كتب محمد الجمل:
يتواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتتصاعد حدة المجازر والجرائم الاسرائيلية، مع تصاعد فصول المعاناة، بينما يتواصل الحصار بصورة غير مسبوقة، مُخلّفاً أزمات كبيرة في القطاع.
"الأيام" رصدت مشاهد جديدة من العدوان وتبعاته، منها مشهد يرصد تصاعد قصف المستشفيات في القطاع، ومشهد آخر تحت عنوان: "التأهب للعيش طويلاً في الخيمة"، ومشهد ثالث يُوثق تحول العدس إلى وجبة يومية وحيدة للنازحين.
استهداف المستشفيات
تصاعدت الجرائم الإسرائيلية بحق المدنيين والمنشآت المدنية والصحية بشكل كبير خلال الساعات الماضية، إذ جرى خلال ساعات معدودة، استهداف مستشفيين من أصل 7 مستشفيات تعمل في قطاع غزة.
ووفق مصادر محلية وشهود عيان، فإن الاستهداف الأول وقع في ساعة مبكرة من فجر أول من أمس، بقصف مباشر ومباغت، استهدف مستشفى ناصر الحكومي بمحافظة خان يونس، جنوب القطاع، وتسبب باستشهاد الصحافي حسن إصليح وهو على سرير العلاج داخل المستشفى، وإصابة آخرين، إضافة إلى شيوع حالة خوف وهلع في صفوف المرضى والطواقم الطبية، خاصة أنها المرة الثالثة التي يتعرض فيها المستشفى ومحيطه للغارات خلال الأسابيع القليلة الماضية.
وبعد ذلك بنحو 15 ساعة فقط، شنت طائرات الاحتلال سلسلة غارات جوية "حزاماً نارياً" عنيفاً ومباغتاً، إذ قصفت بـ9 قنابل كبيرة "خارقة للتحصينات"، محيط مستشفى الأوروبي، بما يشمل منازل مأهولة، وشوارع مُعبّدة وترابية، في حين استهدفت غارة على الأقل القسم الميداني داخل حرم المستشفى المُكتظ بمئات الجرحى والمرضى، والطواقم الطبية.
وتسبب القصف العنيف في تضرر المستشفى وتوقف العمل في معظم أقسامه، ما استدعى نقل المصابين إلى مستشفى ناصر، حيث أعلن الأخير الطوارئ القصوى، وطالب المواطنين بالتبرع بالدم، من أجل إنقاذ المصابين.
وذكر شهود عيان أن الغارات التي استهدفت المستشفى الأوروبي ومحيطه هي الأعنف والأكبر التي يتعرض لها مستشفى بشكل مباشر منذ بداية العدوان.
من جهته، أكد رئيس المستشفيات الميدانية في قطاع غزة، الدكتور مروان الهمص، أن الاحتلال دمّر القطاع الصحي كاملاً في قطاع غزة، ما تسبب بتوقف 85% من الخدمة الصحية على مستوى قطاع غزة؛ وأخرج كبريات المستشفيات عن العمل.
وأشار الهمص إلى أن خروج المستشفى الأوروبي عن الخدمة يعني توقف أكبر مجمع صحي جنوب القطاع عن العمل؛ حيث كان يُقدم بعض الخدمات التي توقفت شمال غزة؛ كقسم الأورام والسرطان. وأوضح أن ما تبقى من القطاع الصحي لا يستطيع الاستمرار في ضوء النقص الحاد بالوقود والمستلزمات الطبية.
وتحظى المستشفيات بحماية خاصة في اتفاقية جنيف الرابعة؛ إذ لا يجوز بأي حال الهجوم على المستشفيات المدنية، التي تُقدم الرعاية للجرحى والمرضى والعجائز والنساء، حيث يوجب القانون احترام هذه المستشفيات وحمايتها.
وبناءً على ذلك، لا يسمح أبدا بالهجمات العشوائية أو المستهدفة على المستشفيات والوحدات الطبية، والعاملين الطبيين، الذين يعملون بصفة إنسانية.
وتُشكّل الهجمات المتعمدة ضد المستشفيات والأماكن التي يتجمع فيها المرضى والجرحى، بموجب نظام روما الأساسي، مخالفة جسيمة لقوانين وأعراف الحرب.
العيش طويلاً في الخيمة
أيقن الكثير من العائلات أن العيش في خيمة لن يكون مجرد فترة قصيرة تنتهي بانتهاء العدوان، خاصة بعد أن علمت هذه العائلات بتدمير منازلها في رفح، أو غيرها من المناطق.
وبات أفراد العائلات النازحة يتأهبون ويستعدون للعيش فترات طويلة، قد تمتد لسنوات في الخيمة، ويهيئون هذا الأمر لأبنائهم، من أجل تقبّله.
