كييف- بعد هدنة الأيام الثلاثة التي أعلنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمناسبة "يوم النصر" يبدو أن الحرب في أوكرانيا ستدخل مرحلة جديدة، مع دعوات أوكرانية وغربية إلى وقف شامل لإطلاق النار لمدة 30 يوما تقابلها دعوة روسية لمفاوضات مباشرة على قاعدة تلك التي أجريت في إسطنبول خلال الأسابيع الأولى من اندلاع الحرب.
لكن المشهد لا يزال ضبابيا، إذ تصر كييف وحلفاؤها الغربيون على ضرورة وقف إطلاق النار بدءا من اليوم الاثنين كشرط مسبق لأي تفاوض، وهو ما ترفضه موسكو التي تدعو إلى التفاوض يوم الخميس المقبل، معتبرة أن حل "الخلافات الجذرية" لا يمكن أن يبدأ دون حوار مباشر.
وبينما تحاول أوكرانيا دفع الكرة إلى ملعب موسكو قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إنه ينتظر من روسيا اتخاذ خطوة حاسمة بوقف إطلاق النار، وأعلن استعداده للقاء بوتين وجها لوجه في إسطنبول الخميس المقبل، داعيا الروس إلى عدم البحث عن "ذرائع" لتعطيل هذا اللقاء الذي لم يحدث قط منذ بدء الحرب.
لكن وزير خارجيته أندريه سيبيغا شكك في جدية الجانب الروسي، مرجحا أنهم "لا يمتلكون الشجاعة" لخوض حوار مباشر، وفق تعبيره.
معطيات ضاغطة
ازداد المشهد تعقيدا خلال الأيام القليلة الماضية في ظل زيارات قام بها قادة ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وبولندا إلى كييف، حيث نسقوا مواقفهم مع واشنطن بشأن خطوات موحدة تتضمن إنذارات واضحة لموسكو.
إعلان
وطرح هؤلاء القادة فكرة إرسال قوات من "تحالف الراغبين" (أو "تحالف العزم" كما تسميه أوكرانيا) تكون منتشرة على الخطوط الخلفية للجبهات لتوفير الحماية الجوية والمنشآت الحيوية، وهو ما لمح إليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مشيرا إلى إمكانية مشاركة آلاف الجنود.
وبالتوازي، تعهدت بريطانيا وألمانيا بإرسال دفعات جديدة من الأسلحة والدفاعات الجوية إلى أوكرانيا، في حين لمّحت واشنطن إلى تقديم دعم عسكري يتجاوز ما كان مقدما في عهد الإدارة السابقة كما قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
كما هددت العواصم الغربية موسكو بعقوبات اقتصادية "غير مسبوقة" تشمل قطاعات الطاقة والمصارف في حال رفضت الأخيرة وقف إطلاق النار، ويأتي هذا التصعيد بعد توقيع اتفاقية "المعادن النادرة" بين كييف وواشنطن، والتي اعتبرت خطوة إستراتيجية دفعت بالموقف الأميركي أكثر نحو تأييد أوكرانيا.
مأزق تفاوضي
ورغم أن زيلينسكي وصف الدعوة الروسية للتفاوض بأنها "إشارة إيجابية" فإن شريحة واسعة من الأوكرانيين ترى فيها "خدعة مألوفة" تهدف إلى كسب الوقت.
وفي حديثه للجزيرة نت، قال المحلل السياسي والدبلوماسي السابق فولوديمير شومكوف "لا نريد مفاوضات شكلية تُستخدم لتجميل صورة موسكو، نحن قدّمنا مقترحا منطقيا لهدنة طويلة، لكن روسيا تريد جولات تفاوض عبثية تظهرها كدولة تسعى للسلام فيما تواصل حربها، هذا مأزق خطير يجب ألا نقع فيه".
