن جمالياتها وعبثيتها".
المصدر : الجزيرة
أخبار متعلقة :