وأشار المواطن عبد الله عرفات، إلى نه نزح أول مرة من بيته في شهر أيار من العام الماضي، وأخبر أبناءه بأنها فترة نزوح قصيرة وسيعودون إلى بيتهم في رفح، وقد أقاموا في خيمة بمواصي خان يونس لأكثر من 9 أشهر، وبعدها عادوا إلى منزلهم شمال رفح، مع بدء اتفاق التهدئة الأخير، وكان صالحاً للسكن رغم تضرره، وأقاموا فيه نحو شهرين، قبل أن ينزحوا مجدداً باتجاه المواصي نهاية آذار الماضي، وقد أخبر أبناءه أيضاً أنها فترة نزوح مؤقتة، ويعودون إلى المنزل، لكنه اكتشف قبل أيام أن منزله دمر تماماً، بل تم مسح المربع السكني المُحيط به بالكامل.
وأوضح عرفات أنه بدأ يهيّئ أبناءه لفترة إقامة طويلة في الخيمة، ربما تزيد على تلك التي عاشها أجداده إبان النكبة.
ولفت إلى أنه جلس مع زوجته وأبنائه، وأخبرهم بأنهم مقبلون على فترة صعبة، حتى لو توقفت الحرب، ويجب أن يعتادوا على حياة الخيمة، موضحاً أنه وبمجرد توقف الحرب، وفي حال عاد إلى بيته، سيُقيم خيمة تصلح للمعيشة الطويلة، حيث سيقوم بتنظيف ركام المنزل، ويضع أكثر من خيمة فوقه، كل واحدة منها عبارة عن غرفة مستقلة، وسيُحاول توفير ألواح من الصفيح، لإقامة مطبخ، وحمّام.
ونوّه عرفات إلى أن حياة الخيمة كُتبت على الفلسطينيين، فما حدث بعد العام 1948 يتكرر حالياً، وهو يعي ويُدرك أهداف الاحتلال من وراء تدمير المنازل، حيث يسعى الاحتلال لدفع الناس للهجرة من غزة، لكنه ورغم ذلك لن يترك أرضه ولن يهاجر، حتى لو عاش ما تبقى من عمره في خيمة.
العدس وجبة يومية
أجبرت المجاعة المتواصلة العائلات في قطاع غزة، على أنماط غذائية جديدة، بحيث باتت العائلات تتناول طعاماً واحداً لفترات طويلة دون تغيير.
وبات العدس واحداً من الأطعمة الثابتة، التي يتناولها الكثير من العائلات في قطاع غزة، حتى دون خبز، إذ يتم أكلها بالملعقة، جراء انعدام البدائل الأخرى.
وقال المواطن إبراهيم مهدي، إنه تسلم ثلاثة طرود غذائية في فترة التهدئة الأخيرة، واتفق مع زوجته على ادخارها للأزمات، واعتمدوا حينها على شراء الطعام من السوق، موضحاً أن هذه الطرود التي كانت تحتوي على أربعة أصناف رئيسية، هي العدس، والمعلبات، والمعكرونة، وكيسين من الطحين وزن 25 كغم لكل منهما، أنقذتهم خلال المجاعة الحالية.
وبيّن أن المعلبات والطحين نفدت في أول 40 يوماً من الحصار، ثم اعتمدوا على المعكرونة وحدها في طعامهم، وقد نفدت الأخيرة أيضاً، والآن لم يتبق لديهم سوى العدس.
وأشار إلى أنه يشتري الحطب وتقوم زوجته بطهي العدس، ووضع القليل من الأرز عليه، ويتناولونه بالملعقة في الوجبات الثلاث.
وبيّن أن أبناءه توجهوا إلى "تكية" طعام بعيدة عن خيمتهم، لجلب أي شيء مختلف عن العدس، وحين عادوا اكتشف أنهم جلبوا أيضاً العدس، ويبدو أنه الطعام الوحيد المتبقي في قطاع غزة.
ولفت إلى أن أبناءه كرروا شكواهم من تكرار نفس الصنف من الطعام، سواء العدس أو المعكرونة من قبله، لكنه لا يمتلك خياراً آخر، وهم مجبرون على أكله حتى يبقوا على قيد الحياة.
وأكد مهدي أنه بات قلقاً على صحة أبنائه، الذين حُرموا من أطعمة مهمة لتغذيتهم، خاصة الخضراوات والفواكه، وهذا قد يؤثر على صحتهم، خاصة إذا ما طالت الأزمة.
وذكر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، أن "أكثر من 3500 طفل دون سن الخامسة يواجهون خطر الموت الوشيك جوعاً، فيما يقف نحو 290.000 طفل على حافة الهلاك، في وقت يفتقر فيه 1.1 مليون طفل يومياً إلى الحد الأدنى من الغذاء اللازم للبقاء على قيد الحياة، كما وصل إلى المستشفيات ما يزيد على 70.000 طفل؛ بسبب سوء التغذية الحاد"، وهذا قد يُنذر بأن الخسائر البشرية الناتجة عن استمرار هذه المجاعة قد تتجاوز مجاعات الصومال واليمن وجنوب السودان.
وأكدت المحكمة الجنائية الدولية، في لائحة اتهاماتها، أن تجويع المدنيين (حرمانهم من المواد الضرورية للعيش)، يُعاقب عليه ضمن جرائم الحرب، كما نص الميثاق الدولي على أن "إلحاق المعاناة بالمدنيين عبر حرمانهم من الغذاء" يعد جريمة دولية.
أخبار متعلقة :