وأضاف شومكوف أن الهدف الروسي لم يتغير، وهو إخضاع أوكرانيا واحتلال أكبر مساحة من أراضيها، موضحا أن الحديث عن مخاوف موسكو من انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو مجرد ذريعة، فهناك دول عدة مجاورة لروسيا ضمن الحلف "وأوكرانيا ليست بعد ضمنه، وطريقها لا يزال طويلا".
مفاوضات إسطنبول
سواء عُقدت الجولة الجديدة من المفاوضات أم لا يثير الحديث عن العودة إلى مسار إسطنبول تساؤلات كثيرة، خاصة أن روسيا ضمت لاحقا 4 مقاطعات أوكرانية إلى أراضيها في سبتمبر/أيلول 2022.
إعلان
وفي هذا السياق، قال المحلل السياسي أوليكساندر بالي للجزيرة نت إن الدعوة للعودة إلى مفاوضات 2022 تمثل "محاولة للتلاعب"، فموسكو عدلت دستورها وضمّت مناطق دونيتسك ولوغانسك وزاباروجيا وخيرسون "ولا يمكن أن تتخلى عنها طوعا".
وأضاف أن "روسيا تسعى إلى كسب الوقت واستنزافنا عسكريا واقتصاديا وإضعاف علاقتنا بالحلفاء، أي عودة للمفاوضات دون شروط واضحة تصب في مصلحتها".
شروط غربية
ويرى سياسيون وخبراء أن إمكانية التفاوض قائمة، لكنهم يحذرون من المبالغة في التعويل على نتائجها، فوفق وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، ينبغي أن يكون لأوروبا مقعد على طاولة التفاوض بين موسكو وكييف.
ويؤكد المحلل شومكوف أن الخطة "ب" جاهزة إذا رفضت روسيا وقف إطلاق النار أو لم تقبل بمشاركة دولية أوسع في المفاوضات، وتشمل "إرسال قوات أوروبية وفرض عقوبات قاسية، إلى جانب زيادة الدعم العسكري الغربي كمّا ونوعا".
كما يرى شومكوف أن "واشنطن تشعر بخيبة أمل متزايدة من نوايا بوتين، خصوصا بعد تعزيز العلاقات مع بكين، والتي تُوجت بحضور الرئيس الصيني شي جين بينغ احتفالات يوم النصر في موسكو، هذا عزز تقارب إدارة ترامب مع كييف، ووحد الموقف الأميركي الأوروبي بشأن القضية الأوكرانية".
إلى أين؟
وبينما يترقب العالم تطورات ما قبل "خميس المفاوضات" يستبعد مراقبون عسكريون حدوث تغير جوهري في الجبهات، إذ لا يزال كل طرف بعيدا عن تحقيق أهدافه الميدانية.
ويقول إيفان ستوباك الخبير العسكري في المعهد الأوكراني للمستقبل والمستشار الأمني السابق في البرلمان الأوكراني للجزيرة نت إن "الهدوء على الجبهات غير وارد حاليا، فالقوات الروسية تتقدم ببطء وتكلفة عالية، ولم تتمكن حتى الآن من فرض سيطرتها الكاملة على مقاطعة دونيتسك، أما السيطرة على زاباروجيا وخيرسون فهي أبعد".
إعلان
في المقابل، أشار إلى أن "القوات الأوكرانية تحقق تقدما تدريجيا في بعض المحاور، مثل بوكروفسك في دونيتسك، مما يمثل تحديا كبيرا لموسكو".
وأضاف ستوباك أن "المرحلة المقبلة قد تشهد تصعيدا أوكرانيا واسع النطاق، ولا سيما بعد استئناف الدعم الأميركي بأنظمة باتريوت وصواريخ أتاكمز، إلى جانب إرسال واشنطن قطع غيار لطائرات "إف-16″، وهذا يعيد التوازن لصالحنا، ويفتح الباب أمام ضربات دقيقة في العمق الروسي إذا لم تُفتح قنوات تفاوض عادلة".
أخبار متعلقة :